تطرح شركة “كلاكيت” لإياد النجار هذا العام خلال الموسم الرمضاني للأعمال الدرامية في سوريا مجموعة قضايا مركّبة اجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا بعدسة المخرجة رشا شربتجي، ضمن مسلسل “كسر عظم” الذي صُوّرت حلقاته في بيروت.
أخذ العمل الدرامي المنسوب رسميًا بقصته إلى الكاتب معين صالح بمعالجة درامية لرانيا الجبان، انتشارًا واسعًا بين الجمهور السوري، كونه يحاول المجاهرة بقضايا حساسة تمس شخصيات نافذة وفاسدة ضمن السلطة، لتستعيد الدراما السورية حضورها عبر شاشات العرض مستعينة بمجموعة من الكوادر الشابة، التي بدأت تأخذ حيّزها الخاص في صناعة الدراما.
إلا أن هذا الانتشار المرتبط بالعمل سرعان ما أخذ نمطًا مختلفًا خلال الساعات القليلة الماضية، إذ نشر الكاتب الدرامي السوري فؤاد حميرة عبر صفحته في “فيس بوك” عدة منشورات يتهم بها شركة “كلاكيت” ورشا شربتجي بـ”سرقة فكرة وخطوط الشخصيات وحواراتها” في مسلسل “كسر عظم”، وما يُعرض حاليًا عبر الشاشات ما هو إلا “تعديل بسيط من مسلسل (حياة مالحة) لتكون السرقة مموهة”.
معاملة بعيدة عن الأخلاق
وبحسب ما أوضحه حميرة، في حديث إلى عنب بلدي، “انتظرت حتى أتابع المسلسل كي أتأكد من خطوط الشخصيات التي يرسمها، كونه من الصعب الجزم بأن النص مسروق من الحلقات الأولى، ومع استمرار عرض المسلسل تبيّن أن النص مسروق كله”.
وتابع حميرة، “أنت تعرف ممثلينا، بلا مواقف وبلا أخلاق، الواحد منهم مشان المصاري بيزحف كواع وركب”، مشيرًا إلى أن الاهتمام بحقوق كتّاب الدراما السورية معدوم لدى شركات الإنتاج.
وذكر حميرة أنه يفكر في “إمكانية رفع دعوى في مصر” ضد الجهة الضالعة بسرقة نص مسلسل “حياة مالحة” وعرضه ضمن مسلسل “كسر عظم”.
نجاح الدراما السورية في ملامسة الواقع هو في النهاية نجاح لنصها، ولقدرة الكاتب، مستندًا إلى خبرته الشخصية، على خلق خطوط التواصل المناسبة مع الجمهور.
برز اسم الكاتب حميرة في صناعة الدراما السورية عام 2006، فحينها استطاع أن يلفت نظر الجمهور السوري والعربي إلى عمله “غزلان في غابة الذئاب”.
شكّل نص العمل في ذلك الوقت وعاء مرنًا فُرّغت فيه مشكلات سكان العشوائيات في سوريا وتجاوزات أبناء المسؤولين، بسرد استثنائي رفع سقف الرقابة المفروضة على الأعمال الدرامية من جهة، واستطاع أن يقدم شخصيات معقدة تتيح للمثلين تصدير ما يملكون من موهبة بأدوات فنية مقنعة.
حاول حميرة تكرار مشروعه من خلال تصوير “حياة مالحة” من إنتاج شركة “كلاكيت” وبطولة جمال سليمان وتيم حسن، إلا أن ثورة 2011 عرقلت إنجاز هذا العمل.
في عام 2013، نشرت جريدة “الحياة” مقالًا تحدثت فيه عن قصة المسلسل بحسب ملخصه القديم، “تغوص في عوالم أحد كبار المسؤولين السوريين الفاسدين الذي يُدعى أبو جرير (جمال سليمان). يكتشف الأخير فجأة أنه مصاب بفيروس الإيدز، فتبدأ محاولاته الدؤوبة لطمس الحقيقة، والإفادة من كل يوم يعيشه. هكذا يقرر مع شقيق زوجته، التخلّص من الأخيرة لأنها تحمل الفيروس نفسه ويمكنها فضحه. ثمّ يفاوض سائقه وزوج ابنته ليساعده في التخلّص من زوجته الثانية الحامل!”.
ويتابع مقال الصحفي وسام كنعان، “مع تطوّر الأحداث، يكتشف جرير (يُفترض أن يؤدي دوره تيم حسن) هذا السرّ، ونراه يكشّر عن أنيابه، ويبدأ عملية القمع والبطش”.
قال الكاتب حميرة خلال كلامه عن قضية سرقة المسلسل، “قصة المسلسل أُعلنت في أثناء عمليات التصوير التي لم تُنجز، تفاصيلها معروفة لدى كثيرين، هذه ليست المشكلة”، موضحًا أن مشكلته تكمن بعدم أمانة العاملين في المجال.
اقرأ أيضًا: النص المستقل.. حجر الأساس في الدراما السورية مفقود
أزمة حقوق المؤلف
تكمن قيمة المسلسل في حقيقة النص المكتوب وواقعية رؤيته للأحداث، وفهم صاحبه متطلبات الجمهور، ليخوض أولى معاركه في أروقة الرقابة التقليدية، ويتعرض النص دومًا إلى الحذف والتعديل، إلا أن تلك المعارك لا تنتهي عند هذه المرحلة، بل يواجه الكاتب معركة قانونية لاستعادة حقوق المؤلف في حال سُلبت منه أفكاره وتجسدت في عمل آخر.
يستثمر كتّاب الدراما الكثير من الوقت والمال والطاقة والتفكير في تطوير ابتكاراتهم وإبداعاتهم، وفي نفس الوقت تكثر التوترات بكثرة النصوص الدرامية المقدّمة إلى الجهات المنتجة، وبين هذا الزخم في الإنتاج من حيث الكم، تصدّرت عدة نصوص شاشات المحطات التلفزيونية ومنصات العرض، أفكارها مسروقة من كتّاب آخرين دون الإشارة إلى اسمهم أو تعويضهم ماديًا.
وجاء رد الفعل حول تلك الوقائع المتكررة في صناعة الدراما على شكل بيان عام 2020، أصدرته مجموعة من أهم كتًاب الدراما السورية، وكان الأول من نوعه، يعارض تحوّل الدراما من صناعة لها أسسها وقواعدها، إلى مجرد تجارة تُعرض بموسمها الرمضاني على المحطات التلفزيونية.
سُمّي البيان حينها بـ”ميثاق الشرف للكتّاب الدراميين المستقلين“، وطالب الموقّعون عليه باحترام النصوص الدرامية، وعدم تعديل النص الدرامي، أو إعادة كتابته، بحيث يخرج عن الفكرة المتفق عليها مع شركة الإنتاج، بما يضمن جميع حقوق المؤلف المادية والمعنوية.
كما تعهد الموقعون عليه، باحترام منجز زملائهم، وعدم التدخل في نصوصهم، أو تعديل أي بناء درامي لهم، أو إعادة كتابته، أو استكماله نيابة عن صاحبه المتعاقد عليه أصولًا، إلا في حال الحصول على موافقة خطية مسبقة منه.
وأوصى البيان حينها بوضع صياغة قانونية موحدة لعقود كتّاب الدراما، تضمن حقوقهم في الملكية الفكرية والأدبية لنصوصهم، وتمنع أي شكل من أشكال الاعتداء عليها، وتراعي عدم سلبهم ثمرات جهدهم في تأليفها، وتكفل عدم تعديل أو تحريف كتاباتهم شكلًا أو مضمونًا، وتضمن حق الكاتب في استخدام مقاطع من عمله، ليبثّها على صفحاته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفه حقًا شرعيًا لا ينتقص من حق جهة الإنتاج في عرض كامل الحلقات.
اقرأ أيضًا: الدراما السورية.. عقد من الانحدار
محاولات لكسر الغياب
اعتقلت أجهزة الأمن السورية فؤاد حميرة في مدينة اللاذقية في 28 من حزيران 2013، قبل أن تفرج عنه في 10 من تموز في العام نفسه.
اتخذ حميرة موقفًا واضحًا إلى جانب المتظاهرين في سوريا الذين نادوا بإسقاط النظام، واضطر للهجرة إلى فرنسا، قبل أن يعلن عودته إلى تركيا في تشرين الثاني 2015، نظرًا لظروف اللجوء السيئة هناك على حد وصفه، لينتقل بعدها إلى مصر ويستقر فيها حتى الآن.
ومنذ ذلك الحين، حاول حميرة العودة إلى ساحة العمل الدرامي عدة مرات، ففي عام 2019، تعاقد الكاتب مع المنتج صادق الصباح على إنتاج مسلسل “الزبال”، الذي يجسّد قصة واقعية تدور حول كيفية تصنيع الدكتاتور.
شخصية “الزبال” هي شخصية حقيقية في تاريخ دمشق، بحسب ما نشره تيم حسن حينها، وهو قسيم الزبّال الذي حكم دمشق لأربعة أعوام متتالية. الشخص الذي كان ينقل الزبل إلى بساتين الغوطة، قُدّر له أن يحكم دمشق بكل دهاء وذكاء.
وتستمر أحداث المسلسل على مدى 60 حلقة، موزعة على جزأين، تُعرض متصلة على شاشات التلفزيون بمصر والوطن العربى في رمضان 2020، ورُشح لبطولة المسلسل الفنان تيم الحسن، إلا أن هذا المسلسل لم يرَ النور حتى الآن.
وفي نفس العام، وقّع المنتج اللبناني صادق الصباح على تعاون مع حميرة من أجل كتابة الموسم الرابع من مسلسل “الهيبة”، إلا أن الكاتب انسحب من العمل، لتتحول مهمة الكتابة إلى ورشة عمل جماعية، وأوضح حميرة سبب الانسحاب بعدم التوافق مع شركة الإنتاج على مصير شخصية البطل فيه.
–