عنب بلدي – خالد الجرعتلي
يتمثّل المكوّن العربي في مؤسسات “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، بشخصيات عربية موالية لها، لم تحقّق تطلّعات سكان المنطقة من العشائر العربية على مدار سنوات سيطرة القوات الكردية على المنطقة.
وفي منتصف آذار الماضي، عقد “مجلس دير الزور المدني” التابع لـ“الإدارة الذاتية” اجتماعًا مع وجهاء عشائر من محافظة دير الزور، بعد احتجاجات لأبناء المنطقة، طالبوا فيها بالإفراج عن المعتقلين، وتحسين الواقع المعيشي والخدمي فيها.
وبحسب تسجيل مصوّر نشرته شبكة “مراسل الشرقية” المحلية من الاجتماع عبر “تلجرام”، ظهر أحد وجهاء دير الزور مهددًا ممثلي “المجلس”، في حال لم يستبدلوا ممثلين عربًا بمسؤولي المنطقة الكرد، بعدم السماح لمؤسساته بدخول المنطقة.
الأمر الذي ردت عليه “الإدارة” بإقالة رئيس “مجلس دير الزور المدني” التابع لها، بسبب سعيه المتكرر لتعزيز المكوّن العربي، بحسب ما تداولته شبكات محلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
واستبدلت “قسد” برئيس المجلس غسان اليوسف آخر مواليًا لها في المنطقة، كما نقلت اليوسف للعمل ضمن “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد).
“قسد” منظومة “شمولية”
قد يكون من الأفضل لسلطة جديدة مبنية على دعم دولي ضمن مناطق واسعة من سوريا، أن تظهر بصورة تتعدد فيها الممثليات، خصوصًا أن “الإدارة الذاتية” تُصدّر نفسها على أنها “كيان ديمقراطي جامع”.
وتكرار الإقصاء لقوميات وفئات من المجتمع السوري من التمثيل السياسي والخدمي، لا يحقق أي مكاسب، كما هي الحال عندما أقصى النظام السوري الكرد من التمثيل السياسي في سوريا باستثناء الشخصيات الموالية له.
ويعتقد الباحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي وابن مدينة القامشلي مهند الكاطع، أن “قسد” هو اسم أطلقه الأمريكيون عام 2016 على حزب “العمال الكردستاني” العامل في سوريا، والمصنف على قوائم الإرهاب الدولية، والذي يعرف بأنه “منظومة شمولية” لا تؤمن بالعمل المؤسسي، ولا تتقبل أي مشاركة أو تمثيل من خارج منظومتها، ليس فقط تجاه العرب، بل تجاه بقية كرد المنطقة أيضًا.
لذلك تعمد هذه المنظومة إلى استخدام بعض الأسماء العربية أو السريانية في تمثيل شكلي، دون أي سلطة تنفيذية أو فعالية أو قدرة على اتخاذ القرار.
وأضاف الكاطع أن محافظة دير الزور هي منطقة عربية بالمطلق، تطغى عليها الصبغة العشائرية، ورغم ذلك لا يمتلك أبناؤها قرارهم، رغم وجود بعض الشخصيات الهامشية التي تعرضها “قسد” أحيانًا في مواقع إدارية، لكنها عمليًا دون سلطة حقيقية.
الأمر الذي يدفع بأهالي دير الزور كما بقية المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، إلى الاعتراض على “استلاب إرادتهم”، لذلك تزداد مظاهر الاحتجاجات ضد “قسد” في أرجاء المنطقة.
وتشهد مناطق متفرقة من محافظة دير الزور احتجاجات مناهضة لـ”قسد” منذ مطلع العام الحالي، اعتراضًا على الوضع المعيشي المتدهور، ومظاهرات طالبت بتوزيع المحروقات على سكان المنطقة، وأخرى نددت بفساد مؤسسات “قسد” والإفراج عن المعتقلين، ومنها طالبت بتعزيز التمثيل العربي بمؤسسات “قسد”.
وفي 1 من آذار الماضي، قُتل عنصر من “قوى الأمن الداخلي” (أسايش)، إثر شجار دار بينه وبين مجموعة من المتظاهرين من أهالي قرية أبو حمام شرقي دير الزور، عقب محاولات “أسايش” تفريق مظاهرة مناهضة لـ”قسد” في القرية.
سبقت ذلك اشتباكات في مدينة البصيرة شرقي المحافظة، في 14 من شباط الماضي، بين أبناء عشائر المنطقة ومقاتلين من “قسد”، على خلفية اعتقال الأخيرة شبانًا من أبناء عشيرتي “الغضبان” و”الجميل”.
ممثلون عرب “لا يمثّلون المنطقة”
ما يثير التساؤل عند الحديث عن مطالب مستمرة بزيادة تمثيل المكوّن العربي، هو إذا ما كان وجود بعض الشخصيات العربية الموجودة ضمن مؤسسات “قسد”، لا يلبي تطلعات المنطقة في ظل ظروف صعبة تعاني منها كامل الجغرافيا السورية.
وتضم مؤسسات “قسد” العسكرية والمدنية العديد من الشخصيات العربية التي يتجاهلها سكان المنطقة عند مطالبهم بتعزيز المكوّن العربي في هذه المؤسسات، منهم قائد “مجلس دير الزور العسكري”، “أبو خولة”.
وعن هذه الشخصيات قال الباحث مهند الكاطع، إنه لا يمكن لكيان أو شخصيات تعمل مع “قسد” أن يكون لها مصداقية أو موثوقية حتى العرب منهم، نظرًا إلى كونهم معروفين بـ”الانتهازية”، حسب وصفه.
فمن البديهي أنه لا علاقة أيديولوجية تربط الفرد السوري بعبد الله أوجلان التركي، لذلك لا يمكن لهؤلاء الممثلين العرب العاملين في “قسد” أن يحظوا بأي قبول أو ثقة في الشارع، بحسب الكاطع.
وبحسب معلومات تحققت منها عنب بلدي، وقاطعتها مع مراسليها في مناطق نفوذ “قسد”، فإن الأخيرة توكل إلى شخصيات عربية مهمات إدارية أو قيادية على أصعدة مختلفة، إلا أنها تعمل على تحجيم هذه الشخصيات وضمان ولائها أولًا، كما هي الحال في محافظة الرقة مثلًا مع الرئيس المشترك لـ”المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية”، عبد حامد المهباش، الذي يُعرف عنه في المحافظة بأنه يتلقى أوامره من حسن كوجر وأمينة أوسي، اللذين شغلا مناصب قيادية في حزب “العمال” (PKK).
ويُعرف عن شخصيتي “PKK” المذكورتين أنهما قضتا أكثر من عشرة أعوام في جبال قنديل، وهما من الكوادر القيادية في الحزب.
وشغل الدكتور حسين كوجر منصب ممثل حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) في إقليم كردستان العراق قبل أن يتصدّر الوسائل الإعلامية الموالية لـ”قسد” على أنه قيادي في قواتها، ومن ثم نائب للرئاسة المشتركة لـ”المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية”.
كما تعمل “قسد” على تعيين شخص من أعضاء “PKK” الأجانب كمسؤول أول عن مناطق واسعة ضمن مناطق نفوذها، فمثلًا في محافظة دير الزور، يشرف “مجلس دير الزور المدني” على الأعمال الخدمية فيها، إلا أن قرارات “المجلس” تصدر عن شخص يلقب بـ”باران” وهو غير معروف بالنسبة لسكان المنطقة.
وسبق لوجهاء دير الزور أن طلبوا مقابلة “باران” عدة مرات ولم يتمكنوا من ذلك، بحسب ما قاله أحد وجهاء دير الزور خلال التسجيل المصوّر الذي نشرته شبكة “مراسل الشرقية”.
“قسد” تسعى لـ”دمقرطة البلاد”
مع تكرار الاتهامات بحقها منذ بداية تأسيسها عام 2016 بأنها كيان “انفصالي” يسعى لسلخ قطعة من الأراضي من السورية، نفت “قسد” على لسان القيادي فيها محمود برقدان، جميع هذه الاتهامات، مشيرًا إلى أنها اتهامات مُغرضة.
وجاء في حديث برقدان مع وكالة “هاوار” الكردية المُقربة من “قسد”، أن الأخيرة تناضل في سوريا من أجل “دمقرطة البلاد”.
وأضاف أن جميع القوميات والأعراق من عرب وكرد وآشوريين في سوريا يتمتعون بكل حقوقهم، وهو ما اعتبره دليلًا على عدم نية “قسد” طرح خطة للتقسيم.
كيان “عقائدي”
اختلفت مساحات وطبيعة الجغرافيا والتنوع المجتمعي، في المناطق التي سيطرت عليها “قسد” خلال أعوام الثورة، إذ امتدت رقعة السيطرة ما بين عامي 2012 و2015 إلى 12% من مساحة سوريا، ضمن مناطق عفرين وريفها، وعين العرب (كوباني) وريفها، وثلثي محافظة الحسكة، بحسب دراسة أعدها مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”.
ولم يتطرق العقد الاجتماعي لحدود “فيدرالية شمالي سوريا”، كما ورد في رواياته المتكررة أن كيان “قسد” يعتمد على “مفهوم لا مركزية سياسية وإدارية ضمن سوريا الموحدة”.
ويعتري مفهوم اللامركزية السياسية الكثير من عدم الوضوح والضبابية، كما يُلحظ من قراءته وجود خلط بين حقوق الكيانات ذات البنية الكونفيدرالية، والتي هي في حقيقة الأمر اتحاد دول، وبين الفيدرالية وهي مصطلح فضفاض لا يمكن حصره بنموذج معيّن، بحسب الدراسة.
وفي لقاء أجرته عنب بلدي مع الكاتب والباحث السياسي ماجد علوش، قال إن مشكلة “قسد” التي باتت “عصية على الحل”، هي أنها “كيان عقائدي أولوياته هو تطبيق فكرة أيديولوجية”.
فبدل أن يسعى هذا الكيان الجديد نسبيًا إلى أن يستثمر في العناصر المتوفرين حاليًا لديه، يسعى لخلق وقائع صناعية جديدة في سبيل الاقتراب من هدفها الأيديولوجي المنشود.
وبطبيعة الحال، فإن هذه المشكلة ولّدت العديد من المشكلات الفرعية، أولاها التخبط السياسي الذي تعاني منه “قسد” في سبيل “البقاء على قيد الحياة”، بانتظار فرصة قد لا تأتي، ومن المرجح أنها لن تأتي بعد التطورات الدراماتيكية في الملف السوري خلال الشهر الأخير، بحسب علوش.
وحين تسعى اليوم “قسد” لنسج الخيوط مع النظام السوري لإرضاء موسكو، أو حين تسعى لبلورة موقف كردي موحد استجابة لأربيل وواشنطن، أو لتجاوز الانتقادات الموجهة لها داخل الوسط الكردي، فنراها اليوم تحاور “المجلس الوطني الكردي” المُهادن لتركيا.
وفي أحيان أُخرى تبعث “برسائل غزل” لتركيا لتجنب غضبها، وتعود لتتحرش بها تارة أخرى من خلال قصف مناطق نفوذ “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، أو بهجمات عسكرية محدودة، لتظهر على أنها “حركة تحرر وطنية”، بحسب الباحث.
وبحسب ما يعتقده ماجد علوش، فإن “الهوس الأيديولوجي” لدى “قسد” بات متحكمًا بقراراتها، وقاد إلى تخبط سياسي فيها حتى في تعاملها مع مكوّنات المجتمع في مناطق نفوذها.
فما يجب على “قسد” اليوم تعلّمه هو بناء نموذج مختلف بالاعتماد على الواقع الإيجابي وخلق الشركاء، عن طريق إشراك قوى محلية في الإدارة والتنمية، عبر انتخابات محلية تُنتج قوى تمثيلية حقيقية لإيجاد سُبل تعاون مشترك، إذ يمكن اليوم لها الاكتفاء بإجراءاتها الدفاعية وبضبط الوضع الأمني في مناطق نفوذها وتحت إشرافها المُباشر، بحسب علوش.
على طريقة النظام
في 28 من آذار الماضي، فرضت قوات “قسد” حصارًا على قرى السفافنة والعرقوب والمراشدة والسوسة بريف دير الزور الشرقي، ولا يزال مستمرًا حتى لحظة هذا التقرير، بالتزامن مع حملة اعتقالات واسعة مستمرة في المنطقة.
وجاءت الحملة الأمنية التي شنّتها “قسد” في الريف الشرقي للمحافظة، بسبب تكرار المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في المنطقة، التي طالبت بتحسين الوضع المعيشي، والإفراج عن المعتقلين من سجونها.
وخلال المظاهرة الأخيرة التي شهدتها بلدة درنج شرقي دير الزور في 25 من الشهر ذاته، أحرق المتظاهرون سيارة عسكرية تابعة لـ”قسد”، ما أسفر عن رد فعل أمني شابه تحركات النظام الأمنية في العديد من المناسبات.
وقالت شبكة “صوت الشرقية” عبر “تلجرام”، إن “قسد” اعتقلت، في 28 من آذار الماضي، شخصًا من أبناء المنطقة، واحتجزت سيارته من أمام منزله في حي المراشدة بالبلدة.
سبقه بيوم واحد اعتقال “قسد” الطفل سلطان الفرحان، وهو من أبناء بلدة السوسة لأسباب مجهولة خلال حملة المداهمة الأخيرة، بحسب الشبكة.
وقالت شبكة “نهر ميديا” المحلية، إن “قسد” داهمت بلدة السفافنة وسط استنفار أمني لقواتها في بلدات السوسة والمراشدة والعرقوب، مع فرض حظر للتجول وقطع الكهرباء عن المنطقة، دون معرفة الأسباب.
بدورها، نشرت شبكة “الشرقية 24” المحلية تسجيلًا مصوّرًا لإطلاق نار كثيف قالت إن مصدره حواجز “قسد” في قرية درنج شرقي دير الزور، بالتزامن مع فرضها حظرًا كليًا للتجول في القرية.
سبقت هذه الأحداث في قرية درنج بيومين احتجاجات لسكان القرية عقب صلاة الجمعة، أحرق خلالها المحتجون الإطارات وقطعوا الطريق العام أمام سيارات “قسد”، كنوع من الاحتجاج على سوء الحالة المعيشية وغلاء أسعار المواد الغذائية والمحروقات، بحسب شبكة “عين الفرات” المحلية.