يسجل المسلسل المشترك “للموت” في موسمه الثاني الحالي حضورًا لافتًا، مع ضيق مضمار المنافسة ضمن الأعمال المشتركة، التي اقتصرت على عملين فقط لموسم دراما رمضان الحالي.
ولا يستمد العمل بريقه من غياب الأعمال التي تنتمي لنفس القالب الدرامي والإنتاجي، لكنه نجا من فخ الإطالة عبر فتح أبواب لأحداث جديدة مُهِّد لها من الجزء الأول، وليست مختلقة.
العمل الذي أقفل موسمه الأول بالحديث عن نحو عشر حلقات إضافية ستُعرض عبر إحدى المنصات لاستكمال القصة، عاد في موسم كامل محافظًا على طاقم العمل، وخطه الدرامي، دون نزول في مستوى القصة.
والقضية التي بدأت في الجزء الأول بالحب الذي يكسر الفقر شوكته، فيتحول إلى استغلال، وجانٍ وضحية، يلبس في هذا الموسم وجه الانتقام، لكنه انتقام حار، انفعالي، عفوي، وإن بدا مخططًا له، بارد، باعتبار أن التخطيط للانتقام يعني حقدًا وقناعة بالقصاص، وهذا ما لا يعترف به فقه المحبين.
وبين رغبة بالانتقام أُريق في سبيلها وقت ومال وأعصاب وعواطف وأفكار، وإحجام وتراجع عن هذا الانتقام حين تجود به الفرصة، تتصاعد الأحداث وتتتابع الحلقات، ويمضي زمن يتخلله حالة من عدم السلام وعدم الحرب أيضًا بين “ريم” و”هادي”، الحبيبين اللدودين.
وإذا كان الموسم الأول ذا سقف مرتفع بالجرأة وآلية المعالجة، منحه تصنيف “18+”، وفق تقييمات شبكة “نتفليكس”، التي استندت إلى وجود مشاهد عنف جنسي، وتعاطي مواد مخدرة، وأفكار تتعلق بالانتحار، في المسلسل، فهو لا يشكّل شيئًا أمام ما يُعرض في الموسم الحالي.
تنفس العمل الصعداء بعد مرور موسمه الأول بسلام ودون انتقادات هدّامة أو لاذعة، ما منحه سلاسة المتابعة والتصعيد، لا على مستوى الصورة فقط، والمشاهد العاطفية، بل على مستوى النص، وما يدور من حديث بين شخصيات غاضبة على الدوام، لا شيء يرضيها، فأفسح المجال لبعض المفردات والكلمات التي لا تستخدم عادة في الدراما، وإن كانت حاضرة في مسرحيات زياد الرحباني مثلًا.
ووفق الأدوات والعناصر التي يستخدمها العمل، بصرف النظر عن وجود أو غياب مبرراتها الدرامية، كل ذلك يوحي بأن العمل سيحافظ على مبررات تصنيفه لدى “نتفليكس”، باعتباره مسلسلًا ذا طابع “حميمي فاضح”، بالإشارة إلى طبيعة الملابس المستخدمة، واللغة والمشاهد الإيحائية التي لم تخلُ منها حلقة في الموسم الأول، والحديث هنا عن عمل مُعد للعرض في رمضان.
وعلى المستوى النفسي، فمناخ العمل متوتر وقلق، إذ افتتح أولى حلقات موسمه الأول بمشكلة، وأقفل أبوابه دون حلول، وترك المشكلة معلّقة حتى عودته في الموسم الحالي لا ليقدم حلولًا لمشكلاته السابقة، بل ليزيد الطين بلّة، ويعقّدها أكثر أيضًا، ما يترك الجمهور بحالة توق لعود وصل الحبيبين، وإقفال باب انتقام لن يشفي تحقيقه غليلًا، مقدار ما قد يخلق حسرة جديدة.
“للموت 2″، لا يختلف عن “للموت”، فالموسمان يشتركان بنظرة إخراجية مميزة، تقدّم صورة مشبعة بالإيحاء النفسي وشاعرية الصورة، إلى جانب الحوار المكتوب بعناية وواقعية وطرافة أيضًا، لا تظهر كثيرًا في الأعمال المشتركة التي يرسم السواد الأعظم منها عالمًا موازيًا لا يتقاطع مع قضايا وهواجس الشريحة الأكبر من الجمهور.
يتشارك في البطولة كل من دانييلا رحمة بشخصية “ريم” و”وجدان”، وماغي أبو غصن بشخصية “سحر”، وهما سيدتان في ريعان الشباب والجمال والأنوثة، نشأتا في ظروف صعبة جراء تشردهما وعدم وجود عائلة لأي منهما، في مجتمع تفوق فيه الرقابة على النصوص الدرامية، الرقابة على واقع الطفل ونشأته.
بينما يؤدي بطولة الرجال في العمل، محمد الأحمد بدور “هادي”، وباسم مغنية الذي يؤدي شخصية “عمر”، وكلاهما يحب “ريم”.
يمنح العمل شخصيات أخرى مساحة في الظهور والأداء، كالممثل فادي أبي سمرة، الذي يقدم شخصية “أمين”، شقيق “سحر”، بحضور كوميدي يلطّف مأساوية قصص الآخرين، ويخفف سوداويتها.
ويغيب خالد القيش عن الموسم الثاني، لانشغاله بتصوير أجزاء جديدة من مسلسل “حارة القبة”، الذي يؤدي به شخصية أكثر تأثيرًا وعمقًا، مقارنة بدوره في “للموت”، والنص من توقيع الكاتبة اللبنانية ندين جابر.
–