"مضطرة لبلع السكين على الحدين"..
حلقات عنف متتالية ضحيتها نساء في إدلب
إدلب – هدى الكليب
لم تستطع سلام (25 عامًا) إخفاء حزنها الشديد جراء معاملة زوجها لها، الذي لم تسلم من تعنيفه الجسدي واللفظي في محاولة منه لتفريغ شحنات غضبه والضغوطات التي يواجهها بشكل شبه يومي، في ظل أوضاع معيشية واقتصادية متردية يعيشها معظم المقيمين في مخيمات النزوح بشمال غربي سوريا.
ترددت سلام قبل الحديث عن معاناتها لعنب بلدي، مبررة ذلك بأن طباع زوجها تغيرت بعد نزوحهما من بلدة حاس أواخر العام 2018، وإقامتهما في مخيمات “قاح” الحدودية، فقد خسر عمله ومحله التجاري، وأفلس وضاقت أحواله، الأمر الذي انعكس عليها، فتضاعف إهماله وزاد تعنيفه لها ولأطفاله الثلاثة، الذين لم يسلموا من “طباعه الفظة”، على حد تعبيرها.
تواجه العديد من النساء في إدلب، لا سيما في مخيمات النزوح، أوضاعًا معيشية صعبة في ظل الفقر والغلاء ونقص الخدمات الأساسية، يضاف إليها ازدياد حدة ظاهرة العنف الأسري التي باتت وسيلة الأزواج لعلاج مشكلاتهم النفسية وضغوطاتهم اليومية.
تنتشر في المجتمع السوري ظواهر سلبية، منها التقاليد القاسية المجحفة بحق المرأة، بأشكالها المختلفة، كالعنف الأسري، وعدم التوريث، والطلاق التعسفي، وحتى الزواج القسري، وغيرها.
التعنيف حتى إنهاء الحياة
أُجبرت سارة (18 عامًا) على الزواج القسري من ابن عمها بضغط من أهلها وأقربائها، لتعيش حياة “مأساوية”، على حد تعبيرها.
“وأي عنف أقسى من أن تُجبر المرأة على معاشرة زوج لم تكن ترغب بالزواج منه”، قالت سارة لعنب بلدي، مشيرة إلى الظلم المجحف بحقها سواء من قبل أهلها الذين لم يلتفتوا لرغبتها واختيارها، أو زوجها الذي لا يفوّت فرصة لإذلالها وتعنيفها من أجل إظهار رجولته أمام أهله.
“مضطرة لبلع السكين على الحدين”، قالت السيدة الصغيرة بصوت منخفض، في إشارة إلى عدم قدرتها على تغيير واقعها الذي وضعها فيه مجتمعها، فلا أهلها يؤيدون قراراتها ولا زوجها يحسن معاملتها، بينما ينتابها الشعور بأنها “مهمشة وقرارات حياتها بأيدي أشخاص آخرين”، بحسب تعبيرها.
ولم تقتصر مشاهد تعنيف النساء في شمال غربي سوريا على الضرب المبرح والتعنيف اللفظي والنفسي، وإنما اتخذ العنف في حالات عديدة أبعادًا جديدة، إذ فقدت نساء حياتهن على يد أزواجهن.
ففي 25 من آب 2021، أقدم شخص على قتل زوجته ودفنها في منزلها، واكتُشفت الجريمة التي وقعت في مخيمات “مشهد روحين” شمال إدلب بعد خمسة أشهر من وقوعها، عندما طالبت والدة الزوجة الضحية عبر شكوى بالكشف عن مصير ابنتها، ولدى التحقيق مع الزوج اعترف بجريمته.
ونقلت مراسلة عنب بلدي حينها في مدينة إدلب عن أهالي المخيم، أن الزوج كان يسيء معاملة زوجته ويضربها، وفي إحدى المرات قدمت شكوى ضده لـ”أمنية” المنطقة، وتم إلقاء القبض عليه، لينتقم منها بقتلها بعد خروجه من السجن بوقت قصير.
وفي 11 من كانون الأول 2021، أقدم رجل على قتل طليقته رميًا بالرصاص أمام أطفالها في مدينة تفتناز شرق إدلب، نتيجة خلاف متجدد بين الجاني والضحية التي جاءت إلى منزله لرؤية أطفالها الذين حرمها منهم، بحسب ما نقله مركز “عدل لحقوق الإنسان” حينها.
وتشهد محافظة إدلب جرائم وانتهاكات طالت العديد من النساء بين الحين والآخر، جراء ثقافة العنف الأسري، والإفلات من العقاب، وخاصة ضمن أجواء الحرب، وغياب الرقابة الأمنية التي من شأنها الحد من تلك الانتهاكات.
“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها السنوي لعام 2021 المعنون بـ”انهيار الدولة وتفتيت المجتمع”، أشارت إلى تعرض النساء في سوريا لأنماط متعددة من الانتهاكات الجسيمة التي استهدفتهن بشكل مباشر، وكن متأثرات على نحو مضاعف بتداعيات الانتهاكات التي طالت المجتمع السوري ككل.
وأضاف التقرير أن العنف ضد الإناث تصاعد بشكل متزايد، ووصل في العديد من أنماطه، وخصوصًا القتل والتعذيب والإخفاء القسري والعنف الجنسي، إلى حدود قياسية ومعدلات هي الأسوأ في العالم.
واقع “الجريمة” يفرض نفسه
من جهتها، اعتبرت المرشدة النفسية أمل الزعتور، المقيمة في مدينة إدلب، أن زيادة معدلات العنف والجرائم الأسرية ضد النساء في إدلب، مرتبطة بانتشار السلاح ومفهوم العسكرة، الذي ترافق مع زيادة معدلات الفقر والاضطرابات النفسية، عدا عن زيادة انتشار المخدرات ومتعاطيها في المنطقة.
وترى الزعتور أن المسؤولية كاملة تقع على سلطات الأمر الواقع التي أسهمت بطريقة أو بأخرى بزيادة تلك الجرائم، وسط عدم وجود إجراءات رادعة بحق مرتكبيها من جهة، وتكتمها على مجريات التحقيقات من جهة أخرى.
وكانت عنب بلدي نشرت تقريرًا يسلّط الضوء على زيادة معدل الجرائم في سوريا عام 2020، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، والاضطرابات النفسية للسكان إثر صدمات أو ظروف اجتماعية.
وتلعب الأوضاع المعيشية والأمنية في كل المجتمعات دورًا كبيرًا في انتشار معدلات الجرائم بين الأفراد، إذ تعاني سوريا من أوضاع اقتصادية صعبة، مع فقدان العملة المحلية قيمتها، تزامنًا مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والوقود وأساسيات الحياة.
وفي تقرير لمجلس الأمن، ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن 90% من السوريين صاروا تحت خطّ الفقر، ويعاني 60% منهم “انعدام الأمن الغذائي”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :