“انتصرت الحقيقة”، يقول زعيم المعارضة الباكستانية شهباز شريف، بعد انتخابه رئيسًا جديدًا للوزراء في باكستان، في إشارة إلى نجاح أول عملية سحب ثقة في تاريخ البلاد، كان ضحيتها رئيس الوزراء المنتخب، عمران خان.
خان وصف تغيير النظام بالمؤامرة الأجنبية، مؤكدًا أن النضال من أجل الحرية يبدأ من جديد في تاريخ البلاد الممتد 75 عامًا منذ استقلالها عام 1947، وأن شعب البلد نفسه من يدافع عن سيادته وديمقراطيته، لا “حكوماتٍ مستوردة، يقودها محتالون”.
Pakistan became an independent state in 1947; but the freedom struggle begins again today against a foreign conspiracy of regime change. It is always the people of the country who defend their sovereignty & democracy.
— Imran Khan (@ImranKhanPTI) April 10, 2022
انتخب البرلمان الباكستاني، النائب المعارض وزعيم حزب “الرابطة الباكستانية الإسلامية”، محمد شهباز شريف، رئيسًا لوزراء “جمهورية باكستان الإسلامية”، خلفًا لرئيس الوزراء المخلوع، عمران خان، الاثنين 11 من نيسان، منهيًا الخلافات التي أدت إلى اضطرابات سياسة في الدولة المسلحة نوويًا.
بدأت الدراما السياسية الباكستانية، في 3 من نيسان الحالي، عندما تجنب خان، التصويت الأولي لحجب الثقة الذي طالبت به المعارضة، من خلال حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
واستأنفت المعارضة، التي تتهم خان، بسوء الإدارة الاقتصادية أمام المحكمة العليا، بعد أربعة أيام من المداولات، وأمرت المحكمة بإعادة مجلس النواب (البرلمان) والتصويت على سحب الثقة.
لتبدأ جلسة البرلمان الماراثونية، السبت 9 من نيسان، وأطاحت بخان، في اليوم نفسه، ليصبح أول رئيس وزراء باكستاني يُطاح به من خلال اقتراع بحجب الثقة.
وبهذا، انضم خان، نجم “الكريكيت” السابق، البالغ من العمر 69 عامًا، إلى قائمة مطولة من رؤساء الوزراء الباكستانيين المنتخبين، الذين فشلوا في استكمال فترة ولايتهم، ولم يكمل أي رئيس وزراء في باكستان، فترة ولايته كاملة، منذ الاستقلال عن القوة الاستعمارية “بريطانيا العظمى” عام 1947.
مؤامرة واشنطن وتواطؤ المعارضة
منذ وصول خان إلى السلطة عام 2018، أصبح خطابه أكثر معاداة لأمريكا، إذ رحب باستيلاء طالبان على أفغانستان العام الماضي، وأبدى رغبته في الاقتراب أكثر من الصين، وفي الأشهر الأخيرة، من روسيا، بما في ذلك المحادثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اليوم الذي بدأ فيه غزو أوكرانيا.
واتهم خان، الولايات المتحدة بالوقوف وراء مؤامرة الإطاحة به، بينما نفت وزارة الخارجية الأمريكية أي تورط في السياسة الداخلية لباكستان، وأكدت نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية جالينا بورتر، للصحفيين، في 7 من نيسان، أنه “لا صحة إطلاقًا لهذه المزاعم”.
يزعم خان أن المعارضة تواطأت مع واشنطن للإطاحة به، “بسبب سياسته الخارجية المستقلة التي تحابي الصين وروسيا”، كما تعرض لانتقادات بسبب الزيارة التي قام بها، في 24 من شباط الماضي، إلى موسكو.
طالب خان، بإجراء انتخابات مبكرة، مستغلًا المشاعر المعادية لأمريكا في باكستان، لكن موعد الانتخابات لن يكون قبل آب 2023، وفقًا لـ”أسوشيتد برس“.
تلقى نظرية المؤامرة صدى لدى قاعدة دعمه الشابة، التي غالبًا ما ترى أن “حرب واشنطن بعد 11 سبتمبر على الإرهاب كانت تستهدف باكستان بشكل غير عادل”.
واحتجاجًا ضد الإطاحة به، احتشد مئات الآلاف من أنصار خان، مساء الأحد 10 من نيسان، في مدن مثل كراتشي ولاهور وبيشاور، واستمروا حتى الساعات الأولى من صباح الاثنين 11 من نيسان، وأغلقوا الطرق ورددوا هتافات مناهضة للأحزاب المنافسة والحكومة الأمريكية.
وقال خان، عبر حسابه في “تويتر”، “لم يسبق أن خرجت مثل هذه الحشود بشكل عفوي وبهذه الأرقام في تاريخنا، لرفض الحكومة المستوردة التي يقودها المحتالون”.
Never have such crowds come out so spontaneously and in such numbers in our history, rejecting the imported govt led by crooks. pic.twitter.com/YWrvD1u8MM
— Imran Khan (@ImranKhanPTI) April 10, 2022
باكستان ولعنة حُكم الأسرة
يتكوّن ائتلاف المعارضة من أكبر حزبين يمتدان عبر الطيف السياسي، من اليسار إلى المتدينين الراديكاليين، هما: “الرابطة الإسلامية الباكستانية”، برئاسة شهباز شريف، وحزب “الشعب الباكستاني”، الذي يشترك في رئاسته نجل وزوج رئيسة الوزراء السابقة، المقتولة، بينظير بوتو.
في باكستان، هيمنت بضع عائلات ثرية وقوية على السياسة لعقود، مع تناوب السلطة في أغلب الأحيان بين معسكري شريف وبوتو، ودخلت عائلة شريف، عالم السياسة أوائل ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت باكستان تُدار بموجب أحكام عرفية.
اتُهم المجلسان السياسيان وأُدينا في بعض الأحيان بالفساد المستشري، وكلاهما نفى هذه المزاعم.
عام 1999، أطاح انقلاب عسكري بنواز شريف، الشقيق الأكبر لشهباز شريف، ورئيس الوزراء السابق، وأُطيح بحكومة بينظير بوتو، عدة مرات بعد أن انحاز الجيش إلى معارضتها في السياسة الباكستانية، حيث الولاءات غالبًا ما تكون متقلبة، وكانت المعارضة الأشد لبوتو تأتي من حزب شريف.
آصف علي زرداري، زوج بوتو، الذي شغل منصب رئيس باكستان بعد انتخابات 2008، قضى أكثر من سبع سنوات في السجن، وأُدين بتهم الفساد أيضًا، لكن العائلتان رفضتا مزاعم الفساد الموجهة إليهما، ووصفتها بأنها ذات دوافع سياسية.
توعّد خان، عند وصوله للسلطة بكسر حكم الأسرة في باكستان، لكن خصومه زعموا أنه فاز في الانتخابات بمساعدة الجيش “القوي”، بينما نفى خان حصوله على أي دعم من الجيش، ويؤكد الجيش أنه لا يشارك في العملية السياسية، بحسب ما ذكرته “رويترز“.
غسيل أموال ودخل يتجاوز الإمكانيات
عُزل شقيق شهباز الأكبر، نواز شريف، من منصب رئاسة الوزراء عام 2017، من قبل المحكمة العليا بعد إدانته فيما يتعلق بالتسريبات المالية التي تم الكشف عنها في ما يسمى بـ“أوراق بنما” (مجموعة من الوثائق المالية السرية التي توضح كيف يخفي بعض أغنياء العالم أموالهم)، واستبعدته المحكمة العليا من تولي المناصب العامة.
وعلى غرار شقيقه، في كانون الأول 2019، صادر ديوان المحاسبة الوطني (NAB)، 23 عقارًا لشهباز، ونجله حمزة، زعيم المعارضة في إقليم البنجاب (أحد أقاليم باكستان الأربعة، وعاصمته لاهور، ثاني أكبر مدن البلاد)، حيث يعيش 60% من سكان باكستان البالغ عددهم 220 مليون نسمة متهمًا إياهما بغسل الأموال.
في أيلول 2020، أُلقي القبض على شهباز، من قبل هيئة مكافحة الكسب غير المشروع، بتهمة غسل الأموال (حوالي 40 مليون دولار)، والدخل الذي يتجاوز الإمكانيات، في مخطط شارك فيه مقربون وأفراد من العائلة، وسُجِن على ذمة المحاكمة.
رُفعت تلك الاتهامات من قبل حكومة عمران خان، لينفيها شهباز، ويصفها بالانتهاكات السياسية، ظل في السجن عدة أشهر قبل أن تطلق محكمة لاهور العليا في نيسان 2021 سراحه بكفالة.
على مدى السنوات القليلة الماضية، كان الابن الأصغر لشهباز، سليمان، والذي يعتني بأعمال العائلة، هاربًا في المملكة المتحدة في قضية غسيل أموال ودخل يفوق الإمكانيات.
جمدت المملكة المتحدة الحسابات المصرفية للأسرة، وبعد أن فشل تحقيق أجرته الوكالة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة في العثور على أدلة ضد شهباز، أُسقطت القضية، ومع ذلك، لا يزال التحقيق مفتوحًا في باكستان، إلا أن توجيه الاتهام، أُجّل مؤخرًا بسبب اقتراع حجب الثقة عن رئيس الوزراء عمران خان.
حاليًا، يواجه شهباز قضية غسيل أموال بقيمة 14 مليار روبية باكستانية (حوالي 77 مليون دولار) في المملكة المتحدة رفعتها عليه وكالة التحقيقات الفيدرالية الباكستانية (FIA)، وهو أيضًا بكفالة في هذه القضية.
العودة من المنفى والتربع على العرش
عام 1990 ، عندما فاز الشقيق الأكبر، نواز شريف، بأول انتخابات له كرئيس للوزراء، انتُخب شهباز، عضوًا في الجمعية العامة للبلاد، وخلال فترة ولاية نواز، الثانية كرئيس للوزراء عام 1997،أصبح شهباز، لأول مرة رئيس وزراء البنجاب، المقاطعات الباكستانية الأكثر اكتظاظًا بالسكان وذات الثقل الانتخابي الكبير.
عام 1999، حاول نواز، استبدال قائد الجيش، فانقلب عليه الجنرال برويز مشرف، وأطاح بحكومته، سُجنت الأسرة ثم نُفيت إلى المملكة العربية السعودية حتى عام 2007.
زعم شهباز، أن الجنرال مشرف عرض عليه رئاسة الوزراء بشرط أن يتخلى عن شقيقه الأكبر نواز، الذي قال إنه رفضه على الفور.
رغم أن نواز، كان يريد لابنته مريم، أن تصبح رئيسة للوزراء، أُدينت في قضية فساد “أفينفيلد”، لذلك لم يكن أمام شريف الأكبر خيارًا سوى ترشيح شريف الأصغر لمنصب تنفيذي أعلى من حزبه.
قضى شهباز، مع أسرته ثماني سنوات في المنفى، قبل العودة إلى باكستان، عقب الإطاحة بنظام برويز مشرف، واستلام حقيبة رئيس وزراء البنجاب للولاية الثانية عام 2008، وانتزع نفس المنصب للمرة الثالثة عام 2013.
بعد أن عُزل رئيس الوزراء ثلاث مرات نواز، من تولي المنصب عام 2017، بسبب قضية “أوراق بنما”، كان شهباز، المرشح الواضح ليحل محله، حتى خسر أمام عمران خان، في انتخابات 2018، منذ ذلك الحين، شغل منصب زعيم المعارضة ورئيس حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية”.
“رائد لاهور” ذو الستين ذراع
لا يتمتع شهباز شريف، بالكاريزما التي يتمتع بها شقيقه نواز، ولا يجتذب الجماهير مثل ابنة أخيه مريم، إلا أن قوته تكمن في سمعته كمسؤول إداري فعال وصارم في مواجهة البيروقراطية.
يُنظر إلى شهباز، على أنه “رائد لاهور”، إحدى المدن الباكستانية المتقدمة، إذ يُعرف بتطويره نظام الاتصالات ووسائل النقل حتى في المناطق الصغيرة والريفية.
Abu Dhabi airport. pic.twitter.com/CtUK3vCkMu
— Maryam Nawaz Sharif (@MaryamNSharif) July 13, 2018
ولد شهباز في أيلول 1951، لعائلة كشميرية تتحدث البنجابية بمدينة لاهور ودخل السياسة مع شقيقه الأكبر نواز، في منتصف الثمانينيات.
على عكس شقيقه نواز، يتمتع شهباز، بعلاقات ودية مع الجيش “القوي”، الذي حكم الدولة المعرضة للانقلاب لأكثر من نصف تاريخها الممتد 75 عامًا، وكان حتى الآن يتمتع بسلطة كبيرة في شؤون الأمن والسياسة الخارجية.
كان والد شهباز، محمد شريف، صناعيًا من الطبقة المتوسطة العليا، هاجر من منطقة أنانتناغ بإقليم كشمير الخاضع للإدارة الهندية للعمل، واستقر أوائل القرن العشرين بمدينة أمريتسار بولاية البنجاب شمال غربي الهند.
عام 1947، هاجرت العائلة إلى لاهور، بعد إعلان باكستان والهند كدولتين مستقلتين، وأنشأ والده، مصنعا صغيرًا للحديد والصلب بضواحي لاهور.
تلقى شهباز تعليمه المبكر بمدرسة “القديس أنتوني الثانوية” بلاهور، ثم التحق بجامعة “الكلية الحكومية” المرموقة في المدينة، وحصل على بكالوريوس في الآداب.
تزوج شهباز، المتعافي من مرض السرطان، والبالغ 70 عامًا، خمس مرات، ولديه زوجتان في الوقت الحاضر، نصرت وتهمينة دوراني، بينما طلق الثلاثة الآخرين علياء هاني ونيلوفر خوسا وكلثوم هاي، له ولدان وثلاث بنات من نصرت وابنة من عالية.
مع عدم وجود رئيس للوزراء قد أكمل فترة ولاية كاملة في منصبه على الإطلاق، سيتوقف شهباز، عن عمله مع اقتراب موعد الانتخابات في أواخر عام 2023.