محاكم الشعب في مناطق الإدارة الذاتية

  • 2015/12/19
  • 8:13 م

الشعب يشارك باتخاذ القرار القضائي وينتزعه من الدولة

تفردت الإدارة الذاتية الديموقراطية (حزب PYD) بالسيطرة على المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، فكل مدينة كانت تتحرر من سيطرة نظام الأسد ابتداءً من صيف 2012 كانت تخضع مباشرة لحكم الحزب، ويقيم فيها محكمة إدارية، حتى فرض سيطرته على كل مدن محافظة الحسكة وتل أبيض وعين العرب.

أدخل الحزب مفهومًا جديدًا على العدالة والقضاء في مناطق سيطرته، ما هو وكيف قيّمه الحقوقيون؟

المحامي مسعود سليمان

يوضح المحامي مسعود سليمان لعنب بلدي، آلية عمل القضاء بقوله “تهدف محاكم الشعب لإشراك المجتمع بالقرار حتى لا تتفرد به الدولة، التي قد تضع قوانين لا تؤدي إلى حل المشاكل، فيكون لرأي المجتمع تأثيره على الحكم”، بحسب رؤية الإدارة الذاتية.

يبدأ إشراك الشعب بالقرار من تعيين القضاة، فلا يشترط أن يكونوا حقوقيين، إنما تتسع الدائرة للسماح بالاختصاصات المختلفة تقلد منصب القضاة، بمن فيهم غير الجامعيين، لضم شريحة كبيرة من المجتمع. في هذا الصدد يوضح سليمان “يشترط بهؤلاء القضاة أن يكونوا منتخبين من مجالس المدينة، ثم نقوم نحن كمحامين برفع أهليتهم القانونية بعد انتخابهم، ويتركز تأهيلهم على القضايا الاجتماعية، ويكون هؤلاء المنتخبون بمثابة هيئة محلفين”.

ولا تقع مسؤولية القضاء على عاتق المحاكم وحدها في مناطق الإدارة الذاتية، وإنما يبدأ حل أي مشكلة من دار الشعب، أما المشاكل التي تخص المرأة مثل المشاكل الزوجية فتبدأ بدار المرأة، يوجد في هذه الدور كوادر تحاول حل الأمر بالصلح، وإن فشلت تحال القضية إلى المحاكم.

كيف تسير المحاكمات في محاكم الشعب السورية الكردية؟

في مناطق الإدارة الذاتية تسع محاكم في تسع مدن، في حين توجد أربع محاكم استئناف ومحكمة نقض في القامشلي.

ويتنوع الحكم في القضايا المتعلقة بالمبالغ النقدية ما بين قطعي أو قابل للطعن، وذلك بحسب قيمة المبلغ، أما الدعاوى الشرعية فكلها قابلة للطعن وكذلك الدعاوى الجزائية.

في حين يتم البت بالجنايات بشكل قطعي في محاكم خاصة انفردت بها مناطق الإدارة الذاتية، تعرف بمحاكم “بلاتفورم”، وهي محاكم مؤلفة من جميع أطياف المجتمع تكون نموذجًا أوسع من المحاكم العادية، وتقام في الدعاوى الجنائية التي تعتبرها الإدارة تمس الرأي العام، ويشارك فيها الادعاء والدفاع وعدد من أعضاء المحاكم وأعضاء من مؤسسات المجتمع المدني وجمهور من المدنيين، وتهدف المحاكمة على هذا الشكل إلى التشهير بالمجرم، حتى ينال عقوبة الفضيحة أمام الناس إلى جانب الحكم الذي سيشارك فيه شريحة واسعة من المجتمع، ويخرج عنهم حكمًا قطعيًا.

العدالة الاجتماعية كمرجعية لمحاكم الشعب

تطبق القوانين التي يسنها المجلس القضائي لدى الإدارة الذاتية الديموقراطية في القضايا المدنية، فمثلًا قوانين المرأة والأسرة تتبع للقوانين الخاصة بهذا الحزب، وكذلك منع تعدد الزوجات وغيرها، أما في حال وجود نقص في قوانين معينة يطبق القانون السوري.

بينما لا يوجد قانون مطبق في القضايا الجنائية التي يراها الحزب قضايا رأي عام، وإنما تطبق العدالة الاجتماعية، التي تعني رأي الناس والقضاة، وتُبت في محاكم البلاتفورم.

حقوقيون ينتقدون سير عمل محاكم الشعب

ما يتم في محاكم الشعب من تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية أثار انتقادات واسعة عند مجمل الحقوقيين، فقد اعتبر قضاة ونخب حقوقية لعنب بلدي أن “ما يجري في هذه المحاكم هو طامة كبرى بحق القضاء، إذ لا يوجد قانون مطبق، فالقانون المعتمد هو (معيار العدالة الاجتماعية)، الذي يتمثل بضمير القاضي والشعب ورؤيتهم فحسب، فلا نصوص ولا قوانين تضبط الأحكام وإن كانت بعض هذه المحاكم، التي يكون من بين قضاتها عدد من المحامين، تلجأ لتطبيق نصوص من القوانين السورية أحيانًا، فإن ذلك ينحصر في أصول المرافعات”.

ويردف آخرون “الهيئات الشرعية، بالرغم من أخطائها، إلا أنها تعيّن قضاة تضبطهم ضوابط شرعية ولو كانوا غير مختصين، في حين أن المؤهل الوحيد الذي يحتاجه المرء ليصبح قاضيًا في محاكم الشعب هو اختيار العسكر له بغض النظر عن مؤهله العلمي أو مهنته الأساسية”، كما يرى المنتقدون بأن الإبقاء على المحاكم التي يسيطر عليها النظام مفتوحة في معظم مناطق الإدارة الذاتية يخلق مشكلات تتعلق بازدواجية المرجعية وتناقض الأحكام، إضافة لعدم قبول مؤسسات الدولة، التي يسيطر النظام على جميعها، بأحكام محاكم الشعب والوثائق الصادرة عنها.

يقول حقوقي (طلب عدم ذكر اسمه) إن “الأخطاء التي ترتكب في محاكم الشعب باسم القانون والقضاء قد تكون أكبر مما يحصل في الهيئات الشرعية، ولكن الإعلام يبدو وكأنه لا يسلط الضوء إلا على من يدعي أنه يطبق الشريعة ويتفنن بإبراز جرائمهم للعالم”.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات