“الوسم”..” الهيرو” السوري

  • 2022/04/03
  • 10:07 ص

نبيل محمد

لا تخفى على المشاهد العربي توجهات الإنتاجات الدرامية العربية لخلق الاختلاف عن السائد النمطي على الشاشات، وعن القصص المكرورة، هذا الاختلاف جاء مؤخرًا بعدة أعمال من دول مختلفة أهمها مصر وسوريا، تفاوتت في الأهمية والأثر والقيمة الفينة، ولعل واحدًا منها هو مسلسل “الوسم” الذي بدأ عرضه مؤخرًا على منصة “شاهد”، التي أنتجت المسلسل، وسوّقت له قبل البدء بعرضه، محاولة لفت الأنظار إلى أن عملًا مختلفًا سوف يُعرض قريبًا على منصتها.

لا شك أن العمل مختلف من عدة زوايا، فهو مسلسل بعدد حلقات قليل، مفتوح لإنتاج مواسم أخرى، وعلّ ذلك يعتمد على مدى نجاح موسمه الأول، تدخل حلقاته دون شارة طويلة كلاسيكية، وتتنقّل مشاهده زمنيًا ومكانيًا بأسلوب يظهر استدعاء التشويق فيه واضحًا حدّ التكلّف أحيانًا.

قصة بوليسية اعتمدت فيما اعتمدته على نماذج عالمية تناولت موضوعات المافيات العابرة للحدود، إنما بتعريب جزئي لهذه المافيات، ومنحها مواصفات محلية باللغة والأدوات. طرق مستهلكة نسبيًا في تكوين الغموض، أما أساليب الأداء والتمثيل فعلّها كانت النقطة الأهم التي يبدو أنه من الصعب بمكان تغييرها عن أنماطها المعتادة، إذ لا يخفى ضعف الأداء عن أغلبية الشخصيات، بدءًا من البطل الرئيس قصي خولي الذي لم يحقق هذا الاختلاف الذي تم الحديث عنه قبل بدء عرض العمل، واستمر في مسيرة أداء تنشد شخصية “الهيرو” الفريد، الذي لم ينفع تغيير شكله ليظهر بأداء مختلف. وكذا بقية الممثلين الذين كانوا ظلالًا لخولي في العمل، إذ تمكّنت أساسيته بشكل واضح من جعل الجميع هامشيين، وخاصة زميله وصديقه الذي ظهر لأول مرة كممثل، وهو إسماعيل تمر مغني “الراب”، الذي لم تكن تجربة “الراب” في حياته لتواكب مواقع “الراب” المتقدمة عالميًا بل وعربيًا أيضًا في تجارب عديدة، فبقي يكرر ما بدأه مع قصي خولي في أغنية “راب” جمعتهما قبل سنوات، لنجده اليوم أيضًا في مكان على الأقل غير مناسب له، إذ لا تكفي الذراعان العريضتان لتكوين شخصية شاب شجاع متورط في أعمال المافيا.

اعتمد العمل على الغموض في تخفيف متاعب إظهار حقائق المافيات التي يتحدث عنها، إذ سيبقى إغفال الحقائق خلف التشويق مهربًا من عرض الحكاية بوضوح، ولعله أيضًا يحقق الراحة في حال العمل على مواسم أخرى، بحيث يتم رمي مهمة التوضيح على المواسم اللاحقة، فيما يتم حصر هذا الموسم بمؤشرات لحضور مافيا دولية، تصل أذرعها إلى داخل سجن في سوريا، يقوم السجناء بتصفية بعضهم فيه، بهدف الكسب المالي أو الحصول على حريتهم خارج السجن، وخارج سوريا.

بين حين وآخر يريد المسلسل توجيه رسالة ما، تقرّبه من المضامين الإنسانية والفكرية، فتلك الأدوات في عمل المافيا هي لاجئون عبروا بحرًا إلى أوروبا هربًا من بلادهم، وباتوا يبحثون عمّا يقيهم قسوة الحياة. مآسيهم أدت إلى تمسّكهم بقيمة وحيدة باقية لهم وهي قيمة المادة التي ستعينهم على البقاء أحياء. يبدو الجميع ضحية ما حدث في سوريا، الفتاة الجميلة النقية التي باتت تبيع جسدها، والعاشق الشاب الذكي الرومانسي الذي أصبح قاتلًا مأجورًا، دون أن ينسى الكاتب والمخرج جزئية الفساد التي يبدو أنها لازمة لأي عمل سوري، لكي ينال التقييم بأنه جريء وغير تابع لأجندة رسمية، فنرى موظف المالية الفاسد والمرتبط بطريقة ما بالمافيا، والضباط الكبار الذين يبدون وكأنهم أذرع العصابات في بلادهم، تحضر أصواتهم أكثر مما تحضر وجوههم، هم دائمًا بعيدون عن الأضواء إلا أنهم المحركون الأساسيون للحدث الذي يقتل ويشرّد ويسجن.

الوسم، حسب قول صاحب فكرة العمل (قصي خولي) وبحسب ما يرد مباشرة في المسلسل، مختلف عن الوشم، بأنه يقع على جسد الحيوان لا الإنسان، في رسالة رمزية بأن الجميع هنا يعيشون كحيوانات ينهش بعضهم الآخر، فقدوا إنسانيتهم في بلد لم يعد أحد من سكانه قادرًا على الحفاظ على قيمه الإنسانية، إلا إذا قرر التخلي بشكل كامل عن حياته. الجميع هنا ضحايا، أما المجرمون الكبار فمجهولون، موجودون في بلدان كثيرة من العالم، غامضون لا يعرف أحد عنهم شيئًا، يشبهون المؤامرة الكونية حدّ التطابق.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي