الناطق “علوش” يُحاكَم.. ماذا عن الناطق “مقدسي”؟

  • 2022/04/17
  • 9:03 ص

الناطق السابق باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش والناطق السابق باسم حكومة النظام السوري جهاد مقدسي (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – صالح ملص

خلال الفترة القليلة الماضية، تطورت قضية المتحدث الرسمي السابق لفصيل “جيش الإسلام” مجدي نعمة (المعروف بإسلام علوش)، في المحاكم الفرنسية، حتى أخذت منحًا أكثر تعقيدًا بوصولها إلى المحكمة العليا، لحسم صلاحية القضاء الفرنسي هناك واختصاصه بالنظر في مضمون القضية.

يُبرز هذا التطور، ضمن النقاشات الحقوقية السورية، أهمية البحث عن مدى امتلاك المنظمات المعنية فرصة محاسبة المتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة خارجية النظام السوري، جهاد مقدسي، كون كلا الشخصين شغل نفس المنصب الإعلامي لدى جهة ضالعة بجرائم ضد الإنسانية بحق سوريين، بالإضافة إلى أن مقدسي يقيم حاليًا في العاصمة الأمريكية واشنطن.

في عام 2017، أعلن “إسلام علوش” استقالته من جميع المهام الموكلة إليه في الفصيل والمؤسسات التابعة له، وذلك بعد موافقة القائد العام على الطلب الذي قدمه في وقت سابق.

بعد هذه الاستقالة بعامين، قدّم “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” بالإضافة إلى عائلات ضحايا “الجيش” الذين عاشوا تحت حكمه من عام 2013 حتى عام 2018، شكوى ضده على الجرائم التي ارتكبها الفصيل في غوطة دمشق الشرقية.

كان “إسلام علوش” ضابطًا برتبة نقيب في قوات النظام السوري، وانشق بعد الثورة السورية عام 2011، ليتحول بعد ذلك إلى أحد كبار ضباط “جيش الإسلام”، وإلى متحدث رسمي باسمه، جنبًا إلى جنب مع زعيمه زهران علوش، مؤسس المجموعة الذي قُتل في غارة جوية عام 2015، ليكون “إسلام علوش” هو الوجه الأبرز في الفصيل، ومتحدثًا رسميًا باسمه ومدافعًا عن جميع العمليات العسكرية التي مارسها الفصيل.

هدف المنصب واحد

من حيث الوقائع، تتشابه غاية منصب “علوش” بمنصب مقدسي، إذ قُدّم الأخير من قبل النظام السوري كونه وجهًا دبلوماسيًا مثقفًا، ومتمكنًا من اللغات الأجنبية، إلى الرأي العام الغربي ليحاول تبييض صفحة السلطة في دمشق إعلاميًا، وبرز اسمه خصوصًا في قصف مدينة حمص عام 2012.

درس مقدسي في المدرسة العليا للإدارة بالعاصمة الفرنسية باريس، وحاز الماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية في 2009 من جامعة “وستمنستر” في بريطانيا، ليرفع فيما بعد اختصاص دراسته إلى درجة الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من الجامعة الأمريكية بلندن.

يعد منصب مقدسي بعيدًا عن المجال الأمني والعسكري والسياسي، وهو منصب إعلامي، إلا أنه شارك في إنكار ارتكاب النظام عدة جرائم حرب في سوريا، منها مجزرة الحولة، واصفًا إياها في 27 من أيار 2012 بـ”تسونامي الأكاذيب ضد الدولة السورية وضد القوات الحكومية السورية“.

نفى مقدسي بشكل قاطع مسؤولية قوات النظام عن المجزرة التي وقعت في الحولة بتاريخ 25 من أيار 2012، واتهم مجموعات مسلحة بارتكابها.

بينما وجدت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا” في تقريرها الخاص برصد أحداث مجزرة الحولة، الصادر في نفس العام، أن قوات النظام وعناصر “الشبيحة” مسؤولون عن عمليات القتل في الحولة.

ووجدت “لجنة التحقيق” أيضًا أن التحقيقات التي أجرتها حكومة النظام لا ترقى إلى مستوى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولم تقدم الحكومة تقريرًا نهائيًا عن تحقيقاتها الخاصة التي أجرتها، ولم تبيّن متى سيصدر ذلك التقرير.

وترى “لجنة التحقيق” أن حكومة النظام أخفقت في الوفاء بالتزامها القانوني بالتحقيق في عمليات القتل التي وقعت بالحولة.

وبالاستناد إلى الأدلة المتاحة، خلصت اللجنة إلى أن العناصر اللازمة لتحديد جريمة الحرب المتمثلة في القتل قد استوفيت في الحولة.

كما أنكر مقدسي بصفته متحدثًا باسم النظام مجازر التريمسة والقبير، وأكد في مؤتمر صحفي آخر عدم استعمال النظام أو نيته استعمال السلاح الكيماوي أو الجرثومي، مؤكدًا أن هذا النوع من الأسلحة مخزن تحت إشراف قوات النظام، وحذّر من أن “الجماعات الإرهابية” ربما تستعمل سلاحًا جرثوميًا، ليتم اتهام النظام بارتكاب الجريمة من أجل الضغط عليه.

وقد اكتسب الأسد من فكرة “محاربة الجماعات الإرهابية نيابة عن العالم” بعض الزخم في الغرب، خصوصًا الأحزاب اليمينية المتطرفة، لتقديم “بروباغندا” تدعم بقاءه في السلطة لـ”محاربة الإرهاب”.

الدبلوماسي المعارض

في كانون الأول عام 2012، قدّم جهاد مقدسي استقالته من منصبه، وغادر دمشق متجهًا إلى لندن.

وبعد تحول الاحتجاجات في سوريا من الطور السلمي إلى المسلح، وتفاقم العمليات العسكرية بين أطراف النزاع، ظهر خلال مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2014، قال فيها إن “الدبلوماسي عليه أن يخدم بلاده لا أن يكون محاميًا يقبل أي دعوى تقدم له”.

وأضاف، “عندما اتجهت الأمور نحو صراع مسلح في سوريا دون أن يُترك المجال للسياسة، رفضت أن أكون محاميًا لطرف واحد، وانتصر الدبلوماسي في داخلي”.

بعد استقالته، أخذ مقدسي منحًا معارضًا للنظام في عمله السياسي، عبر تأييده إنشاء هيئة حكم انتقالي بموجب القرار الأممي رقم “2254” المحاط بعدة إشكاليات، أبرزها فشل القرار في تحديد دور الأسد في أثناء وبعد المرحلة الانتقالية.

كما انضم إلى “منصة القاهرة”، التي تعدّ تجمّعًا سوريًا معارضًا، شُكّل في مصر عام 2014، وأولويتها هي تحقيق انتقال سياسي، إلا أنه وبحسب التعريف الرسمي عبر حسابه في “تويتر“، فإن مقدسي أعلن اعتزاله العمل السياسي، ويعمل حاليًا في مجال الاستجابة لإدارة المخاطر.

المحاسبة الجنائية بعيدة

بحسب ما قاله الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج لعنب بلدي، فإن طرح احتمال محاسبة مقدسي جنائيًا بعيد، إنما بالإمكان محاسبته سياسيًا فقط، كونه “من الصعب إثبات اليقين لدى جهاد، وإثبات علمه تمامًا بأن الجريمة نُفذت من قبل النظام، هذا العلم غير موجود”.

و”في وزارة الخارجية كان لدى البعض شكوك بوجود السلاح الكيماوي، والبعض الآخر كان لديه يقين بوجودها لكنه لا يملك الأدلة على ذلك”، كون النظام كان يراوغ في هذا الموضوع ولا يعترف بشكل واضح بامتلاكه سلاحًا كيماويًا.

عندما ترغب أي جهة حقوقية البدء بالادعاء ضد شخص ضالع بجرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، تبني دعواها على يقينيات وأدلة محسوسة، بحسب البعاج، لكن “الإشكال الحقيقي مع جهاد هو أنه لا يمكن إثبات هذه الصلة بين اليقينية والمعرفة، وبين الدور الذي لعبه كدبلوماسي أو كناطق رسمي باسم وزارة الخارجية”.

إلا أنه من المؤكد، في حال تم إنشاء محاسبة سياسية في سوريا، سيكون مقدسي ضمن الأشخاص الذين من اللازم محاسبتهم، وفق ما يراه البعاج، “يخضع جهاد هنا إلى نوع من المحاسبة المرتبطة بالتدقيق على السلوك السياسي، فبالإمكان تغريمه ماليًا، أو منعه من العودة إلى السلك الدبلوماسي”.

يحيل هذا الأمر إلى العودة ومناقشة قضية “إسلام علوش”، الذي يوضّح البعاج أنه سيحاسَب في فرنسا بناء على جرائم هو ارتكبها، “هنا توجد القدرة على توجيه اتهام شخصي ضده”، بناء على مبدأ “الولاية القضائية العالمية”.

وترتبط المحاسبة السياسية بطبيعة الانتقال السياسي، وتختلف هيكلية تنظيمها وآثارها من دولة إلى أخرى.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان