عنب بلدي – زينب مصري
ما إن انتشرت تصريحات نائب رئيس الحكومة اللبنانية، سعادة الشامي، المتعلقة بإفلاس لبنان والمصرف المركزي، حتى خرجت أصوات موالية للنظام السوري تعرض المساعدة على الجارة اللبنانية لتخليصها مما تمر به من أزمة مالية، على الرغم من الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالنظام وحلفائه ومناطق سيطرته، وعجزه عن حلها.
في 3 من نيسان الحالي، قال الشامي، في مقابلة مع قناة “الجديد” اللبنانية، إنه “لا يوجد تضارب بوجهات النظر حول توزيع الخسائر، وسيجري توزيعها على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين”، مشيرًا إلى أن “الدولة أفلست وكذلك مصرف لبنان والخسارة وقعت، وسنسعى إلى تقليل الخسائر عن الناس”.
إلا أن حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، نفى صحة هذه التصريحات، وأوضح أن البنك ما زال مستمرًا في أداء دوره الموكل إليه بموجب القانون رغم خسائر القطاع المالي.
وعاد الشامي ليوضح، في مقابلة مع قناة “OTV” اللبنانية، بأنه لم يقصد في كلامه السابق القول “إننا مفلسون”، وأن كلامه اجتُزئ من سياقه في معرض رده على سؤال حول مساهمة الدولة ومصرف لبنان في معالجة الخسائر بالقطاع المصرفي.
عرض سوري للمساعدة
ومع انتشار هذه التصريحات في الأوساط الإعلامية، اعتبر عاطف طيفور، أحد أبرز الصناعيين الموالين للنظام السوري، أن لبنان “يتعامل بمراهقة صبيانية مع سوريا”، مخاطبًا لبنان، “البحر من أمامكم والأعداء من خلفكم، والشقيق السوري الوحيد من أمامكم”.
وقال في عدة منشورات عبر صفحته في “فيس بوك”، إن الإفلاس إن وقع لن يكون له تأثير سلبي جديد على الاقتصاد السوري، فالودائع محتجزة منذ سنوات، وكانت تُحرر بالقرصنة والسمسرة، وبخصومات وعملات عبر عدة وسائل، أحدثها شراء العقارات الوهمية.
وأشار إلى أن الدولة اللبنانية قد تفلس، ولكن الشعب اللبناني يمتلك رجال أعمال وأثرياء ومغتربين، هم كتلة نقدية لا يُستهان بها، بحسب تعبيره.
إفلاس الدولة يعني أن تفشل حكومتها أو ترفض سداد دينها بالكامل، أو تعجز عن الحصول على الأموال من الجهات الخارجية لدفع ما تستورده من بضائع وسلع. |
ليس بيد النظام المساعدة
على الرغم من الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بمناطق سيطرة النظام، وسوء إدارتها من قبل مسؤوليه بالتزامن مع حديث إعلامي عن هجرة المستثمرين ورؤوس الأموال، اقترح طيفور على المصارف السورية شراء أسهم بالمصارف اللبنانية لعملائها مقابل إيداعاتهم بالخارج، وتحويلها إلى رصيد نقدي بالليرة السورية في الداخل.
وبذلك ستتحول المصارف السورية للاستحواذ على جزء ضخم من مصارف لبنان بصيغة الأسهم، والسيطرة الجزئية على مجالس الإدارة للمصارف، بدل انتظار مصير الودائع السورية بمصارف لبنان، التي سيصدر بها ألف صيغة لتجميدها واقتطاع أجزاء منها، بحسب طيفور.
ولا يستطيع النظام السوري تقديم أي شيء يمكنه إنقاذ الوضع في لبنان، ربما يمكنه تقديم القليل من الكهرباء، والخدمة بتمرير السلع من المرفأ الخاص به في اللاذقية نحو لبنان، وتصدير المواد الغذائية عبر أراضيه، وهذه خدمات يقدمها حاليًا ولا يمكن توسيعها لأسباب مختلفة، بحسب الخبير والباحث الاقتصادي خالد تركاوي.
وأوضح تركاوي لعنب بلدي، أن إفلاس لبنان في حال حصل، لن يؤثر على الأموال السورية المجمّدة في لبنان، لأن معظمها خرج نحو دول أخرى، وما بقي منها قليل للغاية.
وانعكس الوضع في لبنان بشكل سلبي على السوريين، إذ كانوا يستفيدون من الجهاز المصرفي اللبناني لإيداع أموالهم، ومن الأسواق اللبنانية للحصول على سلعهم.
ولن يكون لإعلان إفلاس لبنان أي آثار جديدة، فالوضع الاقتصادي متدهور منذ أكثر من عامين، بحسب تركاوي.
آثار متوقعة
من جهته، أوضح الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يُشاع عن إفلاس لبنان، وهو أمر يعتقده قريبًا، متمثل بعدم القدرة على سداد الالتزامات الداخلية والخارجية، والديون الخارجية والديون الداخلية للمودعين وهي “الكارثة الكبرى”، ويصل إلى مرحلة عدم القدرة على دفع الرواتب وإنشاء البنى التحتية.
وهذا الإفلاس ليس جديدًا على الدول، بحسب شعبو، ويكون حلًا لمشكلة اقتصادية تعاني منها الدولة، ووسيلة لعلاج تفاقم الديون، وهنا تبحث الدولة عما يسمى عملية تفاوضية ما بينها وبين الدول الدائنة لإعادة هيكلة السداد.
بعض الدول تستغني عن جزء من أموالها بنسبة 20% أو 30% أو 40%، كما حدث مع كثير من الدول الإفريقية والآسيوية، ولكن المشكلة هنا أن الوضع في لبنان من المؤكد أنه سينعكس على الوضع السوري.
وذكّر شعبو بتصريحات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن أن المشكلة في سوريا ليست مشكلة “قيصر”، وإنما مشكلة الأموال التي أُودعت وحُجزت في لبنان.
في 17 من تموز 2021، قال الأسد خلال كلمة ألقاها بعد مراسم أدائه القسم الدستوري، إن العائق الأكبر هو الأموال السورية المجمّدة في المصارف اللبنانية، والتي تقدّر بعشرات المليارات.
وجدّد الأسد الحديث عن أزمة المصارف في لبنان وارتباطها بالوضع الاقتصادي المتدهور الذي تشهده مناطق سيطرته، محمّلًا أزمة المصارف مسؤولية الحالة الاقتصادية الصعبة في سوريا، ومعتبرًا في الوقت نفسه أن حلّ المشكلات الاقتصادية في سوريا يرتبط بالظروف في لبنان.
وأضاف رئيس النظام أن كلا الرقمين كافٍ لإحباط اقتصاد بحجم الاقتصاد السوري، سواء من خلال تجميد الأموال وحرمان دورة الاقتصاد من هذه الأموال الكثيرة، أو من خلال تهريب هذه الأموال والضغط المستمر على الليرة السورية بشكل متعاقب.
ويرى شعبو أن إفلاس لبنان في حال حدوثه ستكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد في سوريا.
وسيسهم ذلك بشكل أساسي في هزّ كيانات الاقتصاد السوري المتمثلة ببعض الداعمين للنظام الذين أودعوا أموالهم في خزائن البنوك اللبنانية وذهبت هذه الأموال جميعها، وهذا مؤشر على أن البلد يدخل في مشكلة اقتصادية أكبر على مستوى سوريا.
سوريا ليست بديلًا للاستثمار
ولن تكون سوريا في الوقت الراهن بديلًا عن لبنان للمستثمرين، ما لم تكن هناك تسوية دولية وقبول سوريا في المجتمع الدولي، فسوريا ما زالت غير آمنة اليوم كبيئة استثمارية، بحسب شعبو.
وعلى العكس، قد يوجد خوف من الأزمة الاقتصادية التي حدثت في لبنان أن تصل إلى سوريا، وأن تسهم الإشاعة بإفلاس لبنان بإحداث حالة هلع عند المستثمرين سواء كانوا صغارًا أو متوسطين أو كبارًا بإخراج أموالهم خارج سوريا خوفًا من أن تصبح الحالة في لبنان لعبة “دومينو” تمتد إلى المصارف السورية شيئًا فشيئًا، وبالتالي تدخل البلاد في حالة انهيار كلي.
وفي نهاية عام 2021، شهدت سوريا حالة نزوح وهجرة جماعية للمستثمرين، ترافقت مع فقدان الأمل بعودة الحياة الاقتصادية والبنى التحتية إلى سابق عهدها، إذ شعروا أنهم أخطؤوا عندما بقوا في سوريا على الوعد الذي أطلقه النظام لهم.
ولفت شعبو إلى وجود مشكلات اقتصادية في سوريا، ولكن لم تصل بعد إلى مرحلة عدم القدرة على سداد الديون والرواتب والالتزامات والودائع.
ماذا يحدث في لبنان؟
منذ أواخر 2019، يعيش لبنان انهيارًا ماليًا وأزمة اقتصادية ومالية حادة بسبب الفساد، تفاقمت عقب انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) وانفجار ميناء “بيروت” في آب 2020.
أفقدت الأزمة الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، وتسبّبت بضرر كبير للاقتصاد السوري، بسبب تجفيف منبع حيوي للدولار، ما أدى إلى تراجع الليرة السورية إلى مستويات قياسية.
إثر الأزمة، تقدم لبنان بطلب للحصول على حزمة إنقاذ من “صندوق النقد الدولي” بقيمة عشرة مليارات دولار في أيار 2020.
إلا أن المحادثات توقفت مع البنك بسبب الخلاف بين الفصائل السياسية في البلاد، وعدم وجود توافق في الآراء بشأن حجم الديون والخسائر في الميزانية، لتستمر المفاوضات لاحقًا ويعلن “صندوق النقد” التوصل لاتفاق مع لبنان، يقضي بتقديم نحو ثلاثة مليارات دولار إلى لبنان، في إطار صفقة مدتها أربع سنوات تستند إلى برنامج إصلاح اقتصادي شامل.