عنب بلدي – حسام المحمود
اتخذ تنظيم “الدولة الإسلامية” منذ تأسيسه بالشكل الحالي، عام 2014، من سوريا والعراق مسرحًا لعملياته العسكرية والتوسعية، مسيطرًا بذلك على مساحات كبيرة من البلدين، قبل تراجع ذروة السيطرة عام 2017، إثر هزيمته في العراق.
وعبر عمليات نفذها شبان فلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ 22 من آذار الماضي، ظهر تنظيم “الدولة الإسلامية” على الواجهة، وتبنى عمليتين في الداخل المحتل، عبر بيان واحد.
في 27 من آذار الماضي، تبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” عملية نفذها شابان فلسطينيان في مدينة الخضيرة بحيفا المحتلة عام 1948، وأسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة آخرين.
وذكرت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم، في بيان، أن عنصرين من “الشرطة اليهودية” على الأقل قُتلا، وأُصيب آخرون بجروح، بهجوم “انغماسي” مزدوج لمقاتلي “الدولة الإسلامية” شمالي فلسطين.
ونقلت “أعماق” عن “مصادر أمنية”، أن اثنين من مقاتلي “الدولة الإسلامية”، نجحا في الوصول إلى شارع هربرت صموئيل، بمدينة الخضيرة، وشرعا بإطلاق النار على قوة من “الشرطة اليهودية”، ما أسفر عن مقتل عنصرين.
العملية سبقتها عملية أخرى نفذها “الانغماسي” محمد أبو القيعان، قرب مركز تجاري وسط مدينة بئر السبع، جنوبي فلسطين، وخلّفت أربعة قتلى في “صفوف اليهود” بينهم حاخام، في 22 من آذار الماضي، وفق ما ذكره التنظيم.
وأسفرت العمليتان عن مقتل ستة إسرائيليين، إلى جانب عدة إصابات، وتبعتهما أيضًا عمليات أخرى لم يتبنَّها تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولا تفصل بينها مساحات زمنية طويلة، فكانت حصيلة الثلث الأخير من آذار الماضي لا تقل عن أربع عمليات، قُتل إثرها 11 إسرائيليًا.
كما فتحت العمليتان الباب أمام عمليات جديدة محتملة قد تحدث في الداخل المحتل، وتحمل توقيع تنظيم “الدولة الإسلامية”، ما سينعكس بالضرورة على القضية الفلسطينية.
الأولوية البقاء
الباحث في الجماعات “الجهادية” الدكتور عبد الرحمن الحاج، أشار إلى أن التنظيم أجرى عمليات سابقة استهدف بها إسرائيل عام 2017، فتبنى حينها إطلاق صواريخ من سيناء على منتجع “إيلات” البحري جنوبي الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تبنى هجومًا أدى إلى مقتل جندية إسرائيلية في القدس.
وبالنظر إلى نفي “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، حينها، مسؤولية التنظيم عن عملية قتل الجندية في القدس، مؤكدة أن منفذيها “مقاومان من (الجبهة الشعبية) وثالث من حركة (حماس)”، فإن تبنّي التنظيم هذه المرة له مصداقية، ويبدو أن منفذي العمليات كانوا بالفعل على ارتباط بالتنظيم، وفق رأي الحاج.
وحول غاية التنظيم من هذه العمليات وجدواها، أكد الدكتور عبد الرحمن الحاج، في حديث إلى عنب بلدي، أن التنظيم يريد إثبات عدم تأثره بمقتل قائده السابق، وأنه ما زال موجودًا بقوة متزايدة، لكن العمليات التي تبناها ككل، لا تشكّل بعد تحوّلًا استراتيجيًا في سياساته، فأولويات التنظيم هي البقاء والاستمرار، كما أنه محاط بالعدو القريب، ما يجعل هذه العمليات رسائل سياسية لا أكثر.
وكان المتحدث الرسمي السابق للتنظيم، “أبو حمزة القرشي”، أعلن، في كانون الثاني الماضي، بدء مرحلة جديدة تستهدف إسرائيل، ما يعتبره الحاج جزءًا من الاستراتيجية التي وضعها التنظيم لمواجهة الهزيمة، والوضع الجديد بعد سقوط آخر معاقله في الباغوز، شرقي سوريا.
التوقيت حساس
كان للعمليات الأخيرة خصوصية زمنية بالنسبة لأطراف مختلفة من بينها قيادة التنظيم نفسها، التي صارت إلى “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، في 10 من آذار الماضي، بعد مقتل زعيمه، عبد الله قرداش، على يد القوات الأمريكية، في 3 من شباط الماضي، في بلدة أطمة بمدينة إدلب.
ومنذ بداية العام الحالي، لم تفلح الجهود العسكرية المبذولة بتطويق أخطار التنظيم وصدّها، فعلى العكس، ازدادت هجماته، وتوسعت رقعتها.
كما ترافقت العمليات الفلسطينية مع موجة لقاءات سياسية ودبلوماسية عربية معلَنة مع الجانب الإسرائيلي، كان أبرزها القمة الإسرائيلية التي انعقدت بحضور وزراء خارجية كل من إسرائيل، والولايات المتحدة، والمغرب، ومصر، والإمارات، والبحرين، في صحراء النقب، في الفترة الممتدة بين 27 و28 من آذار الماضي.
والتقى الملك الأردني، عبد الله الثاني، الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في 30 من آذار الماضي، خلال زيارة الأخير إلى عمان، وذلك بعد زيارة أجراها الملك الأردني، في 28 من الشهر نفسه، إلى مدينة رام الله الفلسطينية، للتوصل إلى تفاهمات أمنية على خلفية الأحداث الأخيرة مع حلول شهر رمضان.
وما يشكّل المحرك والمحرض لهذه التحركات النشطة والتفاعل السريع مع تلك الأحداث، مخاوف إقليمية من تأزم الأوضاع في أراضي الضفة الغربية، والأراضي المحتلة عام 1948، بما يشبه التصعيد الأخير بغزة في رمضان 2021.
مفعول سلبي
لفت الباحث عبد الرحمن الحاج إلى أن عمليات من هذا النوع كفيلة بتهديد التعاطف والدعم للمقاومة الفلسطينية، عبر الخلط بين أوراق المقاومة، إذا استمرت هذه العمليات وتصاعدت.
كما بيّن أن السياسات الإسرائيلية في القدس وموضوع الاستيطان وقضية “الشيخ جراح”، وتهجير أهله منه، في ظل انشغال عالمي عن القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة، يتيح للتنظيم اجتذاب الشباب وتجنيدهم وتسخيرهم لأجندته، باعتبار أن السياسات الإسرائيلية المتطرفة أفضل صديق للتنظيم.
ويتوقف استمرار التنظيم بعمليات من هذا النوع في الأراضي المحتلة على وجود شبكة تجنيد له في فلسطين، وعلى رغبته في استثمار القضية الفلسطينية، ما يعني منافسة “حزب الله” و”محور إيران”، دون معلومات واضحة حول ما إذا كان التنظيم استطاع بالفعل بناء خلايا نائمة في فلسطين أم أنها مجرد شبكة من أفراد موالين للتنظيم.
ويستبعد الباحث قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة بسبب عمليات التنظيم، إذ يمثّل تبنيه للعمليات أحد أسباب إحباط التفاعل معها.
وحول سبب احتفاء النظام السوري بالعمليات الفلسطينية، يرى الحاج أنها محاولة لتجريد التنظيم من العوائد السياسية وإلحاقها بـ”محور المقاومة”، عبر إغفال الصلة بين التنظيم والعملية، وبشكل ما “تكذيب التنظيم”، إذ يشكّل تبني “الدولة الإسلامية” للعمليات خطرًا على السردية التي يتبناها “المحور الإيراني”، ومنافسة على العوائد السياسية من القضية الفلسطينية التي يحاول أن يجنيها “محور إيران”.
ربما طويلة.. لا تخدم القضية
وفي 8 من نيسان الحالي، منح رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، حرية العمل الكاملة للجيش الإسرائيلي، وجهاز الأمن العام، ومختلف القوى الأمنية، للقضاء على “الإرهاب”، مؤكدًا أن لا قيود على هذه الحرب.
وألمح بينيت حينها إلى احتمالية استمرار العمليات التي يشنها فلسطينيون ضد مستوطنين إسرائيليين لفترة طويلة، وقال إن الأمر قد يطول، مشيرًا إلى استمرار الانتفاضة الفلسطينية الثانية لعدة سنوات.
كما تحدث عما اعتبرها “موجة إرهاب وحيدة” بين عامي 2015 و2016، واستمرت لأكثر من عام، وأسفرت عن نحو 50 حادثة قُتل جراءها إسرائيليون.
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي سبقها، في 5 من نيسان الحالي، إعلانه عبر “تويتر”، أن الجيش الإسرائيلي أحبط 15 هجومًا “إرهابيًا” كبيرًا من تخطيط “عناصر إرهابيين”، خلال الأسبوعين الأخيرين اللذين تعاملت إسرائيل خلالهما مع “هجمات إرهابية خطيرة”، تشكّل جرس إنذار، وفق رأي بينيت الذي أكد التصميم على عدم السماح لـ”موجة الإرهاب هذه” بالمرور والمضي، وفق تعبيره.
الصحفي السوري المختص بالجماعات “الجهادية” ياسر بدوي، يرى أن قراءة المشهد الفلسطيني عبر تنظيم “الدولة الإسلامية” ليس واضحًا، مشيرًا إلى احتمالات قد تحكم تحركات التنظيم في الأراضي المحتلة، أبرزها التعامل معه كأداة ضغط على إسرائيل الرافضة لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، والرافضة لشطب “الحرس الثوري الإيراني” عن قوائم الإرهاب الأمريكية.
ورفض بدوي الربط بين تعيين زعيم جديد للتنظيم، وظهور عمليات من هذ النوع على السطح، معتبرًا أن أمراء التنظيم معزولون عن الكوادر.
أما حول تبني تلك العمليات، فأكد بدوي، في حديث إلى عنب بلدي، أن الغرض إخماد أي تحرك شعبي محتمل في فلسطين، وربطه بالإرهاب، كما أن أي انتفاضة دون مساندة عربية محكومة بالفشل، ولا يوجد اليوم دولة عربية مخولة ومهيَّأة للعب دور كهذا.
واستبعد بدوي تطور العمليات وتغذيتها بسبب وجود تشديدات أمنية كبيرة، كما أنه ليس من مصلحة المقاومة الفلسطينية تفجير الوضع على طريقة التنظيم.
لن تغير هذه العمليات “العشوائية” شيئًا، ولا تعدو كونها ردود فعل، فالعمليات التي تخيف إسرائيل هي العمليات النوعية على مستوى التخطيط والخسائر الناجمة عنها، كتلك العمليات التي خطط لها ونفذها قادة فلسطينيون، وفق رأي بدوي، الذي شدد على أن هذه العمليات اليوم لا تخدم القضية مقدار ما تضرها، خاصة مع تبني تنظيم “الدولة الإسلامية” لها.