بعد قرار المحكمة العليا في فرانكفورت

هل يفقد السوريون حق الوصول إلى محاكمات منتهكي حقوقهم؟

محكمة فرانكفورت الإقليمية العليا غربي ألمانيا- 2020 (نيويورك نايمز)

camera iconمحكمة فرانكفورت الإقليمية العليا غربي ألمانيا- 2020 (نيويورك تايمز)

tag icon ع ع ع

من حيث المبدأ العام، يحكم جلسات المحاكمات العلانية، وتجمع كل التشريعات على ذلك، وإذا كان من اللازم في مرحلة من إجراءات المحاكمة أن يجري الاستماع إلى إفادة أحد الشهود، أو أن يجري التحقيق كله أو بعضه بسرية، فإنه لا يوجد ما يدعو إلى الاستمرار في هذه السرية، بعد أن استكمل التحقيق عناصره، وصارت الدعوى ضمن إجراءاتها المعتادة.

وجلسات المحاكمات علنية، إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة لأسباب تراها واجبة السرية.

والمقصود بالعلانية، أن تكون قاعة الجلسة مفتوحة أمام من يشاء من الجمهور حضور المحاكمة، خصوصًا الصحفيين، الأمر الذي يجعل الرأي العام المهتم بالقضية رقيبًا على إجراءات المحاكمة، فيدعم الثقة في القضاء الناظر في هذه الدعوى، والاطمئنان إلى عدالته، ويدفع القضاة أكثر إلى الحياد والتطبيق السليم للقانون.

إلا أن هذه العلانية لن تطبّق على الجلسات المتبقية من قضية الطبيب السوري المتهم علاء موسى في المحكمة العليا في فرانكفورت غربي ألمانيا، التي تحمل برصيدها حتى الآن 11 جلسة، ما يعني إعاقة الصحافة السورية والأجنبية والمجتمع المدني المهتم بتفاصيل المحاكمة عن الوصول إلى معلوماتها.

أزال “المركز السوري للعدالة والمساءلة” تقاريره المفصّلة عن محاكمة علاء موسى داخل المحكمة من موقعه الإلكتروني، بناء على طلب من رئيس المحكمة.

مثل هذا الطلب يُدخل الحقوقيين السوريين المعنيين بمناقشة جدية حول مسألة عدم نشر تفاصيل المحاكمات الأوروبية المرتبطة بالشأن العام السوري، خصوصًا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان ضمن الإعلام والصحافة، في معرض طلب عدم تأثير هذه التقارير الصحفية على الشهود وإجراءات المحاكمة.

اقرأ أيضًا: ترجمة محاكمتي رسلان وموسى.. حق الضحية في فهم جلادها

حرية النشر أم سلامة المحاكمة؟

في حين يتم اللجوء إلى التعاطي المباشر مع انتهاكات حرية التعبير والنشر والوصول إلى المعلومات، في إطار المنظومات القانونية والتوعوية والبرامج التنموية، يصعب ذلك حين تكون حرية النشر قد تستهدف التشويش على سلامة محاكمات مهمة مثل محاكمة علاء موسى، إذ يقع المجتمع الحقوقي السوري في جدلية قضيتين من القضايا الحقوقية، وقد يكون لا أولوية في قضية على ثانية.

الأولى هي حرية التعبير والنشر، وحق الأفراد في الوصول إلى المعلومات التي تهم ضحاياهم بمثل هذه المحاكمات، المصون في شرعة حقوق الإنسان، والثانية تتعلق بحق القضاة في حماية قضيتهم التي ينظرون بها من إعطاء وسائل الإعلام معلومات بهدف التأثير على القضية، أو تحسين وضع أحد طرفي القضية عبر نشر معلومات عنها، والتأثير على حجم العقوبة في الحكم النهائي.

من حق الصحفيين الوصول إلى المعلومات والبحث عنها، بمقابل ذلك من حق القضاة أيضًا إبعاد ملفات قضاياهم عن جميع الضغوط الإعلامية، التي تثير الرأي العام نحو معارضة طرف من أطراف الدعوى.

اقرأ أيضًا: الإفادات المتضاربة للشهود.. خطر قد يهدد العدالة السورية في المحاكم الأوروبية

تشديد على تسريب المعلومات

تميزت الجلسة الأولى من محاكمة “كوبلنز” في نيسان 2020، بحضور العديد من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العربية والألمانية والعالمية، المرئية منها والمكتوبة، وحضور ممثلي بعض المنظمات الدولية والسورية المعنية بحقوق الإنسان، ومع مواصلة المحاكمة جلساتها واقترابها إلى الحكم النهائي في شباط 2021 بحق إياد الغريب، وكانون الثاني الماضي بحق أنور رسلان، لعبت وسائل الإعلام أثرًا سلبيًا في تضخيم أثر المحاكمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

القاضي في “فرانكفورت” استاء من تقرير إعلامي ألماني نقل تفاصيل الجلسات الماضية من محاكمة الطبيب المتهم، وطلب من الحضور عدم نشر شيء تحت طائلة استدعائهم للشهادة، كون التقرير أشار إلى تفاصيل من ملف القضية “ليست منشورة، واتضح أنها تسربت من مصدر ما داخل المحكمة”، بحسب ما قاله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، لعنب بلدي.

وبحسب ما أوضحه الحقوقي، بعد نشر التقرير الألماني في وقت لاحق، اجتمع القاضي مع أعضاء في المركز الذين يعملون على تغطية المحاكمة، والتي تجري جلساتها باللغة الألمانية بطلب من المتهم، وطلب القاضي إزالة التقارير المفصلة والاكتفاء بملخصات لا تنقل أقوال الشهود بالضبط.

لا يتفق العبد الله مع قرار المحكمة، إلا أنه يتفهم الدافع والخلفية وراء مثل هذا القرار، “ما رأيناه في محاكمة (كوبلنز) من محاولات ناشطين وحقوقيين ترتيب شهود وتلقينهم أقوالًا محددة، كما ما اتضح في قرار الحكم النهائي في محكمة (كوبلنز) الذي أشار بالاسم لاستثناء شهادات بعض الشهود لتضاربها مع أقوالهم أمام الشرطة، من الممكن أن يثير ريبة القضاء الألماني أن مثل هذا الأمر سيحصل في محاكمات لاحقة، سواء كان لمصلحة جهة الادعاء أو لمصلحة جهة الدفاع. لذلك، ارتأت المحكمة تقييد النشر في محاكمة علاء موسى”.

والأصل ألا تطغى نزاهة المحاكمة على حرية نشر المعلومات المرتبطة بها عن طريق الإعلام، وفق ما يراه العبد الله، لكن “يحق للقضاة عقد جلسات محاكمة مغلقة وغير متاحة للجمهور والإعلام إذا اقتضت الحاجة. لكن طلب القاضي متشدد للغاية، وفيه تهديد واضح للناشرين أن من الممكن أن يتم استدعاؤهم كشهود في حال سربوا معلومات حساسة”.

وتعد وسائل الإعلام في الحالة السورية المصدر الأكثر أهمية في استقاء المعلومات عن حقوق الإنسان لمعظم الناس، بغياب الشفافية في التقارير الحكومية، من خلال طريقتين، أولاهما باعتبار الإعلام مصدرًا للمعلومات عن حقوق الإنسان من خلال التغطية الإخبارية المحلية والدولية وتحقيقات مراسلي الوكالات الدولية، ومن خلال دوره كعامل سياسي ومعنوي يقرر إثارة قضية معيّنة.

والطريقة الثانية تكمن من خلال دور وسائل الإعلام كحامل للمعلومات التي تتبناها منظمات حقوق الإنسان، وهو يعد أهم الجسور وأكثرها فاعلية بين هذه المنظمات والرأي العام، سواء في تغطية موضوعات معيّنة، أو شن حملات في موضوعات معيّنة مرتبطة بملفات المحاكمات الأوروبية المرتبطة بسوريا.

ويتطلّب تناول الدور الاتصالي لوسائل الإعلام السورية بشأن حقوق الإنسان، أو كيف يستخدم الفاعلون المتنوعون الإعلام كقناة اتصال بهذه المحاكمات الأوروبية، اختبار المعلومات التي تتلقاها وسائل الإعلام وكيف تتعامل معها.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة