نبيل محمد
البطل في السينما الأمريكية يربط على رأسه رباطًا، ويضع أمشاط الرصاص على صدره بشكل متصالب، هذا يطابق تمامًا شكل المقاتل “الداعشي”. هذا ما خرج به الفنان السوري جهاد الزغبي قبل أيام في حوار أُجري معه عبر إذاعة “المدينة إف إم”، في برنامج “المختار”، حين حاول أن يقرأ العولمة، من منظور إلغاء الثقافات الأخرى، والمؤامرة على الهويات المحلية، غامزًا بأن المقاربة بين المقاتل في السينما، والمقاتل في تنظيم “داعش”، ليست قائمة على تأثير الفن على الإنسان، إنما لعلّ هذا اللباس فُرِض على هؤلاء المقاتلين فرضًا، مع ابتسامة توحي بمدى عمق هذه الرؤية، وإصابتها للهدف الذي يحاول القائمون على هذه المؤامرة إخفاءه عنّا.
ليس جديدًا الحديث بهذا المنطق، ولعلّه منطق فئة كبيرة من الفنانين السوريين، خاصة أولئك الذين يكثرون من تعاطي السياسة بطريقتهم المقولبة بقالب نظرية النظام السوري في رؤية كل شيء، لكن أغلب هؤلاء الفنانين اتجهوا مؤخرًا نحو عدم تكرار المصطلحات ذاتها، خاصة تلك التي يشتهر النظام السوري وأبواقه الإعلامية بتكرارها، من “المؤامرة الكونية” إلى “الحرب ضد سوريا”، تلك التي باتت غير مقنعة لجمهور النظام نفسه الذي يعاني مأزق الحياة المتكرر يوميًا داخل البلد المتهالك.
أمام قسوة المشهد الداخلي، أصبح الفنان المناصر تاريخيًا للنظام السوري بشكل عام، فنانًا يكثر من الحديث عن مأساة حياة المواطن في سوريا، تكثر على لسانه كلمات الكهرباء والغاز والليرة السورية والخبز، أكثر من المؤامرة والحرب، محافظًا على خط انتمائه الأساسي للنظام، من خلال دفاعه عن شخص الأسد، أو عن الجيش السوري، أو حتى عن محور المقاومة. إلا أن فنانًا غير مكرَّس إعلاميًا مثل جهاد الزغبي، سيبدأ مشواره منذ البداية ولو متأخرًا، سيبدأ تصريحاته السياسية من المصطلحات الأولى، تلك التي كررها حرفيًا في اللقاء عدة مرات، رغم محاولة محاوره (باسل محرز) أن يثنيه عن ذلك، أو أن يسخر من مصطلح “المؤامرة الكونية”، بأنه لم يعد مناسبًا الآن، لكن ذلك لم يجدِ مع الفنان الذي يبدو كأنه يسجّل أول مواقفه تجاه ما يجري في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
يأخذ جهاد الزغبي شخصية الممثل الملتزم، بصورته الكلاسيكية المتمثّلة بالإصرار على التمسّك بالمسرح ورسالته، والإكثار من استخدام مصطلحات وأقوال مترجَمة لمفكرين وفلاسفة وروّاد مسرح وفن، لتنهار كل هذه الصورة وهذه الثقافة التي يحاول تصديرها، أمام أوّل حديث يقارب السياسة، أو الشأن الداخلي، رغم أن المحاور لم يُتح له مساحة واسعة لهذا الحديث، فلم تكن الأسئلة بأغلبها لتفتح له المجال للحديث عن الراهن في البلاد، وهو توجّه يبدو أنه بات مكرّسًا مؤخّرًا في هذا البرنامج، وغيره من البرامج الحوارية على الشاشات الرسمية وشبه الرسمية في سوريا، أي الابتعاد عن الغوص في الراهن السياسي بتفاصيله، والحديث بعمومية فيما يخص هذا الشأن، وقد تكون لهذا التوجه أسباب عدة مصدرها الفنان نفسه وحرصه على عدم التورّط الذي لا تحمد عقباه، فزلات اللسان أو عدم الوعي التام للمضمون قد يفتح بابًا من المشكلات على الفنان، وقد يكون توجّه البرامج ذاتها لعدم التورّط في الإشكاليات ذاتها.
في عام 2011، رفض جهاد الزغبي المشاركة في المسلسل المصري “فرقة ناجي عطالله”، بسبب اعتراضه على موقف الفنان عادل إمام حينها تجاه الثورة في مصر، وتأييده لنظام مبارك، حيث أعلن الزغبي حينها أنه مؤيد لكل الثورات ضد الدكتاتوريات. وها هو اليوم بعد 11 سنة يرى أن المعارضة السورية تدمّر بلدًا، وأن مشكلة “الحكومة” هي أنها تقف مكتوفة اليدين أمام قضية تهريب “الأغنام”، وأن أزمة الخضار مستمرة حتى اليوم على الرغم من مرور سنوات على “تحرير الغوطة”، وأن كل ما جرى بالمختصر هو أن 80 دولة تقاتل سوريا، ورغم كل ذلك ما زال هناك تاجر زيت يخبّئ الزيت ليبيعه بسعر أعلى خلال شهر رمضان.