أقرت الحكومة البريطانية قانونًا جديدًا يقضي بترحيل طالبي اللجوء الواصلين إلى المملكة منذ مطلع العام الحالي إلى دولة رواندا الإفريقية، بموجب تطبيق قانون الهجرة البريطاني الجديد.
وقال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن عشرات الآلاف من المهاجرين غير المصرح لهم الذين يبحثون عن ملاذ في المملكة المتحدة، سيتم نقلهم جوًا لمسافة تزيد على 4000 ميل إلى رواندا بموجب مجموعة جديدة من سياسات الهجرة الجديدة، بحسب ما نقلته صحيفة “The Guardian” البريطانية، الخميس 14 من نيسان.
تزامن القانون البريطاني مع إعلان رواندا أمس، الخميس، عن توقيعها اتفاقية بملايين الدولارات مع بريطانيا، لاستقبال طالبي لجوء ومهاجرين إلى المملكة المتحدة على الأراضي الرواندية.
رواندا.. “سوريا الإفريقية”
تتشابه مفاصل الحياة في رواندا الدولة غير الساحلية والواقعة شرق إفريقيا ضمن ما يعرف بـ”الأخدود الإفريقي العظيم” بسوريا إلى حد بعيد، خصوصًا السياسية منها ومقياس الحريات فيها.
ويعتبر رئيس رواندا، بول كاغامه، هو رئيس الدولة الأعلى، ويمتلك سلطات واسعة بما في ذلك وضع السياسة بالاشتراك مع مجلس الوزراء، وممارسة حق العفو، وقيادة القوات المسلحة، والتفاوض والتصديق على المعاهدات، وإعلان الحرب أو حالة الطوارئ.
كما يُنتخب الرئيس بالاقتراع الشعبي كل سبع سنوات، ومن صلاحياته تعيين رئيس الوزراء وجميع أعضاء مجلس الوزراء الآخرين.
تولى الرئيس الحالي منصبه بعد استقالة سلفه باستور بيزيمونغو في عام 2000، كما فاز في وقت لاحق بالانتخابات في عامي 2003 و2010، على الرغم من أن منظمات حقوق الإنسان انتقدت هذه الانتخابات، إذ فسرت “هيومن رايتس ووتش” نظام الحكم فيها بعد عام 2010 على أنه “متوجه نحو نظام الحزب الواحد”.
“المادة 101” من الدستور الرواندي، حددت ولايات الرئيس فيها باثنتين فقط، إلا أن رئيسها الحالى غيّر هذا القانون عبر استفتاء أجراه عام 2015، بعد تسلّم “عريضة” موقعة من 3.8 مليون رواندي.
وسمح كاغامه من خلال هذا التغيير في الدستور لنفسه بالبقاء في منصب الرئيس حتى عام 2034، بعد أن انتُخب لولاية ثالثة في عام 2017 بنسبة فوز وصلت إلى 98.79% من الأصوات.
التفاصيل السياسية التي تعيشها رواندا تشبه إلى حد كبير حالة حكم حزب “البعث” لسوريا، وهما حالتان تدينهما منظمات حقوقية ودولية بتهم عديدة، منها عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والانفراد بالحكم.
هل رواندا بلد آمن؟
رغم أن البلد الإفريقي اشتهر بالإبادات الجماعية والتطهير العرقي الذي قتل فيه 800 ألف شخص في الحرب الأهلية بين عرقي الهوتو والتوتسي عام 1994، لكنها اليوم تشهد طفرة اقتصادية وسياحية، جعلت عاصمتها كيغالي تنتزع لقب “أنظف عاصمة إفريقية” لعدة مرات بحسب موقع “Business Insider Africa“.
وتعد رواندا ذات مستوى فساد منخفض مقارنة بالبلدان الإفريقية الأخرى، إذ تأتي رواندا في المرتبة الخامسة من بين 47 دولة في إفريقيا، وفي المرتبة الـ55 من أصل 175 في العالم على سلّم الفساد.
وتعتبر شوارع وأحياء رواندا آمنة نسبيًا نظرًا إلى توجه حكومة البلاد إلى تنشيط قطاعها السياسي، إذ باتت تعتني بقطاعي النظافة والأمن خلال السنوات الأخيرة، لكن التوترات الأمنية على الحدود مع جارتها الكونغو، والتي لم تهدأ منذ نحو عشر سنوات، تجعل من أوضاعها الأمنية غير مستقرة.
لكن معدل الفقر في البلاد يبلغ ما نسبته 45%، بعد أن تجاوز نصف السكان عام 2000.
وفي عام 2018، ظهرت ست دول أتعس من سوريا في قوائم شبكة حلول التنمية المستدامة، التابعة للأمم المتحدة، حول مؤشر السعادة العالمي، هي رواندا واليمن وتنزانيا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وبوروندي.
بريطانيا ليست الأولى
مطلع عام 2021، وقّعت الدنمارك اتفاقيتي تعاون بما يخص الهجرة واللجوء مع رواندا، لم تعلن تفاصيلهما، وسط تخوفات من أن تكونا في إطار تخطيط الحكومة الدنماركية لإقامة مركز استقبال لطالبي اللجوء في بلد ثالث.
وأشار تقرير نشره موقع “Altinget” السياسي الدنماركي، في 28 من نيسان 2021، إلى زيارة رسمية أجراها كل من وزير الهجرة والاندماج، ماتياس تسفاي، ووزير التنمية، فليمنغ مولر مورتنسن، إلى رواندا لتعزيز العلاقات بين البلدين وتعاون أوثق في قضايا الهجرة.
وأوضحت وزارتا الخارجية وشؤون الهجرة والاندماج الدنماركيتان في بريد إلكتروني، وصلت إلى الموقع نسخة منه، أن الدنمارك ورواندا وقعتا اتفاقيتين “لتوثيق التعاون في مجال الهجرة واللجوء، وزيادة المشاورات السياسية حول التعاون الإنمائي”.
ولم تنشر الوزارتان نصوص الاتفاقيتين أو أي تفاصل أخرى متعلقة بهما.
وبينما التزمت الحكومة الدنماركية الصمت بشأن الزيارة، نشرت وزارة الخارجية الرواندية سلسلة من الصور من زيارات الوزيرين، وفقًا للموقع.
وبحسب الموقع، فإن من غير المعروف ما إذا كان التعاون بين البلدين، يمكن أن يكون خطوة على طريق تحقيق طموح الحزب “الاشتراكي الديمقراطي” بإنشاء مركز استقبال لطالبي اللجوء في بلد ثالث.
وتعد رواندا الدولة الوحيدة حتى الآن التي أبدت انفتاحها على مثل هذا التعاون بشكل علني.
رواندا بلد عبور للاجئين
وقّعت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عام 2019 مذكرة تفاهم مع الاتحاد الإفريقي، تتضمّن إجلاء لاجئين وطالبي لجوء مسجلين فيها من ليبيا إلى رواندا، بحسب السكرتير الدائم في الوزارة المسؤولة عن إدارة الأزمات في رواندا، أوليفيه كايومبا.
وأضاف المسؤول أن الدفعة الأولى ستشمل 500 شخص، بحاجة إلى الحماية الدولية ويعانون ظروفًا صعبة في ليبيا حينها، خاصة النساء والأطفال.
وتتضمّن الاتفاقية اللاجئين المسجلين في ليبيا، منهم الأطفال والشباب المعرضون للخطر والمسجلون أيضًا في مفوضية اللاجئين، بالإضافة إلى أبناء اللاجئين وطالبي اللجوء وزوجاتهم.
السكرتير الرواندي أكد لموقع “مهاجر نيوز”، المختص برصد أخبار اللاجئين حول العالم، أن مذكرة التفاهم الموقعة لا تشمل المهاجرين في ليبيا بشكل عام، وأوضح أن الدفعة التي سيتم ترحيلها خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة ستقيم في مركز “غاشورا” للعبور، في منطقة بوغيسيرا التي تبعد حوالي 60 كيلومترًا عن العاصمة الرواندية كيغالي.
المركز، وبحسب موقع “مهاجز نيوز”، أُسس عام 2015 لاستقبال لاجئي بوروندي والكونغو، وعبروا من خلاله إلى دول أخرى، وتمت إعادة تأهيله ليستوعب اللاجئين القادمين من ليبيا.
وعلى خلفية الاتفاقية طالت انتقادات عدة الاتحاد الأوروبي، إذ اعتبر الأمر منعًا للمهاجرين وطالبي اللجوء من الوصول إلى أوروبا، في حين أكد المبعوث الخاص للمفوضية العليا للاجئين، فينسينت كوشيتيل، أن الدعم ليس فقط من قبل الاتحاد الأوروبي وإنما أيضًا من قبل الاتحاد الإفريقي، وقدّر بـ20 مليون دولار وصلت إلى الاتحاد من قبل قطر لدعم العملية.
–