هل يمكن إحداثها..
المؤسسات الاستهلاكية لمواجهة ارتفاع الأسعار في الشمال
عنب بلدي – زينب مصري
كأحد الحلول لمواجهة ارتفاع أسعار الخضراوات في ريف حلب، بادر المجلس المحلي بمدينة اعزاز، في 9 من نيسان الحالي، إلى افتتاح سوق شعبية تبيع المنتجات بأسعار “منافسة”، في خطوة تثير التساؤل حول إمكانية فتح مؤسسات استهلاكية في الشمال السوري، توفر سلعًا بأسعار مدعومة ومخفضة عن أسعارها في السوق.
تنحسر الخيارات أمام السوريين في مناطق الشمال، الخاضعة لنفوذ حكومتي “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة”، لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، فلا فرص عمل، ولا دخل ثابت، في ظل عجز سلطات الأمر الواقع عن اتخاذ إجراءات تخفف الأعباء المعيشية عن نحو ثلاثة ملايين شخص في المنطقة يعانون تدهور الوضع الاقتصادي.
وكان المجلس المحلي في مدينة اعزاز وريفها شمالي سوريا، أعلن عن افتتاح سوق شعبية بسبب ارتفاع الأسعار الحاصل في أسعار المواد الغذائية والخضراوات.
وجرى افتتاح السوق بالتعاون والدعم من “الجبهة الشامية”، التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” والشرطة العسكرية، وبالتنسيق مع الفرق التطوعية في المدينة، بحسب بيان صادر عن المجلس قال فيه، إن الخضراوات ستُباع فيه بأسعار منافسة، تحد من ارتفاع أسعار السلع في المدينة، لمساعدة المواطن في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وتُعتبر سياسة الدعم من أكثر السياسات التي تستخدمها الحكومات لتخفيف العبء عن محدودي الدخل، بدعم السلع والخدمات الأساسية وتوفيرها بأسعار مناسبة، ما يسهم في تحسين نوعية الحياة، وتحقيق التكافل الاجتماعي، إلا أنها تطبّق في الشمال السوري بشكل محدود.
وعادة ما تخصص الحكومات نسبة من الموارد العامة للإنفاق على دعم أسعار العديد من السلع والخدمات، لتوفير الاحتياجات الأساسية (الخبز، السكر، الزيت…) لذوي الدخل المحدود بأسعار مناسبة، بالإضافة إلى دعم الصادرات السلعية، والقروض، والعديد من الخدمات.
وللوقوف على حجم الدعم المقدم من حكومتي “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة” للمواطنين في مناطق سيطرتهما، وإمكانية فتح مؤسسات استهلاكية يمكن بيع المواطنين من خلالها منتجات بأسعار مدعومة، تواصلت عنب بلدي مع وزارتي الاقتصاد في كلتا الحكومتين.
جمعية استهلاكية قيد الدراسة
تدعم “الحكومة السورية المؤقتة”، التي تدير مناطق العمليات العسكرية التركية “نبع السلام” و”درع الفرات” و”غصن الزيتون”، الخبز والطحين، كما تدعم علف الحيوانات الذي ستوزع منه 5000 طن مجانًا لمربي الثروة الحيوانية.
وهناك دعم غير مباشر يكون من خلال تخفيض الرسوم الجمركية، أو إعفائها لبعض المواد الأساسية والضرورية والمواد الأولية الصناعية، بحسب وزير الاقتصاد في الحكومة، عبد الحكيم المصري.
لا تمتلك “الحكومة المؤقتة” الموارد لإنشاء مؤسسات استهلاكية، لكنها الآن بصدد إعداد دراسة لإطلاق “جمعية استهلاكية”، من الممكن أن يسهم الناس فيها مساهمة بسيطة (100- 200 ليرة تركية للسهم الواحد)، لجمع مبالغ تُستورد بها مواد أساسية لتُباع بسعر التكلفة، وفق ما قاله المصري لعنب بلدي.
وأرجع الوزير عدم قدرة الوزارة على فتح مؤسسات استهلاكية إلى غياب الموارد، وعدم تحصيلها للضرائب والرسوم من الأهالي، إلا في حالات تتم عن طريق المجالس المحلية مقابل تقديم خدمات مطلوبة بشكل كبير.
وأوضح المصري، أن ارتفاع الأسعار عالمي وينعكس في الشمال السوري بشكل مباشر، لأن معظم المواد مستوردة، بالإضافة إلى التضخم، وارتفاع أسعار النفط الذي رفع تكاليف الإنتاج الزراعي، ومعه أسعار المنتجات.
ما حجم الدعم في إدلب؟
توجّه حكومة “الإنقاذ”، العاملة في إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، الدعم لمستحقيه من المنظمات الإنسانية، كما تعمل الحكومة على المشاريع التنموية التي تؤمّن فرص عمل وتخفض الاعتماد على الإغاثة والمعونة، بحسب مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد التابعة لحكومة “الإنقاذ”، حمدو الجاسم.
وتتمثل سياسة وزارة الاقتصاد في حماية المنتج المحلي، وتشجيع الزراعة بهدف تأمين فرص عمل، بحسب ما أوضحه الجاسم لعنب بلدي، نافيًا أن تكون السياسة قائمة على الدعم.
وأشار الجاسم إلى أن الدعم الذي تقدمه وزارة الاقتصاد، هو دعم طارئ مثل مشروع دعم الخبز.
وحول فكرة طرح سلع بأسعار مدعومة، وتخصيص صالات استهلاكية للمواطنين في الشمال السوري، قال الجاسم، إن السوق مفتوحة، والتنافس قائم بين التجار، وهذا يجعل الأسعار منخفضة.
ويرى أن الحلول تكمن في تعزيز دوريات الرقابة التموينية، وتخفيض الاستيراد، والعمل على تحقيق الأمن الغذائي بالزراعة، وزراعة الحبوب والبذور الزيتية، وحماية المنتج المحلي الصناعي، بهدف تأمين فرص عمل للأهالي.
شروط غير محققة
يحتاج إحداث مؤسسات استهلاكية ومديرية للتجارة العامة في الشمال السوري إلى موارد واضحة، وإلى جهة لديها إمكانيات كبيرة، بحسب رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الباحث الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي.
لا يوجد دخل يكفي لإعالة مليونين أو ثلاثة ملايين نسمة في تلك المنطقة، والموارد محدودة، سواء لـ”المؤقتة” أو “الإنقاذ”، بحسب ما قاله القاضي في حديث إلى عنب بلدي، وهذا الأمر ليس بالسهولة التي يمكن لـ”الحكومة المؤقتة” أن تقوم به، وربما لدى حكومة “الإنقاذ” موارد لكنها تحتاج إلى مزيد من الشفافية.
ومن أجل إنجاح فكرة إقامة مؤسسات استهلاكية تقدم خدماتها للشمال، تحتاج الحكومتان العاملتان شمال غربي سوريا إلى الاندماج في حكومة واحدة، بحسب ما أضافه القاضي.
كما تحتاج هذه الحكومة بعد الاندماج إلى موارد حقيقية واضحة وطاقم وظيفي من الموظفين المؤهلين، إلى جانب تحديد ميزانيات واضحة لها حتى تستطيع فتح مؤسسات تبيع مواد نهائية بأسعار مدعومة.
وبحسب الباحث، يجب أن تكون هذه الحكومة “المدمجة” مدعومة من الحكومة التركية مثلًا، أو يمكن إدماج منطقتي الشمال الغربي والشمال الشرقي في منطقة واحدة، فتكون المنطقة مدعومة من الحكومتين التركية والأمريكية.
عند ذلك، تُنظم مثل هذه المسائل، لأنها تحتاج إلى ميزانيات وإمدادات غذاء واضحة، هذا في حال توفر شروط الأمان من القصف وعدم انتشار الميليشيات بشكل عشوائي في كل المنطقة.
الخطوة الأولى.. حكومة ذات سيادة
أكّد أسامة القاضي أن فكرة إحداث مؤسسات استهلاكية تتطلب حكومة ذات سيادة، ولا يوجد في الشمال أي كيان حكومي لديه سيادة، أو له شكل مؤسسي كحكومة، لذلك لا بد من الوصول إلى صفقة سياسية تعرف من خلالها حدود المنطقة ومواردها وعدد سكانها ومستوى دخلهم.
وتكون موارد الحكومات في الحالات الطبيعية (حكومات حقيقية وليس سلطات أمر واقع)، من التجارة والصناعة والزراعة ومن الضرائب التي تأخذها من السكان.
وطالما أنه لا توجد سيادة ولا حكومة مُنتخبة، فإن أي ضريبة تؤخذ من المواطنين من سكان تلك المنطقة (الشمال السوري)، سيُنظر إليها على أنها إتاوة و”ظلم للناس”، بحسب القاضي، الذي علّل ذلك بغياب الشفافية في الضرائب أو الموارد أو في إدارة المؤسسات، فضلًا عن أن وجودها لم يكن بطريقة مُنتخبة تستند إلى دستور وقانون وقضاء ومؤسسات حكومية حقيقية.
ولذلك يرى الباحث أن المؤسسات الاستهلاكية في الشمال السوري حل غير عملي في الفترة الحالية، لكنه من الممكن أن يكون كذلك في حال وجود حكومة ذات سيادة حقيقية، ولها طبيعة الإدارات الحكومية العادية.
وأكّد القاضي على توفر شرط الأمن لتحقيق ذلك، مشيرًا إلى أن هذا الشرط لن يتحقق ما لم يوجد حل سياسي يحمي المنطقة من قصف النظام والقوات الروسية أو الميليشيات المقاتلة.
واعتبر أن هذا المشروع كله يمكن أن يُهدد ببساطة لو أُغلق معبر “باب الهوى” مع الحدود التركية في حال عدم التمديد له، لأنه يمكن أن يكون المورد الرئيس لبعض المناطق خارج سيطرة النظام.
الحاجات الإنسانية تتضاعف
يعيش خُمس النازحين في شمالي حلب وحوالي 28% في محافظة إدلب بشكل حرج تحت سلة الإنفاق الأدنى للبقاء، من المواد الغذائية وغير الغذائية الأساسية، وفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في 20 من نيسان الحالي.
وكانت الأرقام أعلى بالنسبة لمن يعيشون في المخيمات، إذ ارتفعت تكلفة السلة من 129 دولارًا في أيلول 2021، إلى 144 دولارًا في شباط 2022 (المكوّن الغذائي وحده في السلة 105 دولارات).
وارتفعت أسعار المواد الغذائية في إدلب وشمال حلب، في آذار الماضي، إذ ارتفعت تكلفة ليتر واحد من زيت الطهو بنحو 45% حتى نهاية الشهر، كما ارتفعت أسعار لحوم الضأن والدجاج بنسبة 25- 45%، وأثّر الانخفاض السريع في قيمة الليرة التركية على أسعار السلع الأساسية، وخاصة المواد الغذائية، لا سيما في الربع الأخير من عام 2021.
وتصل معظم الكهرباء في المنطقة من تركيا، وشهدت أسعار الوقود ارتفاعًا مطردًا، أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة 125% منذ كانون الثاني حتى آذار الماضيين.
ويعتمد الشمال السوري على الواردات التركية للقمح والدقيق، وارتفع سعر الطن من 390 دولارًا إلى نحو 450 دولارًا في أوائل آذار الماضي، ما أدى إلى تغير في أسعار الخبز، إذ كانت خمس ليرات تركية يمكن أن تشتري حوالي 775 غرامًا من الخبز في كانون الثاني بإدلب، بينما يمكن أن تشتري بنفس القيمة 625 غرامًا فقط من الخبز في نهاية آذار، لذا فإن نحو 55% من السكان في المنطقة لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم اليومية من الخبز، بحسب التقرير.
وأثّر التضخم على الاستجابة الإنسانية عبر الحدود في الشمال الغربي، إذ لم تعد القسائم النقدية تتمتع بنفس القوة الشرائية كما كان مقررًا في الأصل، لأن تقييمات القيمة أصبحت قديمة.
وتأثّر دعم المخابز لأن الميزانيات المتوقعة لا تزال تعكس أسعار القمح السابقة، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تعليق الدعم من قبل المانحين، وفقًا للتقرير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :