درعا – حليم محمد
لم يعد إبراهيم (33 عامًا)، الذي يعمل في تربية الأبقار داخل مدينة درعا، جنوبي سوريا، يستطيع مجاراة خساراته المتواترة جراء الفرق بين سعر الحليب وتكاليف الإنتاج، خصوصًا بعد ارتفاع أسعار العلف والتبن وتكلفة العلاج.
لم ينعكس الأمر فقط على مربي الأبقار في المدينة، بل عاق ارتفاع أسعار مادة المازوت حركة التجار الجوّالين الذين يشترون الحليب من المربين، كما أسهم الوضع الأمني في ركود الحليب بعد إغلاق عدد من المعامل بريف درعا.
الأعلاف “تحلّق” عاليًا
مع بداية “الغزو” الروسي لأوكرانيا في شباط الماضي، شهد سوق الأعلاف في درعا ارتفاعًا ملحوظًا، إذ ارتفع سعر كيلو العلف الخاص بالحليب من 1500 ليرة سورية (كل نحو 4000 ليرة تساوي دولارًا واحدًا) إلى 2300 ليرة، وارتفع كيلو التبن الواحد (مخلّفات قش القمح المهروسة) من 600 ليرة إلى ألف ليرة، وكذلك ارتفعت أسعار الأدوية البيطرية.
هذه الارتفاعات لم يقابلها ارتفاع موازٍ بأسعار الحليب، وقال مربي الأبقار إبراهيم، الذي فضّل عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، لعنب بلدي، إن “فاتورة الحليب (حساب أسبوعي) لا تغطي ثمن كيس العلف لكل بقرة، وترتبت على ذمتي ديون لتجار الحبوب، وقد أضطر لبيع أحد المواشي لسداد هذه التراكمات المالية”.
ولا يتماشى سعر الحليب مع سعر الأعلاف داخل المدينة، إذ صار الفارق كبيرًا، بحيث لا يستطيع مربو الأبقار تحمّل ما يترتب عليهم من خسارات مالية، فمنذ بداية العام الحالي، كان سعر الحليب يغطي فقط سعر العلف دون ربح أو خسارة، أما اليوم فصارت الخسارة أمرًا حتميًا.
إضراب عن البيع
امتنع مربو الأبقار في أغلبية مناطق ريف درعا الغربي، في منتصف آذار الماضي، عن توريد الحليب، مطالبين ضمن هذا الامتناع الذي أخذ شكل الإضراب العام برفع سعر ما تنتجه أبقارهم، واستمر الإضراب ما يقارب الأسبوع.
دفع الإضراب التجار لرفع سعر الحليب من 1200 ليرة إلى 1500 ليرة، هذا الفارق البسيط قد يعوّض شيئًا من الخسارة برأي مربي الأبقار إبراهيم.
الامتناع الجماعي عن توريد الحليب من قبل مربي الأبقار “كان الخيار الوحيد الذي أمامنا”، بحسب إبراهيم، “الضغط على التجار لرفع سعر الحليب، كان هناك تجاوب من المربين، استطعنا رفعه 300 ليرة إضافية، وهذا جيد لتخفيف خساراتنا”.
وقبل عام 2011، كانت الثروة الحيوانية في سوريا هي المسؤولة عن حوالي 40% من إجمالي الإنتاج الزراعي، كما أمّنت فرص عمل لحوالي 20% من القوى العاملة في المناطق الريفية.
وبمعدل وسطي، كانت نسبة الأسر الريفية التي تعتبر تربية الماشية المصدر الرئيس للغذاء والدخل، تصل إلى حوالي 35%.
المازوت يزيد العبء
صباح كل يوم، وعبر سيارات زراعية مخصصة لذلك، يجوب التجار الأحياء في قرى درعا لجمع الحليب من منازل المربين، ويعمل التجار على توريد الحليب لمعامل الألبان والأجبان، ومحال البقالة، ومعامل “البوظة” التي تستهلك كميات من الحليب خلال مواسم الصيف.
ارتفاع أسعار مادة المازوت قلّل هامش الربح لدى التاجر في درعا، وارتفع سعر الليتر الواحد من المازوت من 2800 ليرة (71 سنتًا) إلى 5500 ليرة، واستطلعت عنب بلدي آراء عدة تجار حليب جوّالين، وأجمعوا على أن أسعار مادة المازوت تدخلهم في خسارة محققة، وأن بعضهم صار يفكر في التوقف عن تجارة الحليب والانتقال إلى مجال تجارة آخر.
كساد بالحليب
دفعت الأوضاع الأمنية المتمثلة بالاغتيالات والخطف المنتشرة في درعا، بعض أصحاب معامل الحليب لإغلاقها، وبعضهم هاجر إلى العاصمة دمشق.
وسبق أن تعرّض مالك لأحد المعامل في خربة قيس بريف درعا الغربي لمحاولتي خطف، وأجبره الواقع الأمني المتردي على إغلاق معمله، الذي كان يستوعب ما يقارب خمسة أطنان من الحليب يوميًا، كما أُغلق معمل آخر لظروف مشابهة.
وكانت هذه المعامل تستوعب الإنتاج من التجار، وتوفر عليهم من تكلفة مادة المازوت، كون التاجر يبيع إنتاجه دفعة واحدة.
وكان للواقع الاقتصادي المتردي لسكان درعا أيضًا دور في كساد الحليب، الأمر الذي دفعهم إما للاستغناء عن الحليب، وإما للتقليل من استهلاكه، مع أنه إحدى المواد الضرورية في كل منزل في درعا، ويصل كيلوغرام الحليب الواحد إلى المستهلك بسعر 2000 ليرة، في حين وصل سعر كيلو اللبن الرائب (الخاثر) إلى 2700 ليرة، وكيلو اللبن المصفى إلى 8000 ليرة، وكيلو الجبن البلدي إلى 11 ألف ليرة.