هل شاهد أحدٌ “بقعة ضوء”؟
نبيل محمد
يدور الحديث عن أعمال الدراما السورية في موسمها الرمضاني الحالي، بمختلف فضاءات “السوشيال ميديا”، عرضًا ونقدًا، وسخرية أحيانًا، فيما تغيب تلك الأعمال التي بات حضورها مطابقًا لعدمه عن أي ذكر، أعمال فقدت عبر السنين مميزاتها واحدة تلو الأخرى، بات مجرّد بدء شاراتها مبررًا لتغيير القناة، وليس من المستغرب أن يكون “بقعة ضوء” أبرزها، العمل الذي كان كلما تقدّم به العمر يفتقد مكوّنًا من مكوناته التي أسهمت بنجاحه في يوم من الأيام، فيفقد خفة ظله بعد أجزائه الأولى، ثم يفقد كتّابًا كتبوا أشهر لوحاته لاحقًا، ثم ينفر منه النجوم بعد حين، إلى أن وصلت به الحال إلى ما هو عليه اليوم، ليبدو قدرًا مفروضًا على الدراما السورية إنتاجه، وكأن عدم وجود موسم جديد من المسلسل سيصيب الدراما بأكثر مما يصيبها اليوم من تكرار ونمطيّة وملل.
يندر أن تمر لوحة من لوحات الجزء الـ15 الذي يقدَّم حاليًا دون أن تشعر بأنك قد شاهدتها سابقًا، وهو ما ليس سببه تشابه لغة العمل وشكل صياغة نكته فقط، وإنما تشابه القصص والموضوعات أيضًا، فهنا بائع الفول الذي يقف أمام باب مؤسسة عامّة فيظهر أنه يعرف كيفية تسيير الأوراق فيها أكثر من موظفي المؤسسة. وهناك موظفون فاسدون يكتشفون طرقًا مبتكرة للحصول على الرشوة. وفي لوحة أخرى مشهد للمدينة يصدح منها الشخير، فالكل نائم بفضل وصفة للنوم السريع، وهي عبارة عن ورقة مكتوب عليها شيء ما. لا شيء جديد كليًا، لا نكتة قادرة على تحريك أي شيء، ولا فكرة تلمع منها أي بارقة ذكاء، مع إصرار واضح لدى القائمين على العمل ككل على أن النقد الاجتماعي في سوريا 2022 هو نكتة عن موظف فاسد، أو سخرية من أسلوب قيادة السيارات، أو أحاديث جانبية لمواطنين يريدون مغادرة البلاد.
تقدّم العمر بالممثلين الذين ما زالوا مصرّين على الحضور في “بقعة ضوء”، بعضهم ودون شك سيحضرون في أي عمل عُرض عليهم في ظل الضائقة المادية التي لم يعد الفنان السوري غير النجم مستثنى منها، وبعضهم يعتبرون أن المسلسل ما زال قادرًا على التأثير والجماهيرية وفق تصريحات سابقة لهم. لكن الأداء بالمجمل مترهّل متكلّف، وكأن الجميع مدرك أن لا شي يُرتجى من هذا العمل، ليشبه “بقعة ضوء” بشكله الحالي تلك المؤسسات الرسمية التي تدور كثير من لوحات العمل فيها، مكاتب تتزايد الرطوبة على جدرانها، لا خيار لدى موظفيها سوى الارتخاء فوق مقاعدهم والتجهّم في وجه المراجعين، طالما هناك جهات مصرّة على بث الروح في الجثة المتفسّخة منذ سنين.
يحاول العمل في إحدى لوحاته مواكبة “تريند كورونا”، متأخرًا أكثر من عام كامل عنه، فلا تتعدى اللوحة التي يلعب بطولتها الممثل أيمن رضا (واحد من أعمدة العمل منذ انطلاقته وحتى اليوم) كونها تصويرًا لأحاديث يومية تناقش المرض كإشاعة، واللقاح كمؤامرة، لتأتي دليلًا قاطعًا على انعدام أي حس كوميدي أو إبداعي أو فني لدى كتّاب العمل ومخرجيه الكثر، من أبناء المخرجين السابقين وسواهم ممن يخوضون تجاربهم الأولى، في عمل يبدو أنه البيئة الأفضل للتجريب، فليس مهمًا فشله وقد فشلت أكثر من عشرة أجزاء منه في السنوات السابقة.
لهجات تتكرر بين لوحة وأخرى، من لهجة السويداء إلى لهجة المنطقة الشرقية، جزء من آفة التكرار ذاته، يعوّل العمل فيها على الدغدغة بأصابع متخشّبة، ورسائل رمزيّة يحاول العمل فيها أن يوحي بجرأته، تلك الجرأة التي كان من سوء حياة السوريين في يوم من الأيام أنهم رأوا بها خروجًا عن المألوف وتجاوزًا للخطوط الحمر، حين كان الفساد أقصى ما يمكن الحديث عنه، ورتبة شرطي أعلى ما يمكن نقده، فهل لأولئك الجالسين أمام موائد إفطارهم التي تتناقص مكوّناتها يومًا بعد آخر أن يضحكوا على وقع الجمل والصور والموسيقا ذاتها؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :