سوريا.. ورقة تفاوضية بين الإمارات وأمريكا
أدت زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى تفاقم التوترات في العلاقات الإماراتية مع واشنطن، التي كانت تتسع بالفعل بسبب عدد من القضايا، بما في ذلك رد فعل الإمارات على “الغزو” الروسي لأوكرانيا، والسياسة الأمريكية تجاه جماعة “الحوثي” في اليمن وإيران، وشروط الولايات المتحدة بشأن بيع الطائرة الأمريكية المقاتلة “F-35” في الإمارات.
واعتبر بعض المسؤولين الأمريكيين استضافة الإمارات، في 18 من آذار الماضي، لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، المدعوم من روسيا، مؤشرًا آخر على رفض الإمارات عزل روسيا بسبب “غزوها” لأوكرانيا.
وكانت الإمارات امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 25 من شباط الماضي، لإدانة “الغزو” الروسي، مقابل دعم روسيا لقرار لاحق لمجلس الأمن يفرض حظرًا على نقل الأسلحة إلى “الحوثيين” في اليمن.
وعلى الرغم من أن دعوة الإمارات للأسد تشير إلى استقلالها عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا تمثّل روسيا ولا الصين ولا أي قوة أخرى بديلًا قابلًا للتطبيق للولايات المتحدة كضامن لأمن الخليج.
“الحوثيون” وطائرات “F-35”
شنّت جماعة “الحوثيين” في اليمن مؤخرًا عدة ضربات صاروخية على الأراضي الإماراتية، واستاءت الإمارات من أن الولايات المتحدة لم ترد عسكريًا على الضربات أو لم تعد تصنيف “الحوثيين” منظمة إرهابية أجنبية.
وتنظر قيادة الإمارات إلى المفاوضات لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف لعام 2015، على أنها عدم التزام الولايات المتحدة بدحر نفوذ إيران الإقليمي.
كما أنه لا يزال بيع 50 طائرة مقاتلة أمريكية متطورة من طراز “F-35” إلى الإمارات العربية المتحدة معطلًا، بسبب إصرار الولايات المتحدة على تأكيدات بأن الإمارات العربية المتحدة ستمنع الصين من الوصول إلى “F-35” أو تقنيتها بمجرد تسليم الطائرات.
انتقاد لاستقبال الأسد
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في 20 من آذار الماضي، إن “أمريكا تشعر بخيبة أمل وانزعاج عميقين من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على بشار الأسد، الذي يظل مسؤولًا عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتهجير العديد منهم”.
وأكد برايس أن إدارة بايدن لن ترفع أو تتنازل عن العقوبات المفروضة على سوريا كتهديد ضمني بفرض عقوبات على الاستثمارات الإماراتية في سوريا، إذا كان الاستثمار يوفر فائدة مباشرة لحكومة النظام.
الأكاديمي السوري- الكندي فيصل محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية، أوضح لعنب بلدي، أن اندفاع الإمارات للتطبيع مع النظام السوري مبني على حسابات ذاتية، مثلما كان تدخلها إلى جانب بعض الفصائل المسلحة (غير الإسلامية) في جنوبي سوريا في عام 2012.
ويرى الدكتور فيصل محمد، أن الهدف النهائي واحد، هو تأمين حصة مهمة في كعكة النفوذ المتنازع عليها في سوريا، وعندما كان الاعتقاد السائد في المنطقة آنذاك بأن النظام السوري سوف يسقط، سارعت القوى الإقليمية (ومنها الإمارات) إلى المراهنة على المعارضة، وتنافست لتحقيق أكبر قدر ممكن من النفوذ، وللحرص على أن وجهة التغيير في سوريا ليست ديمقراطية ولا مستقلة.
أما الآن وهذه القوى ترى أن النظام قد انتصر على شعبه وعلى قوى التغيير (على اختلاف مشاربها)، فـ”العود أحمد، والتصالح مع النظام لتأمين نفوذها من خلاله يبدو مضمونًا أكثر”.
في هذا السياق، فإن التطبيع مع النظام، بما ينطوي على تحدٍ ظاهري للإرادة الأمريكية، لا يمثل تناقضًا كبيرًا مع “السيد الأمريكي”، بحسب الدكتور فيصل محمد، وذلك لأكثر من سبب، منها “تناقص هيبة هذا السيد خلال السنوات القليلة الماضية، كما تناقصت ثقة الحلفاء الصغار به في الخليج وفي المنطقة عمومًا”.
هذا التراجع جاء في ضوء “الانسحاب المشين”، بحسب توصيف محمد، من أفغانستان، وموقف أمريكا من مسألة إبرام اتفاقية مع إيران بشأن برنامجها النووي. هذا الموقف الذي لا يأبه كثيرًا لمصالح الحلفاء العرب.
كما أن غياب سياسة أمريكية واضحة وحازمة تجاه النظام السوري تتعدى العقوبات والتصريحات الرسمية المنددة بممارساته الوحشية، تمكّن الإمارات وغيرها من الحلفاء المستائين من عدم الاكتراث الأمريكي من تبرير خطواتها التطبيعية من الاستشهاد بتصريحات أمريكية تقول إن هؤلاء الحلفاء مطلوب منهم المزيد من الاضطلاع بمسؤولية أمنهم، وبالتالي فإن ما يحدث في سوريا يؤثر على أمنهم.
هل تتعرض الإمارات للعقوبات؟
ويرى الدكتور فيصل محمد أن احتمال لجوء الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الإمارات بسبب اندفاعها في التطبيع مع نظام الأسد لا يبدو كبيرًا، حتى الآن.
ومن الواضح أن الانسحاب الأمريكي النسبي من المنطقة العربية يستتبع ترك هامش أكبر لهذه الأنظمة في سعيها لتأمين مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية عبر إعادة ترتيب تحالفاتها، حتى وإن ترافق ذلك مع تباين في المصالح مع واشنطن إلى درجة معيّنة.
ومن المهم ألا ننسى، بحسب الدكتور محمد، أن الأنظمة المتحالفة (سرًا وجهارًا) مع اللاعب الأهم في المنطقة، أي إسرائيل، تعتقد أن هذا اللاعب “السيد الأصغر” يشكّل بوليصة تأمين ضد غضب “السيد الأكبر” الأمريكي.
وفي 18 من آذار الماضي، نشر المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، تغريدة على “تويتر” قال فيها، “الخطوة الأولى على طريق العقاب، لا تحب الولايات المتحدة معاقبة الحلفاء، لكن في بعض الأحيان لا يمكن تجنب ذلك، كما رأينا في آب من عام 2017 وتشرين الأول من 2019”.
وأوضح ريبورن، في حديث إلى عنب بلدي، أن الإمارات تتخذ خطوات من شأنها، في حال استمرارها، أن تضع واشنطن في موقف الاضطرار إلى معاقبة بعض الكيانات الإماراتية.
وأردف المبعوث السابق، “كصديق للإمارات العربية المتحدة، عليّ أن أشير إلى حقيقة أن واشنطن لن تغير موقفها من الأسد أبدًا، والسياسة الإماراتية تتعارض مع هذا الواقع الآن”.
حقيقة أن دولة ما حليف لا تعني أن الولايات المتحدة لن تفرض عقوبات عليها عندما يتم تجاوز الخطوط الحمراء، بحسب ريبورن، كما هي الحال في حالة تركيا، الحليفة الحيوية لأمريكا في حلف شمال الأطلسي، بعد عقوبات “CAATSA” (قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات) في آب 2017 وعقوبات تشرين الأول 2019.
الحياد في أوكرانيا.. الهدف اقتصادي؟
استمرت الإمارات في الحفاظ على موقفها الحيادي من “الغزو” الروسي لأوكرانيا، على الرغم من محاولة الولايات المتحدة تشكيل جبهة مناهضة لروسيا، وفرضت عليها مجموعة واسعة من العقوبات القاسية، بينما رفضت أيضًا الطلبات الأمريكية لزيادة إنتاج النفط للاحتفاظ بها.
وكان ولي العهد، محمد بن زايد آل نهيان، رفض تلقي مكالمة من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على الرغم من أن أبو ظبي حافظت على اتصالاتها مع روسيا على أعلى مستوى.
وتشكّل المفاوضات الجارية بشأن الاتفاق النووي الإيراني وإمكانية رفع العقوبات تهديدًا رئيسًا تتصوره دول الخليج، من حيث زيادة إنتاج الطاقة في السوق العالمية، بالإضافة إلى المزيد من الأموال المتاحة لوكلاء إيران في العراق ولبنان وسوريا لتعزيز النفوذ الإيراني.
كان انتصار الأسد ممكنًا بسبب الدعم العسكري الإيراني، ومع ذلك، فإن إيران ليست في وضع يمكّنها من الاستثمار في إعادة الإعمار الهائلة التي تحتاج إليها سوريا الآن.
وتسعى الإمارات، باستثماراتها في سوريا، إلى تقويض النفوذ الإيراني هناك، وبالتالي ربما أيضًا في لبنان المجاور، وبتعزيز موقفه يريد الأسد أيضًا القضاء على التدخل الإيراني في الشؤون السورية.
فيما يتعلق بالموقف الروسي من الإمارات، يرى الأكاديمي فيصل محمد، أنه يستند إلى أسس اقتصادية مهمة تشمل توظيف عشرات المليارات، وخصوصًا في دبي، ومنها نسبة كبيرة من أموال مسروقة من قبل “أوليغارشيين” روس لا تمانع الإمارات في مساعدتهم على تبييضها طالما أنها تصب في عجلة الاقتصاد الإماراتي.
ومن جهة أخرى، فإن المصالح النفطية للدولتين متماثلة، وارتفاع أسعار النفط في أعقاب “الغزو” الروسي لأوكرانيا يخدمهما كما يخدم الدول الأخرى المصدّرة للنفط، أما بالنسبة للدعم الدبلوماسي الروسي لحرب الإمارات على اليمن وعلى “الحوثيين”، وتصويت الروس في الأمم المتحدة على اعتبار “الحوثيين” منظمة “إرهابية” فهو أقل أهمية، وإن كان جزءًا من الثمن الذي تتوقعه الإمارات لوقوفها عمومًا إلى جانب روسيا في مسألة “غزو” أوكرانيا.
ويعتقد الدكتور فيصل محمد أن مساعدة الروس للإمارات في إعادة ترسيخ نفوذها الاقتصادي والسياسي في سوريا تفوقها في الأهمية.
وفي آذار الماضي، قالت المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا زكي، إن زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى الإمارات جاءت في إطار التوجه العام لإيجاد حلول دبلوماسية للأزمات، والنداء بأهمية وجود دور عربي فعال لبحث سبل حلّ الأزمة السورية بدل الاكتفاء بإدارتها.
جاء ذلك خلال تصريحات أدلت بها زكي خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، تحدثت خلالها عن دور الجامعة العربية، وتعزيز التعاون بين مجلس الأمن والجامعة لإيجاد حلول عربية للأزمات العربية، بما في ذلك الأزمة السورية، معتبرة أن استقرار سوريا يعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي، وفق ما نقلته صحيفة “البيان” الإماراتية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :