الخدمة الإلزامية.. هواجس الشباب في درعا بعد انتهاء مدة التأجيل

  • 2022/04/03
  • 9:18 ص

صورة تعبيرية لجندي من الشرطة العسكرية في سورية - 16 من تموز 2019 - (الوطن)

درعا – حليم محمد

تنتهي مطلع نيسان الحالي مدة تأجيل المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية في محافظتي درعا والقنيطرة، ضمن المنطقة الجنوبية لسوريا، ما يضع المطلوبين للخدمة بين خيارين، إما الالتحاق بقوات النظام السوري، وإما أن يدخلوا خانة المطلوبين، والخيار الأخير سيعرّضهم للملاحقة الأمنية.

يواجه آلاف السوريين من المطلوبين لأداء الخدمة العسكرية، مهما كان موقفهم السياسي، مشكلة الحواجز والدوريات الأمنية المكلفة بالبحث عنهم، لتتجاوز مخاوفهم الملاحقة الأمنية إلى خوفهم على أملاكهم أو أملاك أقاربهم، في حال لم يدفع المكلف بالخدمة الإلزامية قيمة “بدل فوات الخدمة” بعد تجاوزه سن التكليف، وهو 42 عامًا، وذلك طبقًا لقوانين وقرارات حكومة النظام السوري.

وشهدت محافظة درعا خلال عام 2021 هجرة الآلاف من أبنائها بعد حصولهم على جواز السفر، مثل أغلب المدن على امتداد الجغرافيا السورية، وتركزت الهجرة إلى بيلاروسيا للوصول بطرق التهريب إلى أوروبا، بالإضافة إلى الإمارات، ومصر، وليبيا، وكردستان العراق.

هجرة ميسّرة من قبل النظام

سمح النظام السوري للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية بتأجيل لمدة عام كامل في نيسان 2021، لكنه أصدر قرارًا بمنع السفر في 23 من أيار من العام نفسه، إلا أنه عاد في 17 من حزيران، وعمّم على “شُعَب التجنيد” في محافظتي درعا والقنيطرة، منح إذن سفر للمؤجلين عامًا كاملًا عن الخدمة العسكرية، الأمر الذي دفع الشباب للهجرة كفرصة سنحت لهم خلال هذا العام فقط.

وشهد فرع الهجرة والجوازات أزمة وطوابير على مدار العام، ما أسهم في رفد خزينة الدولة بمصادر مالية من الرسوم، وتنشيط حركة الطيران.

ويرى نقيب “المحامين السوريين الأحرار”، المحامي سليمان القرفان، أن سياسة إيران في المنطقة تهدف لإفراغها من فئة الشباب، وتحويلها لمنطقة يحكمها تجار المخدرات، لذلك سهّل النظام إجراءات السفر لتحييد الشباب من أي مواجهة مستقبلية، وذلك بهدف السيطرة المطلقة على المنطقة الجنوبية.

وأضاف المحامي لعنب بلدي، أن الشباب السوري بات يخاطر من أجل السعي لحياة كريمة، وتأمين دخل له ولعائلته، وكذلك للهرب من الخدمة العسكرية.

كل الخيارات ممكنة إلا خيار البقاء

لا يريد حسان (28 عامًا)، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أداء الخدمة العسكرية في قوات النظام السوري، أو لدى أي جهة عسكرية أخرى في سوريا، لأن “الخدمة في أي جيش لن تكون لمصلحة هذا البلد بالتأكيد، وإنما لمصلحة الجهة العسكرية التي سأخدم لديها”، لذلك لجأ إلى السفر مستفيدًا من مدة التأجيل.

وقال الشاب لعنب بلدي، إن “معظم المهاجرين يسعون إما لدفع بدل عن الخدمة، وإما للخروج من مناطق سيطرة النظام، وإن كان معظمهم يعيش بظروف اقتصادية صعبة في دول مصر، والإمارات، وأربيل، وليبيا”.

“كل الخيارات ممكنة إلا خيار البقاء بسوريا، مدة التأجيل كانت فرصة للمتخلفين للهرب لعدم قناعتهم بخدمة النظام”، بحسب ما قاله الشاب، الذي تحيطه حاليًا هواجس مستقبلية مرتبطة بالخدمة العسكرية، كونه لم يستطع دفع “بدل الخدمة” والسفر خارج سوريا.

“العيش خارج سوريا مكلف”، وفق ما عبّر عنه الشاب الذي يعمل في محل لبيع الأثاث المنزلي، ولا تستطيع أغلبية الشباب الادخار لتأمين تذكرة الطيران ومصاريف الإقامة في الوجهة التي يرغبون بالوصول إليها، أو مصاريف طريق التهريب، إنما فقط يعملون من أجل تأمين مصروف معيشتهم الشهرية وإيجار مسكنهم.

ومن العوامل التي أسهمت في تشجيع الشباب بمدينة درعا على الهجرة، حالة الفوضى التي يشهدها الجنوب السوري من عمليات اغتيال، وسرقة، وسطو.

“هناك حالة من الخوف تسيطر على الشباب بعد كثرة عمليات الاغتيال، وعدم اقتصارها على فئة محددة، إنما تشمل من كان سابقًا بفصائل المعارضة ومن خدم بصفوف النظام”، وفق ما قاله الشاب حسان، و”معظم الشباب الذين انضموا لمجموعات النظام العسكرية”، كان هدفهم “فقط حماية أنفسهم من خطورة الاعتقال، والحصول على بطاقات أمنية تخولهم المرور على حواجز النظام”.

وشهدت محافظة درعا 508 عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال قُتل فيها 329 شخصًا، بحسب “مكتب توثيق الشهداء” خلال عام 2021.

ولم تقتصر الهجرة في درعا على طريقة الحصول على جواز السفر، فقد اعتمد أيضًا المئات من المهاجرين طرق التهريب عبر لبنان، أو الشمال السوري إلى تركيا ومن بعدها إلى أوروبا، وهو طريق محفوف بالمخاطر.

سوريا لا تعترف برفض الخدمة العسكرية

يشير مصطلح التجنيد الإلزامي إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، ويتم التعامل قانونيًا مع هذه المسألة بالاعتماد على ما إذا فُرض التجنيد من قبل قوات حكومية أم من قبل طرف غير حكومي.

بحسب القانون الدولي، فإن التجنيد الإلزامي ممارسة لسيادة الدولة، ولا توجد أحكام في القانون الدولي تمنع ممارسة تلك السيادة.

وعلى الرغم من ميزة السيادة التي تختص بها الدولة، توجد بعض الحالات التي تنتهك فيها الدولة حقوق الأفراد، من خلال فرض الخدمة العسكرية، وإرسال الأشخاص إلى القتال دون منح الفرصة لتقديم اعتراض على قرار التجنيد الإلزامي، وفق المركز الحقوقي.

وذكر القانون الدولي أن على الدول الإحجام عن تكرار العقوبة على “الاستنكاف الضميري” من الخدمة العسكرية، وهو مصطلح يعني الحق في رفض أداء الخدمة العسكرية، على أساس حرية الفكر أو الضمير أو الدين.

يستند الحق في “الاستنكاف الضميري” من الخدمة العسكرية إلى المادة “18” من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة “18” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ تتضمّن الحق في حرية الفكر أو الضمير أو الدين أو المعتقد، لكن لا تتضمن أي إشارة محددة إلى “الاستنكاف الضميري” من الخدمة العسكرية.

ولكن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان خلصت إلى أن الحق في “الاستنكاف الضميري” مكفول بحكم وروده في المادة “18”، وأعلنت موقفها في تعليقها العام رقم “22” (1993) بشأن الحق في حرية الفكر والضمير والدين، وفي اجتهادها القانوني بشأن البلاغات الفردية المقدمة إلى اللجنة.

يجوز للدول أن تعفي الأفراد من أداء الخدمة العسكرية لمجموعة واسعة من الأسباب، مثل الصحة والتعليم والوضع الأسري، لكن هذا لا يعد بديلًا عن الاعتراف القانوني بمسألة “الاستنكاف الضميري” من الخدمة العسكرية.

وأحاطت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في ملاحظاتها على تقرير قدمته سوريا، بأن الدولة الطرف (سوريا) “لا تعترف بالحق في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية، ولكنها تسمح لمن لا يرغبون في أداء الخدمة العسكرية بدفع مبلغ معيّن مقابل ذلك، وينبغي للدولة الطرف أن تحترم الحق في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية وأن تنشئ، إن هي رغبت في ذلك، خدمة مدنية بديلة ذات طابع غير عقابي”.

ومن تجاوز السن المحددة للتكليف، وهو معفى صحيًا أو وحيد، ثم تبيّن أن هذا الإعفاء لم يكن صحيحًا، يعتبر متخلفًا عن أول سَوق جرى لأمثاله بعد التأجيل أو الإعفاء ويبلّغ لـ”دفع بدل فوات الخدمة”، وفي حال امتناعه عن الدفع تنظم له إضبارة إحالة إلى القضاء، ويحصّل منه المبلغ الذي يترتب عليه وفقًا لـ”قانون جباية الأموال العامة“.

حماية “المستنكفين ضميريًا” في قانون اللاجئين الدولي

وقد يغادر “المستنكفون ضميريًا”، بمن فيهم المتهربون أو الهاربون من التجنيد الإلزامي، من بلدانهم كنتيجة مباشرة، أو تحسبًا لاستدعائهم (أو لاستدعائهم مجددًا في حالة الاحتياط) للخدمة العسكرية، إما بصفة شخصية، وإما بواسطة إعلان، وإما بإخطار عام موجه إلى مجموعة معيّنة.

وفي بعض الأحيان، يرفض من هم في الخارج بالفعل العودة إلى بلدانهم، أما الموجودون بالفعل في القوات المسلحة للدولة فقد يفرون من البلد بعد هروبهم من الخدمة العسكرية، أو التغيب عنها بلا إذن، سواء أكانوا في الأصل مجندين أم متطوعين، وكونهم متهربين أو هاربين من التجنيد، لا يحول دون إمكانية أن يكونوا لاجئين، بموجب تصنيف الأمم المتحدة لمثل هذه الحالات.

ويعود اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بحاجة من يرفضون الخدمة العسكرية إلى الحماية الدولية إلى عام 1978 في سياق الفصل العنصري.

وعولجت في مرحلة لاحقة الحالة الأعم لمن يفرون من بلدهم بسبب “استنكافهم الضميري” من الخدمة في القوات المسلحة.

وأشارت لجنة حقوق الإنسان في قرارها “77” لعام 1998 إلى أن المادة “14” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تقر بحق كل فرد في التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد، شجعت الدول على أن تنظر في منح اللجوء لـ”المستنكفين ضميريًا” الذين اضطروا إلى مغادرة بلدهم الأصلي، لأنهم يخشون الاضطهاد بسبب رفضهم تأدية الخدمة العسكرية، حين لا يوجد حكم مناسب يتناول “الاستنكاف الضميري” من الخدمة العسكرية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع