عنب بلدي – حلب
على غير العادة، يدخل يونس إلى منزله في حي القاطرجي داخل مدينة حلب، دون أن يشتري قرص “معروك”، أو حتى مشروب العرقسوس والتمر الهندي، مثل كل عام في رمضان.
“هناك عادات استهلاكية فقدتها معظم العائلات في حلب خلال رمضان، بسبب ارتفاع أسعار المأكولات المرتبطة بهذا الشهر”، قال الرجل الخمسيني لعنب بلدي.
يبدأ سعر قرص “المعروك” من ثمانية آلاف ليرة سورية، ويصل سعر القرص المحشو منه إلى 15 ألف ليرة (كل دولار يساوي نحو 4000 ليرة)، ويبلغ سعر ليتر مشروب العرقسوس ألف ليرة، بينما يصل ليتر مشروب التمر الهندي إلى حوالي 2000 ليرة، وهو ما يعتبره يونس مصاريف ليست ضمن نطاق قدرته الشرائية، خصوصًا أن راتبه الذي يتقاضاه في وظيفته الحكومية بالكاد يكفيه لتأمين طعام المنزل خلال شهر كامل.
ينتظر يونس، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، تسلّم حوالة مالية من أحد أقاربه أو أصدقائه في خارج سوريا، ليتمكّن من شراء ما يرغب به خلال رمضان.
“صرنا عاجزين عن شراء قرص معروك، وحتى القرص الواحد لا يكفي لعائلة كاملة، ويجب عليّ شراء قرصين، ويعني ذلك أن مصروف المعروك والسوس دون التمر الهندي يوميًا سيكون 12 ألف ليرة، وخلال الشهر فقط سيكون مصروف العائلة لهذه المأكولات الخاصة برمضان 360 ألف ليرة، يعني راتب شهر ونصف، ولذلك استغنيت أنا وعائلتي عن تلك المأكولات الموسمية، لأن الأهم تأمين وجبات طعام الإفطار”، أضاف يونس.
لماذا ارتفع سعر “المعروك”
صعود أسعار المواد الأولية، دفع أسعار المأكولات الرمضانية إلى الارتفاع، إلا أن محال بيع المعجنات المتخصصة بخبز “المعروك” ما زالت تنتجه وتبيعه بأسعار مختلفة.
ووصل سعر كيس الطحين إلى حوالي 90 ألف ليرة، ومن الممكن أن يرتفع أكثر من ذلك خلال الفترة المقبلة، وذلك بسبب شح المواد كالزيوت أيضًا.
ومع قلة الزبائن خلال الأسبوع الأول من رمضان، لا يزال عصام (51 عامًا)، وهو صاحب محل معجنات في حي صلاح الدين بحلب، مستمرًا في عمله.
عصام قال لعنب بلدي، إن “أسعار الطحين ليست ثابتة، والزيوت لم تعد متوفرة مثل السابق، وأسطوانة الغاز المخصصة للمطاعم يرتفع سعرها، إذ كنا نبدلها بـ190 ألف ليرة، وأحيانًا بــ210 آلاف، ولكن حاليًا ارتفع السعر ليبلغ 240 ألف ليرة”.
يملك عصام، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية، محلًا يضم أربعة أفران تنتج “المعروك” و”الصمون” والمعجنات مثل “الكرواسون” و”البيتيفور”.
“عليّ تبديل ثلاث أسطوانات غاز بشكل أسبوعي، وهذه ضمن المصاريف، ولذلك صرت مضطرًا لبيع سعر قرص المعروك حسب التكلفة بعشرة آلاف ليرة، والمعروك المحشو بـ15 ألف ليرة، وهناك طلب عليه، وبعض الزبائن يأتون ليشتروا المعروك عن يومين في حال طلبهم له”، وفق ما قاله بائع المعجنات الخمسيني.
“المعروك صار لبعض المواطنين من الكماليات”، تابع البائع حديثه بحسرة من قلة زبائنه، فبعض الزبائن اشتروا خلال اليوم الأول والثاني من رمضان، ولكنهم لم يكرروا الشراء في الأيام التالية، لأن أوضاعهم المعيشية لا تساعدهم على ذلك.
الغلاء يمتد إلى المشروبات
تنتشر أكياس بلاستيكية على واجهات المطاعم ومحال البقالة، ويحتوي الواحد منها أقل من ليتر من شراب التمر الهندي أو العرقسوس، إذ يعتبر هذان المشروبان عنصرين أساسيين على مائدة الإفطار خلال شهر الصيام، فهما يساعدان في ترطيب الجسم وتحسين الهضم.
ارتفاع الأسعار لم يستثنِ هذين المشروبين في مدينة حلب، فسعرهما وصل إلى درجة أنه لم يعد باستطاعة بائعي التمر الهندي إضافة السكر إليه، مع وصول سعر كيلو السكر إلى حوالي أربعة آلاف ليرة.
عبدو (27 عامًا)، وهو بائع جوّال لمشروب العرقسوس والتمر الهندي، قال لعنب بلدي، “هذه المرة الأولى التي لا أرى فيها لهفة لشراء السوس والتمر الهندي من قبل الناس، وعلى ما يبدو فإن الناس يهتمون بتأمين وجبة الإفطار”.
معدل البيع خلال الأسبوع الأول من رمضان كان ضعيفًا بالنسبة للبائع الجوّال، مقارنة بشهر رمضان الماضي، بحسب عبدو، الذي تتحفظ عنب بلدي عن اسمه الكامل لأسباب أمنية.
عائلات محرومة من التمور
تنوعت أسعار التمور في أسواق مدينة حلب، ومنها أنواع مستوردة من التمر العراقي والخليجي، وقبل شهر رمضان كان سعر الصندوق، بوزن خمسة كيلوغرامات، 62 ألف ليرة، ولكن مع اليوم الأول من شهر الصوم، وصل سعر الصندوق إلى حوالي 80 ألف ليرة، بينما وصل سعر كيلوغرام التمر الإماراتي والسعودي إلى حوالي 65 ألف ليرة.
وفي مطلع نيسان الحالي، قال عضو لجنة تجار ومصدّري سوق “الهال” أسامة قزيز، إنه لا يوجد في الأسواق بمناطق الحكومة (النظام) سوى “بقايا تمور” كانت معبأة في البرادات، يصل سعر الكيلو الواحد منها بالجملة إلى 20 ألف ليرة.
ونفى قزيز لإذاعة “المدينة إف إم” وجود تمر “نخب أول” في الأسواق كما يدّعي التجار، فالنوع الموجود حاليًا يسمى “الخضري”، ويعد نوعًا متوسط الجودة.
وأرجع قزيز ارتفاع الأسعار إلى قرار منع استيراد المادة، التي كانت تصل إلى سوريا من دول الخليج، وسط ازدياد الطلب عليها إلى حوالي أربعة أضعاف، سواء من قبل المواطنين أو الجمعيات لتوزيعها على المساجد في شهر رمضان.
ويتراوح سعر كيلوغرام التمر في الأسواق بين 11 ألفًا و45 ألفًا، بحسب ما نشرته الإذاعة.
وكانت حكومة النظام مدّدت إيقاف استيراد بعض المواد حتى نهاية العام الحالي، وأعادت منح موافقات إجازات الاستيراد لعدد من المواد التي توقف استيرادها سابقًا، منها التمر.
وسبق أن طالبت “غرفة صناعة دمشق” باستثناء مادتي الجوز والتمر من قرار منع الاستيراد الذي صدر في آب 2021، لعدم وجود كميات كافية تغطي السوق المحلية من مادة الجوز، ولأن سوريا بلد غير منتج للتمر.
ويعزو أصحاب محال بيع المواد الغذائية في حلب سبب ارتفاع الأسعار لتدهور قيمة الليرة السورية ومنع الاستيراد، وفي حال اُستوردت البضائع يتم رفع أجور الشحن والنقل وفرض رسوم وضرائب جمركية.
وفي آب 2021، قررت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، إيقاف استيراد 20 مادة لمدة ستة أشهر حينها، مبررة قرارها باستجابة لطلب مصرف سوريا المركزي، بتخفيض قيمة فاتورة المستوردات الوطنية الإجمالية، ووفق الأولويات المُعتمدة بمقدار القيمة المطلوب تأمينها من قبله لتمويل مستوردات القمح خلال الفترة المقبلة، وبهدف ترشيد الاستيراد والحد من استنزاف القطع الأجنبي.
صاحب محل لبيع المواد الغذائية في حي ميسلون بحلب، يدعى حسام، قال لعنب بلدي، “نحن لا نتحكم بالأسعار، ولسنا تجار جملة حتى نرفع الأسعار في كل لحظة، ولكن نشتري كيلو التمر ثم نبيعه بـ16 ألف ليرة، بربح 500 أو 600 ليرة فقط”.
وتابع الشاب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، “عند ذهابنا لشراء بضاعة للمحل نجد أنها ارتفعت يومًا بيوم، وارتفاع أسعار التمور مرتبط بقدوم شهر رمضان وتحكّم التجار بذلك”.
وتسبّب ارتفاع الأسعار في مدينة حلب بحرمان أغلبية العائلات من أطباق رئيسة للإفطار كانت تعد على الموائد، ولكن خلال شهر رمضان الحالي، صارت تلك العائلات تكتفي بطبخة واحدة كوجبة إفطار لعائلة مكوّنة من خمسة أشخاص، إذ تصل تكلفة طبخة “المجدرة” على سبيل المثال إلى حوالي 25 ألف ليرة، ومكوناتها الرئيسة الأرز أو البرغل والعدس وأحيانًا البصل المقلي، وهو ما يعادل ربع راتب موظف حكومي.