خصر نسرين طافش و”باروكة” سلّوم حداد
نبيل محمد
أن تدافع عن الحرية في عمل فني، وتدعو منتقدي هذا العمل للتخلص من عقدهم الموروثة، فهذا يستوجب بالدرجة الأولى أن يكون هذا العمل فنيًا بالفعل، بمعنى أنه على أقل تقدير، يحقّق المستوى الأدنى من معايير العمل الفني. من هنا يبدو من غير المنطقي الدفاع عن مسلسل مثل “جوقة عزيزة” بسبب أنه يتحدّى التقاليد، وأنه يظهر مكامن التزمّت في العقلية التقليدية المحلية، التي تهاجم العمل، وبأن خصر نسرين طافش (عزيزة خوخة) حرّك جمود القاع، وكشف مدى الانغلاق لدى المشاهد العربي، مع أنه ومن وجهة نظر أي مبتدئ في فن الرقص الشرقي نفسه، لا يمكن لهذا الخصر أن يحرك حتى مزاج المصور الذي يقف خلف الكاميرا التي كانت ترصد حركاته. هو خصر لم يتم تدريبه جيدًا على الفن الذي يقوم بتقديمه، مع أن ذلك هو شرط أساسي مطلوب في الشخصية المحركة للعمل، فما هو المطلوب أصلًا من فنانة راقصة إذا لم تكن تجيد الرقص؟
ليس مستغربًا أن ينال المسلسل السوري، الذي يُعرض عبر منصة “شاهد” وعلى عدة تلفزيونات عربية، أعلى نسب متابعة بين الأعمال الدرامية السوريّة. لا ينبع هذا التفوق من قيمة فنية عالية يقدّمها المسلسل، أو فرادة في موضوعه، إنما وبشكل أساسي من جوّه المختلف عن بقية الأعمال التي يعاني أغلبها من تكرار الأجواء والموضوعات والشخصيات والحكايات، فـ “جوقة عزيزة” ومنذ بدء الحملة الإعلانية المواكبة لإنتاجه، ظهر بألوان وطقوس تشي بقصة فرقة غنائية تقودها راقصة وعازف إيقاع، في مرحلة من تاريخ مدينة دمشق.
بلمحة توصيفية سريعة للعمل، سيكون من السهل بمكان التقاط نقطة ضعف، أو ثغرة، أو حتى سقطة وربما سقطات، في أي مشهد من مشاهد العمل، إنه سلسلة مستمرة من الأخطاء المتراكبة، التي ستجعلك بلا شك قادرًا على متابعته كعمل كوميدي لم يكن القصد منه الكوميديا أصلًا. فلا الراقصة تجيد الرقص، ولا الطبال سبق له أن تلمّس الطبلة، سيبدو ذلك من المشاهد الأولى لخروج “عزيزة” على المسرح أمام الجمهور، ومحاولتها هزّ كل ما تيسّر لها من جسدها، لتظهر بأنها راقصة مميزة. المبالغة في الحركة، وحركة اليدين غير المتناسقة مع حركة الخصر، تبيّن ببساطة أن الممثلة لم تخضع لما يكفي من تدريبات على الدور، هذا إن خضعت لتدريبات أصلًا.
خلف الراقصة يجلس الطبّال “حمدي حمّيها” (سلوم حداد)، الذي يبدو أن أولى جلساته وعلى فخذه طبلة، كانت خلال “بروفات” العمل. غريب هو مشهد نجم تلفزيوني له في تاريخ الدراما السورية عشرات الأعمال التي يحفظها جمهوره، يظهر بالسذاجة التي ظهر فيها حدّاد، شكلًا ومضمونًا. “الباروكة” ومكياج الوجه كفيلان أيضًا بإيضاح الصناعة التجارية السريعة للعمل، الذي يبدو أن مخرجه وربما كاتبه كانا على قناعة تامّة بأن وجود نسرين طافش كراقصة، سيضمن نجاح العمل بغض النظر عن التفاصيل الأخرى. وبالفعل يبدو أنهما غضّا النظر كليًا عن تلك التفاصيل، هذا إن سلّمنا أصلًا بأنهما اعتنيا بشخصية الراقصة كحامل أساسي للمسلسل.
حوارات وجمل كثيرة لا يمكن أن تنتمي للمرحلة التاريخية التي يناقشها المسلسل (ثلاثينات القرن الماضي)، ديكور شوارع من الصعب أن يقنعك بأنه ينتمي لدمشق، إضاءة غريبة مرتبكة بين شموع ومصابيح، وأجواء يبدو فيها السعي واضحًا للتميّز عن أعمال البيئة الشامية التقليدية السابقة، التي عادة ما يتم الهجوم عليها كونها تسوّق للتزمّت والانغلاق، وتظهر دمشق بطريقة غير أمينة لتاريخها. ومن هنا كانت مبالغات مارسها “جوقة عزيزة” لا يمكن أن تنتمي لدمشق ولا لأي مدينة عربية في تلك الفترة، ليأخذ المسلسل بها صورته الحقيقية كرد فعل على أعمال البيئة الشامية لا أكثر، رد فعل مبالغ به وساذج، كأغلبية ردود الفعل السريعة التي تمر دون أثر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :