عنب بلدي – أمل رنتيسي
احتلت قضية انشغال روسيا في حربها على أوكرانيا حديث الصحف الإسرائيلية، التي اعتبرت أن التغيّر في شكل توزع القوى الفاعلة يُفسح مجالًا إيرانيًا أكبر في سوريا، جارة إسرائيل، التي طالما شكّلت إيران تهديدات لها.
“غارقة في أوكرانيا”، هكذا وصفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في 18 من نيسان الحالي، الوضع الروسي، الذي يحاول الموازنة بين وجوده في سوريا وبين الجبهة التي فتحها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أوكرانيا منذ 24 من شباط الماضي، والتي لا بد أن انعكاساتها ظهرت على الساحة السورية التي توجد فيها موسكو منذ عام 2015.
وفي سياق القوى الفاعلة في سوريا من الناحية السياسية وتأثيرها على تل أبيب، اعتبر التقرير التحليلي المنشور في الصحيفة، أن موقف إسرائيل الضبابي تجاه حرب موسكو على كييف ظهر عبر تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وتصويت تل أبيب مع واشنطن على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، الذي وصف ما ترتكبه روسيا في أوكرانيا بـ”جرائم حرب”.
انعكست التصريحات السياسية بين موسكو وتل أبيب حول أوكرانيا على التنسيق بين الطرفين في سوريا، إذ تشنّ إسرائيل ضربات على مواقع إيرانية بين الحين والآخر بالتنسيق مع روسيا.
إسرائيل سبق أن أنشأت “آلية تفادي التضارب” مع روسيا بعد تدخلها في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري، لمنع الاشتباك عن غير قصد خلال الضربات الإسرائيلية ضد الانتشار الإيراني ونقل الأسلحة في الدولة العربية المجاورة، أما الآن فيعتبر مصدر القلق الرئيس لوزارة الدفاع الإسرائيلية عرقلة العلاقات الإسرائيلية- الروسية الحساسة بشأن سوريا، فالجيش الإسرائيلي يعمل بانتظام ضد القوات المدعومة من إيران، وتحديدًا “حزب الله”.
وبحسب دراسة تحليلية أصدرها مركز “جسور للدراسات”، في 23 من نيسان الحالي، بعنوان “أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على النظام السوري”، أشار إلى أن الصراع في أوكرانيا أدى إلى تراجع ملحوظ في التنسيق بين روسيا وإسرائيل في سوريا.
ترتب على ذلك زيادة الاعتماد في قصف الأهداف على صواريخ “أرض- أرض” انطلاقًا من هضبة الجولان، واستخدام الأجواء اللبنانية لتنفيذ الضربات داخل سوريا، وبالتالي تعرّض مواقع النظام لمزيد من الاستهداف الإسرائيلي.
تحركات القوى العسكرية الفاعلة في سوريا غير مؤكدة بعد
يصعب التحقق بشكل جازم من التحركات الروسية في سوريا في خضم معاركها بأوكرانيا، وفي ظل تجاهل الإعلام الروسي نشر أي تحديثات حول تغيير بقواعد موسكو في سوريا، وفق ما رصدته عنب بلدي.
وعلى النقيض، فإنه رغم “انشغالها” في أوكرانيا، ما زالت التدريبات الروسية لقوات النظام السوري مستمرة، إضافة إلى تسييرها دوريات على طريق “5M” الدولي في سوريا، وشن سلاح الجو الروسي ضربات، رغم تراجع وتيرتها عن عام 2021، سواء ضد مواقع لتنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية السورية، أو ضد مواقع فصائل المعارضة السورية في إدلب وأرياف حلب.
ولكن، بحسب ما نشرته هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، في 16 من نيسان الحالي، فإن روسيا أجّلت مناوبات وحداتها العسكرية في سوريا، بسبب أعمالها العسكرية في أوكرانيا.
وذكرت الهيئة أنه “بسبب الأعمال العدائية على أراضي أوكرانيا، تأجل تناوب وحدات الفيلق 68 للجيش (الروسي) في المنطقة العسكرية الشرقية بالجمهورية العربية السورية”.
ووفقًا للمعلومات المتاحة لهيئة الأركان، فإن مكاتب التجنيد العسكرية في المنطقة العسكرية المركزية للقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، تعمل على دفع المجندين الاحتياطيين لتوقيع عقود قصيرة الأجل لمدة ثلاثة أشهر إلى سنة واحدة.
وتحدثت صحيفة “هآرتس” أن ما يثير القلق الإسرائيلي هو أن روسيا تقوم بتخفيض قواتها في سوريا، ومن بينها مئات المرتزقة من مجموعة “فاغنر”، لتعزيز وجودها في أوكرانيا، بينما يُستبدل الإيرانيون والميليشيات الموالية لإيران بالجنود الروس المُنسحبين، حسب تقارير متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إعلام عربية.
ووفق الصحيفة الإسرائيلية، وُضع “اللواء 47” المُدرّع السوري تحت القيادة الإيرانية في الجزء الجنوبي من منطقة حماة وسط سوريا، وإلى قاعدة اللواء، التي يوجد فيها أيضًا مركز تدريب، وصلت حوالي 40 مركبة عسكرية مؤخرًا بالإضافة إلى حوالي 17 شاحنة “بيك آب” مزوّدة بمدافع رشاشة، بعضها يديرها مقاتلو “حزب الله” اللبناني التابع لإيران.
واعتبر الصحفي تسفي برئيل، كاتب المقال في “هآرتس”، أن عدد القوات الإيرانية في سوريا لم يتغير نتيجة هذه التحركات، ولا التهديد لإسرائيل، ولكن العنصر الجديد هو الحرب في أوكرانيا، التي يمكن أن تجعل الوجود العسكري الإيراني عاملًا أكبر بصنع القرار في سوريا.
وتعليقًا على التوزع والتهديد الإيراني الذي من الممكن أن تشكّله إعادة التموضع الروسي في سوريا على إسرائيل، قال الكاتب والباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، في حديث إلى عنب بلدي، إنه لا توجد أدلة كافية تؤكد المزاعم التي تقول إن روسيا خفضت حضورها العسكري في سوريا بسبب الحرب على أوكرانيا، وما جاءت به بعض الصحف عبارة عن معلومات غير دقيقة وغير مؤكدة حتى الآن.
ويرى قدور أن من المبكر جدًا تداول معلومات تتحدث عن تراجع الوجود الروسي لمصلحة الإيرانيين في سوريا، والتي تبدو في مضمونها “أكثر عاطفية” أمام المعلومات المؤكدة حول ثبات العمليات الروسية للتزود بالوقود في سوريا، وعدم دقة الأنباء التي تحدثت عن استقدام الروس مرتزقة قوات النظام إلى أوكرانيا.
ورغم الخسائر الروسية الضخمة في أوكرانيا، لا تزال روسيا تتعامل مع الملف السوري على مبدأ “كل شيء على ما يرام”، فهي تُبقي على قواعدها وتحالفاتها المحلية والإقليمية في سوريا، وفق قدور.
وأضاف أنه لا تزال سوريا تشكّل قاعدة عملياتية متقدمة ورئيسة مهمة للروس، وإبقاء الروس على حضورهم العسكري “الروتيني” ينبع من قلق روسي عميق من أن يعود الانخراط الأمريكي في سوريا بشكل أكثر جدية وفاعلية، ما يهدد مصالح ومكتسبات روسيا في سوريا.
وعليه تسعى روسيا للحفاظ على مكتسباتها المنجزة في سوريا، وتحرص على عدم تحريك جبهة ثانية غير أوكرانيا، حتى يتسنى لها تحقيق مكاسب وإنجازات، يراها البعض غير مضمونة، في أوكرانيا.
ونوّه الباحث إلى أن إيران، في وسائل إعلامها، تروّج لهذه القضية، من خلال إعادة نشر وترجمة المعلومات التي جاءت في الصحف الإسرائيلية، كصحيفة “هآرتس”، لكنها في نفس الوقت لا تنفي ولا تؤكد هذه المعلومات، ما يشير إلى ارتياح إيراني مما يحدث في أوكرانيا من ضغط عسكري واقتصادي كبير على الروس، وهو ستكون له تداعيات إيجابية في المحصلة على توسع النفوذ الإيراني في سوريا.
آخر الخيارات الروسية
بدوره، يرى رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، أن أي إعادة تموضع وأي سحب لأي قطعة لأي تكتل عسكري سواء كان لروسيا أو يتبع لشركات الأمن الروسية، مثل “فاغنر” أو “فيغا/فيغاسي” وغيرهما، أو سواء كان الجيش الروسي، أو كان لتمركز الشرطة العسكرية الروسية بقاعدة للنظام، سيخلق فراغًا، الجهة الوحيدة القادرة على سدّه هي إيران.
وكانت إيران خلال الفترة السابقة تعمل على مبدأ تعزيز وجودها العسكري والأمني بالمستوى المحلي، فقد يكون ظاهرًا أن السيطرة على قطعة عسكرية أو مكان عسكري أو نقطة معيّنة هي لجهة محلية، لكن إيران كانت تجهز لهذا الأمر، وفق حديث شعبان لعنب بلدي.
وأكّد الباحث عدم وجود أي إعادة تموضع “ضخمة” قام بها الروس إلى الآن في سوريا، إلا أنه اعتبر أن استمرار الحرب على أوكرانيا سيضطر الجانب الروسي عاجلًا أم آجلًا إلى سحب قوات، وهذا الأمر هو “آخر الاحتمالات والخيارات” بالنسبة للروس، إذ تعلم موسكو أهمية وجودها في سوريا.
واستبعد شعبان استقدام روسيا قواتها الخاصة من سوريا، مؤكدًا أن الروس يتبعون أسلوب إحضار عناصر من قوات النظام السوري بعقود عن طريق شركات الأمن الخاصة.
وهو ما ذكرته وكالة “أسوشيتد برس” في تقرير لها، أن عناصر من “قوات النمر” سجّلوا للذهاب والقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، وهم “جنود ومقاتلون متمرسون قاتلوا لسنوات ضد تنظيم (الدولة الإسلامية) في البادية السورية”.
وأوضح التقرير أن عددًا قليلًا فقط وصل إلى روسيا للتدريب العسكري قبل الانتشار على الخطوط الأمامية، رغم حديث روسي سابق عن أكثر من 16 ألف طلب من الشرق الأوسط، للتجنيد والقتال إلى جانب الروس، لكن مسؤولين وناشطين أمريكيين شكّكوا بأن تكون أعداد المقاتلين من المنطقة كبيرة.
ورغم عدم ظهور الأثر للاستنزاف العسكري الروسي الحالي بالنسبة للوجود الروسي في سوريا، فعلى المدى الطويل، سيؤدي الصراع إلى استنزاف عسكري واقتصادي لأهم داعم دولي للنظام السوري في ظل ارتفاع الخسائر العسكرية للروس، حسب الدراسة التحليلية لمركز “جسور“.
وأشارت الدراسة إلى أن من المحتمل أن يؤدي طول الصراع إلى تراجع أو تخلي روسيا عن دعم بعض الوحدات العسكرية التي ساعدت النظام في استعادة توازنه أمام فصائل المعارضة، مثل “الفيلق الخامس” و”الفرقة السادسة” و”الفرقة 25″.
مع العلم أن “الفيلق الخامس” الذي أسسته روسيا عام 2016 كقوات رديفة لقوات النظام ينشط في المنطقة الجنوبية السورية المتاخمة للحدود الإسرائيلية، وهو بوصف الباحث نوار شعبان، “صمام الأمان” للتحركات الإيرانية في الجنوب، ومهم جدًا لإسرائيل.
وتوقع الباحث أن يتم “تعزيز التنسيق” مستقبلًا بين إسرائيل وروسيا من أجل ضبط الفراغات التي قد تتشكّل إذا قررت روسيا سحب قواتها بشكل أكبر، رغم الترويج الإعلامي الذي يُصدّر العكس.