خطيب بدلة
بينما أنا أقرأ، في صحيفة “عنب بلدي”، التفاصيلَ الخاصة بقانون تجريم التعذيب، الصادر مؤخرًا عن مجلس الشعب السوري (الذي يلقبه بعضُ السوريين: مجلس التصفيق والدبكة)، إذ خطر في بالي توجيه نداء عاجل إلى جميع السوريين الذين لم يتعرضوا للتعذيب بعد.
إنهم قوم محظوظون، بالطبع، فالمثل الشامي يقول “اللي ما داق المغراية، ما بيعرف شو الحكاية”، بمعنى أن مَن لم يَسُقْهُ حظه العاثر للوقوع في براثن المخابرات السورية، يستحيل عليه أن يتخيل فظاعة الألم الجسدي والنفسي الذي ينتج عن التعذيب في هذه البلاد المنكوبة، ولذا، سأقترح عليهم، ضمن هذا النداء، النزولَ إلى الشوارع فورًا، وأن ينصب الرجال حلقات الدبكة، أسوة بمجلس الشعب الذي أصدر هذا القانون، بينما تختص النساء بإطلاق الزغاريد، وإذا كان الرفيق أبو قدور موجودًا بينهم، وغنى له المطرب “فردَكْ ستندر يا أبو قدور”، فليبادر إلى تلقيم فرده، وسحب مشطين من الرصاص في الهواء، شريطة أن يؤازره حاملو المسدسات والروسيات الآخرون، ويطلقوا من الرصاص ما يكفي لتحرير 1% من الجولان الذي تسبب والدُ رئيسهم بخسارته، لمصلحة العدو الصهيوني الغاشم.
ومن الإجراءات التي أقترح على المحتفلين بالنجاة من التعذيب اتباعها، توجيهُ رسالة شكر، خاصّ ناصّ، للرفيق أحمد الكزبري، رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب، على تصريحه الرائع لراديو “شام إف إم”، الذي علل فيه تأخرَ إصدار القانون، خلال السنوات العشر الماضية، بظروف الحرب، وهو يقصد الحرب الكونية التي شاركتْ فيها الدول والكواكب والمجرات، على الرئيس بشار الأسد، على أمل إسقاطه، ولكنه ما سقط.
ولعل الشيء المضمر، أو المسكوت عنه في تصريح الكزبري، أن النظام السوري الممانع كان يحارب الإرهاب، بالإضافة إلى عشرات الجبهات التي فتحتها عليه الدولُ الداعمة للإرهاب، إلا أنه لم يقم بتعذيب أحد، والحمد لله! وكأنه يقول لنا نحن المواطنين: صحيح أنه لا يوجد لدينا وقت لإصدار قانون يجرّم تعذيبكم، ولكن عليكم الأمان، ووالله إن مَن يرميكم بوردة، مستعدون أن نضربه بالكيماوي.
وإذا جئتم للحق، أيها الإخوة، فإن معظم المسؤولين السوريين يمتلكون الحرص الذي يمتلكه الكزبري على سلامتهم، بدليل الحادثة التي رواها محمد برو في كتابه “ناجٍ من المقصلة”، وتحكي عن سجين في سجن “تدمر”، خلال الثمانينيات، اسمه خلدون الصباغ، عذبه أحدُ العناصر حتى فارق الحياة، ولكن مدير السجن، فيصل الغانم، لم يسكت، إذ أحضر العنصر المذكور، وقال له: بشرفي يا كواد، إذا بتعيدها لأحلق شعرك على النمرة صفر! وأنتم تظنون أن الغانم إنسان فارغ، يهدد بالعقاب ولا يعاقب، أبدًا، بل إن له فلسفة لا يمكن أن يمتلكها مدير سجن سياسي في أي بلد في الألم، بدليل أنه كان، ذات مرة، يشرح فلسفة حافظ الأسد، المتعلقة بأن يكون كل مواطن سوري مشاركًا في المعركة ضد العدو، فتقدم منه شاب، وقال له: لماذا لا تطلقون سراحنا، وتسلحوننا، وترسلوننا إلى الجبهة، لنقاتل العدو الصهيوني الغاشم؟
فقال له: لا يا ابني. هذا غير ممكن. فأنت دورك في المعركة “سجين”!