إدلب – هاديا المنصور
تنطلق هيام السكري (30 عامًا) في رحلة بحث يومية عن الفطر بصحبة ابنها ضياء (12 عامًا)، منذ بداية موسم قطافه، الذي بدأ في إدلب منذ أكثر من شهرين، متخذة إياه فرصة عمل، ووجبة مجانية لأطفالها القابعين في مخيمات النزوح شمال إدلب.
قالت هيام، إنها تعمل في جمع الفطر البري من الأحراش والأراضي الزراعية والجبال القريبة من مخيمها في حربنوش، وتعتمد على بيع ما تجمعه مع ابنها بشكل يومي، لتأمين قسم من متطلبات عائلتها وسط الفقر والغلاء وقلة فرص العمل.
ويعتمد عدد كبير من نازحي إدلب، وخصوصًا الأطفال والنساء، على جمع الفطر وبيعه، ما يعود عليهم بمردود مادي يؤمّنون به بعض احتياجاتهم الأساسية، في الوقت الذي يعاني فيه النازحون الفقر وقلة المساعدات الإغاثية، وشبه انعدام لفرص العمل.
المسنة خديجة الشوارغي، تعيش في مخيمات “باريشا”، شمال غربي إدلب، قالت لعنب بلدي، “لولا وجبة الفطر اليومية لكنا متنا جوعًا أنا وزوجي العجوز”، إذ لا يتوفر لدى المسنَّين مصدر دخل، بعد أن وجدا نفسيهما وحيدين في خيمة لا تقي حر صيف ولا برد شتاء بلا معيل يحمل معهما أعباء كبر سنهما ومرضهما الدائم.
وبصوت متعب وملامح تخفي خلفها ألمًا عميقًا، قالت خديجة، “لديّ ولدان، غيّبت أحدهما سجون نظام الأسد، وقتلت صواريخه الغادرة الآخر، وبتّ مع زوجي نقاسي الألم وحيدين نعيش أنواع القهر والفقر والفقد”.
تخرج المسنّة مستندة إلى عكازها الخشبي بشكل شبه يومي مع زوجها للبحث عن الفطر البري الذي شكّل غذاء رئيسًا لهما، وسط غلاء جميع أنواع اللحوم والخضار، وعجزهما عن شراء أي من أنواع الأطعمة التي باتت صعبة المنال أمام عجوزين لا حول لهما ولا قوة، على حد وصفها.
وأهم ما في الأمر بالنسبة لها، أن طهو الفطر لا يحتاج سوى إلى القليل من زيت الزيتون والملح وبعض الطهو، لتكون الوجبة جاهزة خلال دقائق معدودة، وتعتبر المرأة العجوز أن وجبة الفطر من الأطعمة الجيدة المغذية واللذيذة، فهي وزوجها لا يملان تناول الفطر بشكل يومي كونه من الأطعمة المفضّلة لديهما.
ويخرج الأطفال والنساء عادة على شكل مجموعات لجني الفطر البري، خوفًا من تعرضهم لهجوم الكلاب الشاردة في المناطق الجبلية النائية والبعيدة عن المناطق السكنية، فإذا كانت الأعداد كبيرة يكون التعامل مع مثل تلك الحيوانات “أسهل”، وفق ما روى الطفل مهاب البكر (14 عامًا) لعنب بلدي، الذي تعرّض لهجوم من الكلاب الضالة أكثر من مرة.
يبيع مهاب كيلو الفطر البري لمحال الخضار بـ20 ليرة تركية (1.37 دولار أمريكي)، ويجني بشكل يومي ما يقارب كيلوغرامين إلى ثلاثة كيلوغرامات من الفطر، ما يسمح له بمساعدة والديه بالإنفاق على العائلة التي تضم أيضًا خمسة أبناء هو أكبرهم، بعد نزوحهم من قريتهم بسقلا بريف إدلب الجنوبي.
ويعد الفطر من المأكولات الشعبية المفضّلة لدى الكثيرين، وله أنواع وأشكال متعددة، بعضها سام وبعضها الآخر صالح للأكل، وينمو بعد هطول الأمطار، وتتنوع أصنافه في منطقة إدلب بين الفطر الأبيض والزراعي والغزلاني وغيرها.
ويحتوي الفطر على نسب عالية من البروتينات والفيتامينات والكالسيوم، ويعتبر مضادًا حيويًا ومقويًا طبيعيًا للمناعة.
ومعظم الأنواع التي تنمو في المنطقة هي من الأنواع الجيدة، مع نسبة ضئيلة من الفطر السام الذي يختلف من حيث الشكل عن بقية أنواع الفطر الجيد، ويمكن تمييزه بسهولة من قبل من يجنيه أو يشتريه لاختلاف شكله عن بقية الأنواع، إذ قلما تم تسجيل حالات تسمم نتيجة الفطر في إدلب.