عنب بلدي – ديانا رحيمة
تثير موافقة الحكومة اللبنانية على إنشاء معبر “مطربة” في قضاء الهرمل، ليكون نقطة عبور رسمية بين الجانبين السوري واللبناني، التساؤلات حول المنفعة الاقتصادية التي يمكن أن تعود على كل من النظام السوري والحكومة اللبنانية، والأهداف من فتح معبر جديد في هذا التوقيت.
وكان وزير النقل اللبناني، علي حمية، قال في تتصريح صحفي، في 16 من آذار الماضي، إن الحكومة اللبنانية “وافقت على إنشاء معبر جديد مع سوريا في قضاء الهرمل، شمال شرقي البلاد”، موضحًا أن الغاية منه تكمن في التخفيف عن أهالي المنطقة في أثناء دخولهم إلى سوريا واضطرارهم للتوجه إلى مركزي “القاع” أو “المصنع” الحدوديين.
وتسكن عدد من العائلات اللبنانية في الجانب السوري وتملك أراضي هناك، وتضطر للالتفاف في كثير من الأحيان حول معبر “جوسيه” للوصول إلى أراضيها الموجودة في منطقة الهرمل.
لمكافحة التهريب؟
إنشاء المعابر السورية- اللبنانية في الآونة الأخيرة من حيث المبدأ هو محاولة للتغلب على السوق السوداء أو الاقتصاد غير الشرعي القائم في كل من لبنان وسوريا، بحسب ما قاله الخبير والباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث إلى عنب بلدي.
وفي الحالة اللبنانية، ومنذ منتصف عام 2019، توجد محاولات من الحكومة اللبنانية بضغط أمريكي وغربي لإغلاق المعابر غير الشرعية، ولا سيما المعابر التي يستخدمها “حزب الله” للدخول والخروج من لبنان، إلى جانب المعابر الواقعة تحت سيطرة “الفرقة الرابعة” من الجانب السوري، بإشراف نجل أحمد جبريل (خالد جبريل، الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة وقائد الجناح العسكري فيها)، وغيرها من المعابر الواقعة تحت سيطرة بعض المهربين المفسدين على أطرافها، بحسب تركاوي.
وحاول الجيش اللبناني السيطرة على المعابر غير الشرعية، ولكنه لم يستطع سوى إغلاق منطقة واحدة يهرب فيها السوريون من تلكلخ السورية ووادي خالد من جهة الأراضي اللبنانية، على اعتبار أن نفوذه أوسع في هذه المناطق من غيرها، لأسباب تتعلق بالفئة والطائفة التي تسكن فيها، بحسب تركاوي.
أزمة حدود
وكانت وزارة الدفاع البريطانية أعلنت، في شباط 2021، تسليم الجيش اللبناني 100 مدرعة عسكرية، بهدف ضبط الحدود مع سوريا.
وأشارت إلى أن الآليات من شأنها تعزيز فرص “منع الإرهابيين من الدخول إلى أوروبا، ووقف مهربي المخدرات والأسلحة الذين يعبرون الحدود”.
وذكرت وزارة الدفاع أن المملكة المتحدة دعمت، خلال السنوات الأخيرة، انتشار أربعة أفواج وبناء أكثر من 75 برج مراقبة وتوفير 350 مركبة (لاند روفر) وتدريب أكثر من 11 ألف عنصر، لمنع تسلل “المتطرفين والمهربين” من سوريا.
جاء الإعلان البريطاني بعد تصريحات عام 2019 لقائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، قال فيها إن بلاده تسيطر على 80% من الشريط الحدودي مع سوريا، مقرًا بعدم قدرته على التحكم بكامل الحدود.
وفسر أن ما يحول دون السيطرة على ما تبقى من الحدود هو عدم ترسيمها، إلى جانب الطبيعة الجغرافية المتداخلة التي يتطلب تحصينها أعدادًا مضاعفة من العسكريين، بحسب تعبيره.
وترددت، في عام 2020، أنباء عن إغلاق وحدات من الجيش معابر غير شرعية في منطقة الهرمل (وهي المنطقة التي افتتحت فيها الحكومة المعبر الجديد)، يقابلها نفي إقفال المعابر الحدودية كلها في تلك المناطق، فطول الحدود في المنطقة التي تكثر فيها عمليات التهريب يصل إلى 35 كيلومترًا، ويحتاج إلى عدد كبير من العسكريين، غير متوفر، بسبب وقف التطوع في صفوف الجيش.
إدخال السلع بطريقة شرعية
نشأت فكرة فتح معابر على الحدود بعد الاستسلام لعمليات التهريب، والعمل على حلها عبر السماح بدخولها بطريقة شرعية وخاصة في منطقة الهرمل، التي لم تتوقف فيها عمليات التهريب وحركة السيارات والدراجات النارية.
ويعتقد الباحث خالد تركاوي أن المعبر هو كخطوة أولى “محاججة” (أمام سالكي معابر التهريب غير الشرعية)، ولكنه لن يفيد النظام أو الطرف اللبناني إلا إذا تمت السيطرة عليه بشكل جيد، وعليه يمكن أن يحقق فائدة للحكومة اللبنانية ويضيّق على النظام السوري.
رفض محلي يقوده “حزب الله”
قبل الإعلان عن استحداث المعبر، قالت مصادر لموقع “lebanonOn” إن امتعاضًا واستياء كبيرين سادا بين أهالي الهرمل وقراها، على اعتبار استحداث المعبر “أمرًا واقعًا” يُفرض عليهم.
وأشارت المصادر الى أن “حسابات ضيقة شخصية في المنطقة أدت إلى اقتراح استحداث معبر حدودي بين لبنان وسوريا عبر معبر “مطربة”، علمًا أن الدراسات جميعها كانت أكدت عدم صلاحيته لأن يكون معبرًا، بحسب الموقع.
وبحسب المصادر، فإن اتصالات تجري بين أبناء المنطقة بقيادة “حزب الله” والمدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، لتوضيح عدم المنفعة العامة الاجتماعية والاقتصادية من هذا المعبر.
وتتكرر عمليات التهريب إلى داخل الأراضي اللبنانية، وتنشط عبر مجموعات من كلا البلدين عبر الحدود البرية، خاصة مع كثرة الميليشيات الرديفة لقوات النظام و”حزب الله” اللبناني.
وتعتبر منطقة بعلبك، التي تتبع لها الهرمل، من معاقل “حزب الله” اللبناني، الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري ضد فصائل المعارضة منذ عام 2013، ويوجد فيها مئات المطلوبين بجرائم أهمها تهريب المخدرات.
لا فوائد اقتصادية مباشرة
الدكتور السوري في الاقتصاد ومدير الأبحاث في مركز “السياسات وبحوث العمليات”، كرم شعار، يرى أن الغرض الأساسي من المعبر تخفيف الضغط عن المعابر الرسمية الأخرى بين البلدين.
وأوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أن معبر “الهرمل” حاليًا بين معبري “المصنع” و”القاع”، يساعد على تيسير مرور الأفراد من خلاله، ويستبعد شعار أن يكون الغرض الأساسي من الإعلان عن المعبر اقتصاديًا.
ويرى شعار أن الغرض من استحداث المعبر هو أن المعابر غير الرسمية بين سوريا ولبنان بلبنان هي أكثر بكثير من المعابر الرسمية، التي يصل عددها إلى عشرات المعابر والتي تعتبر كليًا خارج سيطرة الحكومة اللبنانية، وعليه لا يتوقع إضافة معبر رسمي جديد.
كما أكد الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، والمشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” الدكتور جوزيف ضاهر، خلال حديث إلى عنب بلدي، أنه لا توجد فائدة اقتصادية كبيرة، إذ إن التبادلات التجارية بين الدولتين بقيت ذاتها في السنوات الأخيرة.
كما أن عمليات التهريب لن تتوقف بهذا المعبر، ولن تمنع البضائع المهربة من العبور من لبنان إلى سوريا.
تمتد الحدود بين سوريا ولبنان إلى 375 كيلومترًا، وبافتتاح معبر “مطربة”، ارتفع عدد المعابر الرسمية إلى ستة معابر، هي إلى جانب المعبر الجديد: “المصنع”، “الدبوسية”، “جوسية”، “تلكلخ”، “العريضة”.