من حلب إلى ماريوبول

  • 2022/04/03
  • 10:41 ص

إبراهيم العلوش

تدمير مدينة ماريوبول الأوكرانية على يد القوات الروسية وتهجير سكانها، أعاد إلى واجهة الأحداث تدمير مدينة حلب، وصار تدمير المدينتين مرجعًا للدلالة على الهمجية الروسية في تعاملها مع المدنيين، وأعاد للسوريين ذكرياتهم الخاصة عن سلسلة الدمار الروسية في بلادهم.

تعددت الذكريات عن الخدمات الروسية في الحرب ضد السوريين، اعتبارًا من مشاهد سقوط صاروخ “سكود” الروسي في الوسط التجاري للمدينة أو للحي، إلى خدمة الطائرة الروسية التي تناور وتنقض على الأبنية وتزيل بعضها من الوجود، وتحطم جوارها، ومناظر تساقط الشظايا على بعد  مئات الأمتار، في استعراض للقوة الروسية والكفاءة النارية العالية التي تسددها إلى الأحياء السكنية المتهمة بالإرهاب لعدم تأييدها لنظام الأسد، ورفضها الحكومة المنتخبة بطريقة الإجماع وبنسبة 99.9% الطريقة التي ورثها نظام الأسد من الاستفتاءات والانتخابات الستالينية.

ومع مشاهد الحصار التي تفرضها القوات الروسية على المدن الأوكرانية، استعاد السوريون ذكرياتهم عن الحصار في ريف دمشق وفي حمص، التي أحكم إغلاقها “حزب الله” والميليشيات الإيرانية في ظل الحماية الجوية الروسية، بطرق مبتكرة قاربت التفتيش على حبة الدواء ورغيف الخبز الواحد.

ومع إطلاق روسيا صواريخها الفرط صوتية على الأوكرانيين، تذكّر السوريون تصريحات الجنرالات الروس ووزير الدفاع، سيرغي شويغو، الذي كان يفاخر أمام العالم بأن روسيا جربت حوالي ثلاثمئة سلاح على الأراضي السورية (وعلى المدنيين السوريين) وفي وضع القصف الحي، وهذا ما روّج للسلاح الروسي الذي انتصر على سكان المخيمات وعلى المدارس والمستشفيات.

ولكن السلاح الروسي المجرّب في سوريا يتقهقر اليوم أمام الأسلحة التي يزوّد بها “الناتو” الأوكرانيين، وتتراكم العربات والمصفحات الروسية في الطرقات على شكل أكوام من الحديد المفكك، ولم تجرؤ الطائرات الروسية بعد شهر من الحرب على احتلال السماء الأوكرانية بشكل تام، فأنباء سقوط الطائرات والحوامات الروسية تتلاحق كل يوم بفضل الأسلحة الفردية المضادة للطائرات والمضادة للمدرعات، تلك الصواريخ المحمولة التي تم منع توريدها لـ”الجيش الحر” في سوريا حفاظًا على سلاسة القصف الروسي ضد السوريين.

ومع أنباء تحطيم الممتلكات الخاصة ونهب الجنود الروس للمتاجر، استرجع السوريون مناظر “التعفيش”، إذ نهبت قوات الأسد، وبحماية روسية، الأثاث المتبقي في البيوت من “ديوانات” وحصائر وسجادات وبرادات وأدوات إلكترونية، ولم يبقوا إلا الجدران وأحجار المراحيض التي تعسّر عليهم اقتلاعها بسرعة، وقد استولى الجنود حتى على الدجاج في القرى البعيدة. ولا يعرف أحد إن كان الجنود الروس قد افتتحوا أسواقًا لتصريف غنائمهم التي كسبوها في أوكرانيا، على شاكلة الأسواق التي افتتحها جنود الأسد في دمشق، واللاذقية، وطرطوس، وحمص.

ومع تداول الفيديوهات عن أوضاع بيوت الأوكرانيين المدمرة، استرجع السوريون رسائل “الواتساب” التي تأتيهم عن أحوال بيوتهم التي تحطمت، وصولًا إلى أخبار هدمها من قبل مقاولي البناء الجدد الذين يستثمرون في قوانين الاستيلاء على منازل الغائبين، واستيلاء “الشبيحة” والميليشيات الإيرانية على ما نجا من تلك البيوت. واسترجع الكثير منهم قرارات الاستيلاء على بيوتهم بحجة المعارضة، والإرهاب، تبريرًا لإعادة هندسة السكان.

روسيا اليوم بحاجة إلى هندسة السكان في المناطق التي استولت عليها من أوكرانيا، وقد تستلهم تجربة نظام الأسد وإيران في إجراءات التطهير السكاني، ولكن الروس لا يزالون في حالة تقصير في استنساخ تجربة “الشبيحة”، فرمضان قديروف وجماعته لا يشكّلون الكثافة “التشبيحية” التي شكّلها مؤيدو النظام والميليشيات الإيرانية، وحتى لو نقلت روسيا “الفيلق الخامس” كله مع قائده “النمر”، فهو لا يكاد أن يكون نقطة في بحر المسافات الكبيرة في أوكرانيا، ولعل انتفاء التمايز الديني بين روسيا وأوكرانيا حرم القوات الغازية من أهداف مقدسة تدافع عنها، كما فعلت روسيا في ادعائها الدفاع عن المسيحيين في سوريا أسوة بإيران التي تدّعي أن مجيئها من أجل حماية مزار السيدة زينب، والعتبات المقدسة التي زرعتها على عجل في معظم مدن الساحل السوري وفي حلب والجزيرة السورية.

السوريون في ذكرياتهم يسترجعون مناظر جحافل المهجّرين الذين لا يزالون يصلون حتى اليوم إلى الشمال السوري، بعد أن ملأوا البلدان المجاورة. وما أشبه بولونيا ورومانيا والمجر اليوم بتركيا والأردن ولبنان، وما أشبه الضياع الذي لاقاه السوريون بالضياع الذي ينتظر الأوكرانيين، فالنزوح والتهجير والحرمان من الحياة المعتادة، ومن العمل، والاضطرار إلى تعلم لغة أخرى، وقوانين عمل جديدة، وصعوبات الاندماج في مكان جديد، وفي ثقافة جديدة، من الأمور التي تزيد غربة المهاجرين، وتحيلهم إلى عبء على الآخرين مهما كانت درجة الترحيب بالنازح أو المهاجر، هذا إن دام الترحيب أكثر من أشهر قليلة.

بوتين ووزير خارجيته لافروف ووزير دفاعه شويغو، ومرتزقته من عصابات طباخه بريغوجين، ووكالاتهم الإخبارية الكاذبة، شكّلوا كارثة حلّت على السوريين منذ العام 2015، وها هم يعيدون صناعة كارثة جديدة تعصف بحياة الأوكرانيين ومستقبلهم ومستقبل بلادهم، وصاروا يهددون السلام في أوروبا وفي العالم عبر تلويحهم باستعمال الأسلحة النووية.

مصير حلب الذي يشابه مصير ماريوبول يدفعنا للطلب من العالم الحر المتحد في وجه القيادة الروسية معالجة الآلام السورية مع الآلام الأوكرانية، ونأمل أن يتم ضم ملفات جرائم الحرب الروسية في سوريا، إلى ملف جرائم الحرب في أوكرانيا الذي تعدّه الدول الغربية لمحاسبة القادة الروس.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي