يندرج مسلسل “عالحد” في إطار المسلسلات القصيرة التي تسعى لمعالجة الكثير من القضايا، ضمن حيّز زمني قصير قد لا يُكتب لجميع الأعمال النصيب في إيصال رسائلها ضمنه.
والقضية في العمل السوري- اللبناني تدور حول “ليلى”، سيدة سورية مقيمة في لبنان وتعمل في إحدى الصيدليات، تجد نفسها أمام واقع يفرض عليها موقفًا من سلسلة حوادث اجتماعية تكون شاهدة عيان عليها.
تواجه “ليلى” مجموعة الحوادث تلك، فتدفعها لإمساك زمام المبادرة لتتحول إلى قاتلة متسلسلة، بما يجعل العمل يتعارض ومنطق الواقع، ويحجّم من دور المحكمة والمؤسسة القضائية، لا سيما حين يصدر الفعل من شخصية ذات مستوى علمي وعملي جيّد نسبيًا.
يركّز العمل على المرأة، فيمنحها أولًا البطولة المطلقة في العمل، لكن هذه البطولة ذات ضرائب، طالما أن المسلسل يتناول قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي، والعنف الأسري، ما يعني حساسية طرح تتطلّب حساسية في المعالجة، لا تتناسب مع تأطير المرأة في القوالب التي وضعها العمل، لتتولى “ليلى” الدفاع عبرها عن نماذج مختلفة من النساء، إذ لم يصوّر العمل أسرة سعيدة، أو وجود علاقة متكافئة ومتعادلة بين شريكين.
“ليلى” تنصّب نفسها قاضيًا على المشكلات التي تجري قربها، فتختار حل تلك المشكلات المستعصية بنفسها، وبأسلوب البتر، عبر تقديم حلول جذرية، لكنها من طرف واحد، فالقتل إن بدا حلًا لمشكلة ما في مكان ما، فهو في الوقت نفسه مفتاح وبوابة لمشكلة عديمة الحل، إذ يرتبط حلها بالروح المزهقة.
متحرش ومغتصب، ورجل يعنّف زوجته، وآخر يعتدي على فتاة يافعة، هؤلاء خلطة المسلسل الذين يلقون مصرعهم على يد صيدلانية، ستسخّر بعد قليل خبراتها العلمية والعملية لخدمة رسالتها، بما يتعارض وصورة الصيدلاني النموذجية، طالما أن أخلاقيات المهنة تقضي باستخدامها حيث لا ضرر، وعدم شخصنة المعلومات وتوجيهها لخدمة النفس على حساب المصلحة العامة، بينما تعتقد ليلى أنها تخدم المصلحة العامة، لكن دون أن تكون مخولة بهذه المهمة، ودون صلاحيات.
كما يصوّر العمل الصيدلانية شخصية تعاني اضطرابات نفسية، يغيب عنها الاستقرار بما لا يخلو من التصنع من جهة، والاستعجال من جهة أخرى، فعلى سبيل المثال، الصيدلاني فعلًا لن يضع الدواء أو أي عقار في عصير البرتقال، باعتباره يخفف من التأثير الكيماوي للعقاقير الدوائية.
تتعارض في شخصية البطلة الأنانية والغيرية، فعلم النفس نفسه يؤكد أنانية الكائن البشري، لكن “ليلى” قررت إبعاد ابنتها إلى أوروبا، حيث يقيم والدها، لتتفرغ لخدمة المجتمع وتخفيف عدد مجرميه، لكنها في الوقت نفسه تستأثر لنفسها بحب سري، هو زوج صديقتها، ستفعل ما بوسعها لعرقلة سعادته مع زوجته حين تعلم أنه بدا أقرب لأسرته.
على صعيد النص، فالعمل مكشوف من حلقاته الأولى، فبعد حادثة القتل الثانية، بدا واضحًا أنه سيكمل طريقه بهذا الاتجاه، ما يفقده المبرر الدرامي للإطالة، والتفسير الوحيد الذي يمكن قراءته من الاسترسال، تقديم أصناف أخرى من الناس يستحقون الموت من وجهة نظر كاتبتي العمل.
لا حوارات عميقة في العمل، وإن بدا بوضوح محاولة تقريب شخصية “ليلى” التي جسدتها الممثلة السورية سلافة معمار، من شخصية “ورد” لنفس الممثلة في مسلسل “قلم حمرة”، عن نص الكاتبة يم مشهدي.
“عالحد”، وإن كان محسوبًا على أعمال التشويق والإثارة، لكن حبكته مكشوفة من جهة، ويغيب عنها الإقناع على أقل تقدير من ناحية مسار التحقيق الذي يتولاه ضابط لم يفسر بوضوح سبب اشتباهه بالصيدلانية، سوى أن اسمها ورد في عدة قضايا، دون تفسير سبب ورود الاسم أصلًا، أو منطقيته.
عُرض العمل مطلع العام الحالي، عن نص لبنى حداد ولانا الجندي، وإخراج ليال راجحة، وشارك في بطولته إلى جانب سلافة معمار، رودريغ سليمان بشخصية “وليد”، وهي شخصية لطيفة الحضور على مستوى الأداء.
ويشارك في العمل أيضًا كل من صباح الجزائري، ومروة خليل، وعلي منيمة.