تشهد مدينة دمشق ارتفاعًا متواصلًا بأسعار المواد الأساسية، ما دفع العديد من الأهالي لشراء احتياجاتهم اليومية من المواد الفاسدة التي تطرحها “المؤسسة السورية للتجارة” للمستهلكين في صالاتها بأسعار “مخفّضة”.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، فقد شهدت هذه المواد إقبالًا متزايدًا، تزامنًا مع قدوم رمضان، في ظل عجز الأهالي عن شراء المواد الغذائية بأسعارها التي تتطلب أضعاف دخلهم الشهري.
“على أبواب صالات (السورية للتجارة)، تصطف صناديق الخضراوات والفواكه الفاسدة التي تفوح منها رائحة كريهة في كثير من الأحيان، ورغم أن ظاهرة انتشار هذه الخضراوات والفواكه ليست جديدة، فإنها لم تكن بهذا السوء من قبل، ولم يكن الإقبال عليها للحد الذي نراه الآن”، قالت “رغد” (40 عامًا) سيدة تقيم في أحد أحياء دمشق، عبر مكالمة هاتفية مع عنب بلدي.
“بينما كنت أشري حاجاتي من إحدى الصالات التجارية، رأيت سيدة مسنة تعبئ حبات الباذنجان والطماطم الفاسدة في كيس، ولم تكن الوحيدة التي أقبلت لتشتري من تلك الصناديق، لكنّ النوعين اللذين اختارتهما كانا الأسوأ”، تابعت “رغد”، اسم مستعار لأسباب أمنية، مظهرة تأثرها الشديد بحال تلك السيدة.
ولم تصدّق رغد أن هناك من سيدفع ثمن كيلو باذنجان “غير قابل للاستهلاك البشري” نحو ألف ليرة سورية، لكنّ تلك المرأة فعلت، باعتبار هذا السعر يمثّل ربع ثمن كيلو الباذنجان الذي بلغ سعره 4000 آلاف ليرة سورية.
“حوّل الإقبال المتزايد على الشراء من تلك الصناديق، السلع الفاسدة إلى بوابة للمزيد من الاستغلال من قبل المؤسسة، إذ إن الأهالي الآن لم يعودوا مخيرين، بل صاروا مجبرين على شراء الخضراوات والفواكه لسد رمق عائلاتهم”، بحسب ما قالته “رغد”.
“أسماء” (47 عامًا)، اسم مستعار لأسباب أمنية، سيدة أخرى من أهالي دمشق، اعتبرت طرح هذه المواد استغلالًا لحاجة الناس، إذ إن معظم الأهالي “مجبرون وليسوا مخيرين”.
وأوضحت “أسماء” لعنب بلدي، أن الظروف الاقتصادية الراهنة، تجبر الأهالي على شراء المواد التي تطرحها المؤسسة رغم فسادها، مشيرة إلى أن المؤسسة تظهر “لا مبالاة” بأضرار ومساوئ تناول الخضراوات والفواكه الفاسدة، وتبقيها معرّضة للشمس، ما يجعلها أكثر عرضة للفساد، وفق “أسماء”.
موائد رمضان “لا تغني من جوع”
رغم تعهد مجلس الوزراء، في 22 من آذار الماضي، بزيادة الكميات المطروحة من المواد الغذائية في الأسواق المحلية خلال شهر رمضان، ما زالت موائد رمضان “فقيرة”، في ظل عجز الأهالي عن شراء معظم المواد حتى الأساسي منها.
“الكثير من الأطباق التي كانت أساسية على مائدة رمضان صارت اليوم رفاهية يشتهيها أطفالنا”، قالت “رغد”، وهي تشتكي من النقص الشديد بأطباق موائد رمضان، رغم حاجة العائلات وخاصة الأطفال لغذاء جيّد خلال هذا الشهر.
وتابعت رغد، “قبل أيام خلال زيارة صديقتي طلب طفلها (سبعة أعوام) أن يتضمن فطورهم طبق سلطة، لكنّ والدته خيّرته بين الطماطم والخيار، ليكونا في طبق السلطة إلى جانب الخس”، مشيرة إلى أن إعداد طبق سلطة متكامل يعني استدانة ثمنه بالنسبة لمعظم العائلات.
كما أكّدت “أسماء”، أن مائدة فطور رمضان اقتصرت على طبق رئيس، تعدّه الأمهات بأقل التكاليف الممكنة، من خلال إضفاء تعديلات على الوصفة، واستبعاد العديد من المكونات مثل اللحوم.
أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، قال، في 26 من آذار الماضي، إن هناك إقبالًا كبيرًا على مشاهدة المواد الغذائية المعروضة في الأسواق المحلية وليس على شرائها، مضيفًا أن “الحالة الشرائية والمتعة بالتسوق شبه منعدمة، إلا من رحم ربي، بسبب ارتفاع الأسعار”، وأكثر من نصف السكان ليس لديهم أفراد خارج البلاد لإرسال حوالات مالية إليهم، أو ليس لديهم مصدر دخل ثانٍ.
وأشار حبزة إلى أن المواطن صار يقنّن استهلاكه بصرف أمواله على الأولويات، واختصار نصف المواد الغذائية بسبب غلاء الأسعار.
ويتعارض أسلوب معيشة الأهالي في مناطق سيطرة النظام، خصوصًا في رمضان، مع تحذيرات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في تشرين الثاني 2021، من التدابير “القاسية” التي يضطر الأهالي في سوريا إلى اتخاذها بسبب الجوع والفقر.
وتتوالى عوامل ومبررات رفع الأسعار في مناطق سيطرة النظام، إذ يرجعها البعض إلى قدوم رمضان والإقبال المتزايد على شراء المواد الغذائية، بعد تأثيرات قرار رفع الدعم، وأزمة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، على الاقتصاد العالمي، إلى جانب “الغزو” الروسي لأوكرانيا الذي سبّب حالة ذعر من مجاعة في سوريا.
وارتفع سعر السلة الغذائية التي تحتاج إليها العائلة في سوريا بنسبة 97%، من كانون الأول عام 2020 إلى كانون الأول 2021، ما يعني أنه بحلول نهاية العام، تنفق الأسرة 41% من دخلها على الغذاء لضمان البقاء، كما يعاني حوالي 12 مليون شخص، أي 55% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقرير منظمة “أنقذوا الطفولة”، الصادر في 15 من آذار الماضي، بمناسبة الذكرى الـ11 للثورة السورية.
–