عنب بلدي – حسن إبراهيم
ارتفعت وتيرة الاشتباكات والخلافات سواء بين المدنيين أو بين فصائل مسلحة في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، التي تشمل ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا.
وتطورت معظم الخلافات إلى استخدام السلاح الذي صار أداة تُشهر عند وقوع أي طارئ، مسفرًا عن وقوع خسائر في الأرواح وملحقًا الضرر بالممتلكات.
ورغم إصدار “الحكومة المؤقتة”، المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، وفصائل منضوية تحت رايته عدة قرارات لمنع حمل السلاح في عدة مناطق تحت سيطرتها، وتنبيه العناصر إلى حمل السلاح في “مناطق وخطوط الرباط مع العدو”، لا يزال منتشرًا وبكثرة.
سلاح خارج التغطية
رصدت عنب بلدي العديد من الخلافات في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، سواء بين المدنيين أو بين فصائل مسلحة، سرعان ما تحولت إلى استخدام السلاح بشكل مباشر أو عشوائي، ويتحول أي شجار إلى الاستخدام الفوري للسلاح، سواء في الهواء لنشر الهلع والخوف أو بشكل مباشر لتحقيق إصابات.
في 22 من آذار الماضي، شهدت مدينة الباب بريف حلب الشرقي إضرابًا لعدة مدارس، رفضًا واستنكارًا للتسيّب الأمني، وانتشار مظاهر العسكرة وحمل السلاح أمام أبواب المدارس دون رقيب.
جاء الإضراب حينها بعد خلاف نشب بين طلاب، ينتمي أهل أحدهم لفصيل عسكري، ليتطور الخلاف إلى اعتداءات على طالب آخر ومعلمين في أثناء الانصراف من المدرسة.
وقُتل الشاب محمد طيب يوسف سويد في مدينة الباب، وهو صاحب مكتب تأجير منازل، بعد خلاف مع عنصر يتبع لـ”الجيش الوطني”، في 28 من آذار الماضي، بسبب وجود خلاف على منزل بين أحد عناصر الفصائل في “الجيش الوطني” وصاحب مكتب تأجير المنازل محمد سويد، وفق ما أوضحه مصدر في “الشرطة العسكرية” لعنب بلدي.
وبدأ الخلاف حين أراد العنصر فتح باب إضافي في المنزل، وهو ما قوبل برفض من قبل صاحب المكتب، ثم تطور الخلاف واستدعى العنصر بعض العناصر وأدى الأمر إلى مقتل صاحب المكتب.
وأغلقت منظمة “قوافل الخير” العاملة في عدة مناطق شمالي سوريا مراكزها بمدينة جرابلس، بريف حلب الشمالي، بشكل نهائي، بعدما قالت إنها تتعرض لمضايقات.
وذكرت المنظمة أن المضايقات تطورت إلى التهديد وإشهار السلاح في وجه العاملين، والتوعد بمهاجمة بيوتهم، وفق بيان نشرته المنظمة عبر “فيس بوك”، في 11 من نيسان الحالي.
وفي 17 من الشهر نفسه، شهدت مدينة الباب اشتباكات بين قوات “الشرطة العسكرية” في المدينة وفصيل “أحرار الشام” التابعين لـ”الجيش الوطني”، مخلّفة جرحى من الطرفين.
وأوضح مصدر في الشرطة العسكرية لعنب بلدي، تحفظ على ذكر اسمه، أن الاشتباك وقع نتيجة منع قوات الشرطة عناصر من فصيل “أحرار الشام” دخول السوق مع أسلحتهم، ما أثار مشكلة بين الطرفين.
وعلى خلفية المشكلة، غادر عناصر “أحرار الشام” السوق، وعادوا برفقة عناصر آخرين ليطلقوا النار باتجاه عناصر الشرطة داخل السوق، الأمر الذي خلّف جرحى من الطرفين، بحسب المصدر.
في 19 من نيسان الحالي، شهدت مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي اشتباكات مسلحة إثر خلاف عائلي في منطقة الصناعة خلّفت جرحى مدنيين.
وأفاد مراسل عنب بلدي بريف حلب الشمالي، أن اشتباكات شهدها حي الصناعة بمدينة اعزاز، تبعها انتشار لقوات الشرطة العسكرية في المنطقة لفض الاشتباكات.
المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، أكد في حديث إلى عنب بلدي، أن في كل الثورات والصراعات المسلحة تنشأ هناك ظاهرة “فوضى السلاح”، وهذه الظاهرة ليست وقفًا أو حكرًا على الحالة السورية، فهناك فوضى سلاح وبنسب متفاوتة في كل من ليبيا والعراق واليمن وأماكن أخرى فيها صراعات مسلحة.
وأعرب الأسمر عن أسفه كون هذه الظاهرة أصبحت وبالًا على الشعب السوري في مختلف المناطق والمدن، فهي منتشرة بكثرة على امتداد الجغرافيا السورية، إذ إنها موجودة في صفوف الموالاة بالداخل السوري، نتيجة وجود العشرات من الميليشيات وقوات “الدفاع الوطني” التي تتبع إما للنظام، وإما للإيرانيين، وإما للروس، كما تنتشر أيضًا وبكثرة في صفوف المعارضة. قوات “الدفاع الوطني
قرارات لا تردع
ترافق استخدام السلاح في المنطقة بإصدار قرارات من الجهات العاملة فيها والمسيطرة عليها، سواء من قبل “الحكومة المؤقتة” أو من فصائل “الجيش الوطني”، أو من المجالس المحلية، لكنها لم تحد من توقف استخدام السلاح عند أي خلاف.
أصدرت وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” تعميمًا حول ضبط حمل السلاح، وحصرت وجوده في المعسكرات وخطوط المواجهة مع العدو والنقاط الأمنية، ضمن مناطق سيطرتها شمالي سوريا.
وأوصت بضرورة الاحتكام إلى القضاء للبت في أي خلاف، وفق ما نشره المكتب الإعلامي للوزارة، في 12 من نيسان الحالي.
القرار لم يكن جديدًا على الفصائل أو مناطق “الجيش الوطني”، إذ أصدرت “حركة ثائرون” التابعة لـ”الجيش الوطني” والتي تضم عدة فصائل، تعميمًا بمنع حمل السلاح ضمن الأسواق ومساكن المدنيين، في منطقة عمليات “نبع السلام” (مدينتا رأس العين شمال غربي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة)، ويتعرض أي عنصر يحمل سلاح البندقية (كلاشنكوف) أو سلاحًا رشاشًا متوسطًا (BKC)، ضمن الأسواق الشعبية أو المناطق المأهولة بالسكان للاعتقال ومصادرة السلاح، وعقوبة انضباطية بالسجن لمدة 15 يومًا.
ودعت “ثائرون”، في 9 من كانون الثاني الماضي، جميع المسؤولين من قادة ألوية ومجموعات تحت مرتباتها، إلى تنبيه العناصر “بحمل السلاح فقط على خطوط الرباط مع العدو وليس للتنزه، وإرهاب الأطفال والنساء والمدنيين عامة”، على حد تعبير البيان، كما منعت الحركة إدخال الآليات التي تحمل رشاشات ثقيلة إلى الأسواق والطرقات.
وكانت السلطات المحلية في مدينتي الباب واعزاز وعدة مناطق في أرياف حلب أصدرت قرارات منذ أكثر من سنتين، بمنع إطلاق النار بشكل نهائي حتى في الحفلات والأعراس، ونشر دوريات أمنية وشرطية في مداخل الأسواق لمنع دخول السلاح، إلا أنها لم تحُل دون استخدامه.
دعوة لضبط السلاح
فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في شمال غربي سوريا، دان الاعتداءات “المتعمدة” بحق السكان المدنيين من خلال خلق حالة من عدم الاستقرار، وطالب جميع الجهات المسيطرة على الأرض بإيقاف عمليات الاعتداء المتكررة والاشتباكات، وشدد على ضرورة ضبط انتشار السلاح بشكل فوري، وإبعاد المدنيين عن مناطق “الاقتتال العشوائي”.
وفي بيانه الصادر في 19 من نيسان الحالي، حذر الفريق الفصائل العسكرية من الاقتراب أو توسيع نقاط الاشتباكات إلى المراكز السكنية والمخيمات ومراكز الإيواء المنتشرة في المنطقة.
وذكّر جميع الأطراف بالتركيز على حماية المدنيين في الشمال السوري من كل الاعتداءات، وخاصة أن المنطقة بلغت حدها الأقصى من الطاقة الاستيعابية للسكان الذين تجاوز عددهم أكثر من أربعة ملايين نسمة بينهم أكثر من نصفهم نازح ومهجر قسرًا.
ما الأسباب.. ومن يضبط السلاح؟
عزا العقيد فايز الأسمر انتشار السلاح لعدة أسباب، منها سهولة الحصول على السلاح الفردي بالمال من تجار السلاح المنتشرين في أغلبية مناطق شمال غربي سوريا، دون أي ضوابط قانونية، ورجّح الأسمر أن يكون بعض التجار أذرعًا وتابعين لقيادات في الفصائل ومحميين من قبلهم من أجل الربح المادي بما يسمى “علاقات مشبوهة”.
وأشار إلى أنه ليس من مصلحة أي جهة مصادرة السلاح، لوجود بعض المستفيدين من عملية بيعه وشرائه.
أضاف الأسمر أن عدم وجود تجريم قضائي حقيقي لمن يحمل السلاح عمومًا دون ترخيص أو دون وجود صفة تحتّم عليه حمله، وخاصة في المناطق السكنية والمأهولة، من أكثر أسباب انتشار السلاح.
وتنشط تجارة السلاح في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، ما يسهّل امتلاكه بالنسبة للمقاتلين والمدنيين بصورة كبيرة، دون الحاجة للحصول على تراخيص، أو وجود جهات رقابية ذات سلطة، فضلًا عن التوتر الأمني الذي يدفع بالمدنيين إلى امتلاك السلاح لـ”الدفاع عن النفس”.
انتشار المحسوبيات والواسطات الكثيرة، بحسب العقيد فايز، هو الذي يمنع تطبيق الأنظمة والقوانين على البعض، بالإضافة إلى عدم وجود الإرادة الصلبة الحقيقية والرادعة لقمع هذه الظاهرة من قبل الأجهزة التنفيذية المختصة، “إن وُجدت هذه الأجهزة بالأساس”، حسب تعبيره.
يرى العقيد فايز الأسمر أن مسؤولية ضبط السلاح تقع على عاتق السلطة التشريعية والقوة التنفيذية الشرطية “الحقيقية” في المنطقة، والتي “لا تخاف بالله لومة لائم”، فهي التي يقع على عاتقها تطبيق القوانين على الجميع ودون أي استثناءات.
ما الحلول؟
طرح المحلل الأسمر بعض الحلول التي من الممكن أن تضبط حمل السلاح، وتحد من تسجيل الأضرار في الأرواح والممتلكات الناتجة عن هذه الظاهرة، ومنها:
1- تشكيل قوة تنفيذية شرطية حقيقية منضبطة منتقاة من ذوي السمعة والسيرة الحسنة، وإعطاؤها جميع الصلاحيات التي تخولها القضاء على هذه الظاهرة.
2- إنشاء محكمة خاصة بمخالفات حمل السلاح، وتطبيق أشد العقوبات بحق المخالفين.
3- إعطاء مهلة والإعلان عنها في وسائل الإعلام لحاملي الأسلحة غير المرخصة لتسليمها قبل تطبيق القصاص العادل بحق المخالفين.
4- القضاء على ظاهرة الاتجار بالسلاح والذخائر، ومصادرة سلاح التجار وتقديمهم للقضاء وإصدار أشد العقوبات بحقهم.
5- القيام لاحقًا بدوريات في الشوارع والأسواق والمناطق السكنية، ووضع حواجز “طيارة” بين المدن والبلدات، والتفتيش عن السلاح لدى المركبات والأشخاص.
مقترحات
يرى العقيد أن من الممكن اقتراح عروض تغري الناس لتسليم السلاح، وتحديد فترة زمنية لتسليم أسلحتهم الخفيفة كـ”بندقية ومسدس وقاذف”، وتحديد مكافأة مقابل تسليم السلاح.
المبالغ لن تكون مساوية لقيمة السلاح، بحسب الأسمر، الذي اقترح أن تكون المبالغ تشجيعية وتعويضًا لحامل السلاح وجذبه، ودفع منصات الإعلام التابعة لـ”الحكومة المؤقتة” لتغطية هذا التوجه.
وبعد تخطي فترة تسليم السلاح المحددة، يمكن فرض عقوبات، باعتبار حمل أي سلاح خارج إطار المؤسسة العسكرية، ودون توصيف عسكري دقيق يخوّل صاحبه حمل هذا السلاح، يجب التعامل معه بحزم وجدية.