خطيب بدلة
شاركتُ رابط زاوية “تعا تفرج” المعنونة “تجريم التعذيب دبكة وزغاريد”، المنشورة في العدد السابق من صحيفة “عنب بلدي”، على “فيسبوك”، وإذا بأحد الأصدقاء يكتب تعليقًا مثيرًا جدًا، هو: الأوراق التي كان يُطلب من السجين التوقيع عليها، قبل مغادرته السجن، زادت واحدة.
ويشرح الصديق فكرته فيقول إنهم، في العادة، يطلبون من السجين الذي يُطلق سراحه التوقيع على أوراق كثيرة، ستضاف إليها الآن هذه: أنا الموقع أدناه، فلان الفلاني، أقر وأعترف، أنني لم أتعرض، طوال وجودي في السجن، لأي نوع من أنواع الضغط النفسي، أو التعذيب الجسدي، وعليه أوقع.
ويرى صديقي أن وجود هذه الأوراق الممهورة بتواقيع السجناء، عند نظام الأسد، أهم بكثير من الصور التي تتسرب من داخل السجون، ومنها صور “قيصر” الشهيرة، لسبب بسيط هو أن الناطقين الرسميين وغير الرسميين باسم نظام الأسد يستطيعون إنكار تلك الصور، تمامًا مثلما أنكروا قصف المدن بالمدفعية، وراجمات الصواريخ، والبراميل، والكيماوي، وإماتة الناس تحت التعذيب، ويتساءلون: وما الذي يثبت لنا أن هذه الصور من معتقلاتنا؟ لماذا لا تكون مسربة من المعتقلات السويدية، أو الفرنسية، أو الأمريكية، مثلًا؟ أو: لماذا لا يكون أصحاب تلك الجثث قد أوصوا المصور أن يأخذ لجثثهم، بعد وفاتهم، صورًا تذكارية؟ أو: ربما تكون كل هذه الصور مفبركة، على “الفوتوشوب”، أو مستخرجة من “الفلاشة” التي كان الشعيبي يضعها في جيبه قبل أن يذهب إلى استوديو تابع لإحدى القنوات المغرضة؟
وأما إذا سافر معتقل ناجٍ من السجون السورية إلى إحدى البلاد الأوروبية المتآمرة على صمود سوريا في وجه المخططات الصهيونية الاستعمارية، واستفاد من حق اللجوء الذي تصطاد فيه الدولُ الأوروبية الأيدي العاملة القادمة من سوريا، وقعد يتبجح قائلًا إنه تعرض للتعذيب في سجون سوريا، سرعان ما ينبري له واحد من جماعة النظام قائلًا: انظر، هذا تصريح خطي، مذيّل بتوقيع الشخص المذكور، يقر فيه ويعترف، بأنه لم يعذب، والاعتراف، في القانون السوري، سيد الأدلة.
ابتداء من سنة 1993، بدأ نظام حافظ الأسد الفاشستي، يطلق سراح المعتقلين الذين لم يُعدموا بقرارات صادرة عن فايز النوري، وموقّعة من العماد طلاس، وكان بينهم شخص نام في “تدمر” بتهمة “الإخوان المسلمين” 13 سنة، مع أنه لا يميّز بين المعمار الذي يُسمى في بعض المناطق “البَنَّا”، وحسن البنا الذي أسس تنظيم “الإخوان” بهدف استعادة الخلافة العثمانية التي فرطت في سنة 1918، وإذا سمع من أحد الناس كلمة “قطب”، يقول له سلامتك، معتقدًا أنها “القطب” الذي تُخاط به الجروح، وقد تعرض خلال هاتيك السنوات إلى تعذيب، كما قال، لا تطيقه الجبال. هذا الرجل أوضح لنا، بعد سنة 2011، أن سجناء “تدمر” حينما يخرجون لا يوقّعون على أي نوع من التعهدات الخطية، بل يقول لهم الشخص الذي يسلّمهم الهوية الشخصية: كل شي شفته هون ممنوع تجيب سيرته بره.
وبدلًا من الأخذ والرد والتهديد، يقول له جملة صغيرة، حاسمة، تجعله يخرس إلى الأبد، وهي: إذا حكيت، منرجعك لهون!