ألقى كتاب السفير والمبعوث الأمريكي السابق، فريدريك سي هوف، بعنوان “الوصول إلى المرتفعات: القصة الداخلية لمحاولة سرية للتوصل إلى سلام سوري إسرائيلي”، الضوء على ردود فعل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، بين عامي 2009 و2014.
وجاء في الكتاب الذي نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ملخصًا عنه، أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، أجرت محاولة سرية للتوسط بين إسرائيل وسوريا، وقُطعت هذه الوساطة بسبب الحرب في سوريا عام 2011.
ولكن وفقًا للوسيط الأمريكي فريدريك سي هوف، فإن العملية كانت على مسار واعد، إذ أظهر الأسد ونتنياهو استعدادًا مفاجئًا للانخراط في مفاوضات جادة على اتفاق سلام إسرائيلي- سوري.
وبحسب ما ترجمته عنب بلدي، كانت جهود الوساطة هي سادس محاولة لتسوية الخلاف بين إسرائيل وسوريا بين عامي 1992 و2011، إذ كانت العلاقات معقدة بين الطرفين، مع استمرار المحاولات لتسوية النزاع والتوصل إلى اتفاق سلام جنبًا إلى جنب مع الكفاح المسلح الذي يجري في الغالب بالوكالة، لدعم النظام السوري كلًا من “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في قطاع غزة.
واكتشفت إسرائيل خلال تلك الفترة محاولة سورية بمساعدة كوريا الشمالية لبناء مفاعل نووي وإنتاج أسلحة نووية فيه في عام 2007، وفي عهد رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، دمر سلاح الجو الإسرائيلي المفاعل.
ولعبت الولايات المتحدة خلال هذه السنوات، دورًا نشطًا في محاولات تسوية الصراع الإسرائيلي- السوري في المراحل الأولى من هذا الجهد.
عملية ثلاثية وليست ثنائية
و قاد “فريق السلام الأمريكي” الطريق لعملية السلام، التي لم ينظر الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، إليها على أنها عملية ثنائية، بل كعملية ثلاثية، على غرار تلك التي أدت إلى السلام بين إسرائيل ومصر في أواخر السبعينيات.
ولم يكن حافظ الأسد مهتمًا فقط بالسلام مع إسرائيل لمصلحتها، بل أراد الأسد عودة مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، إلى جانب إقامة علاقات جديدة مع واشنطن، وإضفاء الشرعية على سوريا في نظرها للحصول على مساعدات اقتصادية أمريكية.
وعندما أجرت سوريا محادثات مباشرة مع إسرائيل، أصر الأسد على مشاركة الدبلوماسيين الأمريكيين فيها والحفاظ على الطبيعة الثلاثية للعملية.
خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وفي عام 2000، انخرط الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، شخصيًا في هذا الجهد والتقى مرتين مع حافظ في محاولة للتغلب على الصعوبات الكامنة في المفاوضات السورية الإسرائيلية.
تألف فريق السلام الأمريكي في الغالب من دبلوماسيين متمرسين بدؤوا حياتهم المهنية في عهد الرئيس جورج بوش الأب، وبقوا في مناصبهم في عهد كلينتون، واستمر اثنان منهم، دينيس روس ومارتن إنديك، في عهد أوباما أيضًا.
كان فريق السلام الأمريكي تجسيدًا لما يُعرف في واشنطن بـ”الباب الدوار”، الذي يأتي من خلاله الدبلوماسيون والأكاديميون، ويتنقلون بين المناصب الحكومية والأكاديمية ومراكز الفكر.
كان من المهم لإسرائيل أن تجري مفاوضات مباشرة مع سوريا، دون وساطة من طرف ثالث، لأن إسرائيل كانت محقة في أن إجراء المحادثات المباشرة هو نوع من التطبيع، وهو نفس السبب الذي دفع حافظ الأسد وابنه بشار إلى التقليل من شأنها، بحسب السفير.
الاتصالات المباشرة والوساطة المفضّلة
في عام 2008، عندما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، تجديد المفاوضات مع سوريا، وافق على الوساطة التركية (التي بدأت بشكل واعد مثل الجهود السابقة وانتهت بالفشل، على وقع توترات تركية- إسرائيلية).
وفي عام 2009، دخل السفير فريدريك هوف الصورة بتنصيبه كمستشار من قبل السيناتور جورج ميتشل، الذي عيّنه أوباما كمبعوث للشرق الأوسط، لإدارة عملية السلام الإسرائيلية العربية.
ويعتبر كتاب هوف في معظمه وصفًا لاجتماعاته مع الأسد ونتنياهو في أوائل عام 2011، والتي كانت ناجحة بشكل مدهش.
تغلب هوف ودينيس روس على قضية الضمانات عندما قدما ورقة عمل أمريكية تضمنت إشارة إلى خطوط “الرابع من حزيران”، والمثير للدهشة أن الصيغة نجحت مع الأسد ونتنياهو على عكس الجهود السابقة.
ولم تكن النقطة الرئيسة لوساطة أمريكا هي الصيغة المعتادة لـ”الأرض مقابل السلام” ولكن “الأرض مقابل التغيير الاستراتيجي”.
وكان من المفترض أن تحصل إسرائيل على ما أبعد من السلام مع سوريا، وهو فك الارتباط السوري مع إيران و”حزب الله” أيضًا.
منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، كانت إسرائيل تنظر إلى التحالف الثلاثي بين إيران وسوريا و”حزب الله” على أنه تهديد استراتيجي خطير، وكانت الصيغة التي قدمها هوف وروس كافية لإقناع نتنياهو بالموافقة على الدخول في مفاوضات جادة.
يصف هوف بالتفصيل ردود فعل الأسد ونتنياهو على الخطة الأمريكية، مع توخي الحذر المناسب، فهو لا يدعي أن الجهد كان سيكلل بالنجاح لا محالة، كما لم يرفض احتمال أن أحد الطرفين أو كليهما قد قفز من القطار قبل الوصول إلى الوجهة.
وبحسب هوف، قُطعت الجهود في الاتفاق بين النظام وإسرائيل بسبب اندلاع الحرب في سوريا 2011، التي جعلت من الأسد “حاكمًا غير شرعي في نظر العالم، بما في ذلك إسرائيل، على اعتباره مجرم حرب قتل نحو نصف مليون من مواطنيه واستخدم السلاح الكيماوي ضدهم”.
وأُزيل موضوع الاتفاق الإسرائيلي- السوري من جدول الأعمال، على الأقل لعدد كبير من السنوات.
مع انتهاء جهود الوساطة، ظل هوف في إدارة الرئيس باراك أوباما، وأصبح سفيرًا، ونسق مع السفير السابق في دمشق، روبرت فورد، السياسة الأمريكية في سوريا.
ومن المفارقات، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان له يد في منع أوباما من ضرب سوريا، من خلال الوعد بأن دمشق ستقضي على مخزونها من الأسلحة الكيماوية.
في عام 2015، شجع تردد أوباما بوتين على التدخل بشكل مباشر بالحرب في سوريا، وبالتعاون مع إيران قلب الميزان لمصلحة الأسد.
وبحسب السفير هوف، بينما يخوض بوتين حربًا قاسية مع جارته، ويقصف أهدافًا مدنية ويدمر أحياء سكنية، من الصعب عدم رؤية الصلة بين التدخل الروسي في سوريا والأزمة الحالية في أوكرانيا.
–