اتسمت مرحلة بداية تحرير ريف اللاذقية بغياب دور الدولة مع تلاشي مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، فتداعى شرعيون لملء الفراغ واهتموا بالأمور الشرعية، وبدأوا بالتنسيق مع مجلس القضاء الموحد في حلب، الذي كان له الدور الريادي بالتجربة القضائية في المناطق المحررة بسبب الكثافة السكانية، فزار مجموعة من الحقوقيين والشرعيين حلب، وأرسلوا قضاة شرعيين للتدرّب مدة أسبوع وللاطلاع على كيفية عمل المحاكم في حلب، قبل الإعلان عن تأسيس الهيئة الشرعية في الساحل، نقلًا عن الشيخ خالد كمال، أحد الشرعيين العاملين بالهيئة.
هجرة القضاة من ريف اللاذقية
تأسست الهيئة الشرعية في بداما نهاية 2012، وضمت في تشكيلتها 30% من الحقوقيين و70% من الشرعيين، بسبب قلة أعداد القضاة المنشقين عن النظام أو الموجودين في المناطق المحررة، يقول الشيخ خالد كمال أنه “في بداية 2013، عندما نشط المستشار خالد شبيب في مجال إقامة الدورات القضائية التي أجراها في مدينة غازي عنتاب التركية لتأهيل قضاة ومنحهم شهادات تؤهلهم لمزاولة القضاء في المناطق المحررة، أرسلت الهيئة الشرعية في بداما قضاة ليلتحقوا بهذه الدورات، وكانت الهيئة الشرعية تهتم فقط بأمور الأحوال الشخصية (زواج، طلاق، وفاة …) ولم تدخل في مجال العقوبات (جنايات، قتل، جرائم ..)، وإنما عملها كان يتجه ليكون إصلاحيًا، ويقتصر على التعذير قدر الإمكان”.
وبحسب كمال “في تلك الفترة وبعد تأسيس الهيئة الشرعية، بدأت تنتشر ظاهرة المحاكم الخاصة في الفصائل، حيث أسس كل فصيل محكمته الخاصة، وتتقاضى فيها الفصائل فيما بينها”.
مشيرًا إلى أن “الهيئة الشرعية طالبت الكتائب بأن يكون لها قوة تنفيذية تمكنها من مزاولة عملها وفرض هيبتها بين الناس، ووفرت حينها الكتائب القوة المستقلة للهيئة، لكنها بقيت بنظر الناس تابعة للعسكر”، وكانت تعتبرها “متحيزة”.
محاولات إجهاض تنظيم الدولة لعمل الهيئة الشرعية في ريف اللاذقية
استمر عمل الهيئة حتى منتصف 2013، وخلال هذه الفترة بدأ عملها يتعارض مع قضاء تنظيم الدولة الإسلامية، ونشب خلاف بين الطرفين بسبب إحدى القضايا، وعلى إثره اغتال التنظيم أحد القضاة وهدد البقية، فانحلت في منتصف 2013، وفق شهادة الشيخ خالد كمال.
يضيف أحد المحامين رفض الكشف عن اسمه “بعد ذلك انتشرت في الساحل المحاكم الإسلامية التي أشرفت عليها الفصائل المتشددة، وكان غالبية قضاتها غير سوريين، لا تُعرف أسماؤهم ولا مؤهلاتهم العلمية”.
لكن في نهاية 2013 اجتمعت الكتائب وقررت إنشاء دار قضاء مدعومة بقوة تنفيذية فعالة، وتأسست في بداية 2014 بمنطقة الناجيّة، وهي فعليًا تخضع لسيطرة جبهة النصرة، يقول حقوقي معلقًا على تلك المرحلة ”حملت الجبهة على عاتقها مرفق القضاء عندما رأت أن باقي الكتائب أهملته، وخاصة بعد انسحاب تنظيم الدولة من الساحل”، ويشهد “بأن قضاة جبهة النصرة كانوا على مستوى عال من العلم الشرعي”، في حين غاب دور الحقوقيين عن هذه المحكمة.
بينما تأسست هيئة شرعية أخرى في مدينة بداما وعمل فيها قضاة وحقوقيون، قامت برعاية عدة كتائب، ولكن القوة المسيطرة عليها كانت أحرار الشام، واعتنت بالشؤون المدنية فقط، وطبّقت الشريعة الإسلامية.
تابع القراءة:
-
هيئات قضائية بارزة تشكلت في سوريا المحررة
- الهيئات الشرعية… تكريس حكم “الشيخ” بدل القاضي وبداية مرحلة الانحدار.
- محاكم الشعب في مناطق الإدارة الذاتية.
- مجلس القضاء السوري الحر المستقل يضم 85 قاضيًا يسعون للتغيير.
- مستقبل القانون السوري في سوريا الجديدة.
-
المرجعيات القضائية في سوريا… تعدد ينذر بتقسيم البلاد.
- القانون السوري.. هل يحفظ تطبيقه وحدة الأراضي السورية؟
- الشريعة الإسلامية… بعض الفصائل العسكرية ترفض المرجعيات وتصرّ على اعتمادها.
- القانون العربي الموحد.. مطالب بتطبيقه كحل وسط بين القانون السوري والشريعة.
-
نماذج القضاء وشكل القوانين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري
- القضاء في حلب يعجز عن التحرر من هيمنة العسكر.
- برنامج إصلاحي للسجناء في حلب.
- درعا.. نموذج القضاء وشكل القوانين فيها بعد التحرير.
- الغوطة الشرقية وبداية التأسيس لقضاء مستقل بعد التحرير.
- القضاء غائب عن الغوطة الغربية واعتماد الشريعة في القلمون.
- وعود من جيش الفتح في إدلب لتوحيد المرجعية القضائية.
- جبهة النصرة تهيمن على القضاء في ريف اللاذقية.
- غياب القضاء عن ريف حماة والاعتماد على محكمة خان شيخون.
- محكمة الوعر وحل الخصومات بالتراضي في حمص.
- قضاء دير الزور “الوليد” تنهيه سيطرة تنظيم الدولة على المحافظة.
- محاولات لتأسيس قضاء في الرقة أنهاها تنظيم الدولة.
-
القضاء في ظل البعث.. قوانين لتعزيز سلطة الأسد.
-
رأي: وأد العدل في الشمال السوري.
-
كيف يقيّم السوريون أداء المحاكم والقضاء في مناطقهم المحررة؟
ولقراءة الملف كاملًا في صفحة واحدة: قضاء سوريا المحررة.. ثلاث مرجعيات تنذر بتقسيم البلاد.