تشهد أسعار السلع في إدلب موجات غلاء متسارعة خلال آذار الحالي قبيل شهر رمضان، يُترجم هذا الغلاء إلى تهديد مباشر للعائلات بانعدام الأمن الغذائي، وسوء التغذية، وتدهور الأوضاع الصحية.
يتحقق الأمن الغذائي على المستويات الفردية والأسرية عندما يتمتع السكان كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول، المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم وتناسب أذواقهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية.
هذه المعطيات لا تتحقق عند أغلبية العائلات في مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، ومنها عائلة محمد منصور (31 عامًا)، عامل المياومة في مجال البناء، الذي يعمل “ليلًا نهارًا” من أجل نجاه أسرته من هذه الظروف المعيشية القاسية.
12 ساعة يوميًا مقابل 100 دولار شهريًا
يعمل محمد منصور حوالي 12 ساعة يوميًا، لتحصيل مبلغ يقترب من 100 دولار شهريًا، إلا أن محفظة العامل الثلاثيني تفرغ عند اقتراب الشهر من منتصفه، خصوصًا في أيام الشتاء الباردة وارتفاع أسعار مواد التدفئة.
يتقاضى محمد حوالي ثلاثة دولارات يوميًا، في حين ترتفع معظم أسعار المواد الغذائية الأساسية في المدينة، ولا يتمكّن من تخفيف حدة هذه المشكلة، “لا من خلال توفير تدخلات المنظمات الغذائية، ولا من خلال إدارة حكومة (الإنقاذ) بمعالجة هذه المشكلة”.
السياسات المتخبطة والفقر ومعوقات الوصول إلى إنتاج زراعي يناسب احتياجات السوق عمومًا، تمثّل تحديات أمام الشمال السوري في تحقيق الأمن الغذائي للسكان.
وقلة الطلب على اليد العاملة جعلت أجور العمل تصل إلى أدنى مستوياتها في المنطقة، ما جعلها لا تتناسب مع أسعار السلع الأساسية في السوق، وبالتالي تسبب بعجز الأسر عن توفير الاحتياجات الأساسية.
تتسع آثار المشكلة أكثر مع اتساع نطاقها الزمني، المرتبط بدوره مع استمرارية الفقر والدخل المنخفض، مع انهيار اقتصادي ينذر، بحسب دراسات بحثية، بانعدام أمن غذائي طويل الأمد، بوجود محدودية توفر الأغذية الكافية والمأمونة غذائيًا، أو محدودية القدرة على الحصول على المواد الغذائية بطرق مقبولة اجتماعيًا.
يحتاج عامل المياومة في إدلب إلى 65 يومًا لكسب التكلفة الشهرية من أجل تأمين الاحتياجات الأساسية، بحسب تقارير مبادرة “REACH” الإنسانية.
وتعتمد 85% من عائلات المناطق في شمال غربي سوريا في دخلها المادي على الأجور اليومية، ويعاني 94% من العائلات من عدم القدرة الشرائية للوصول إلى تأمين الاحتياجات الأساسية.
ومن إجمالي عدد السكان البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة في المدينة، يقدّر أن حوالي 2.7 مليون نازح يعتبرون أشخاصًا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، بحسب تقارير مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).
شبح الغلاء يلاحق الأطفال
سناء الحسن (35 عامًا)، تعمل متطوعة في مجال حماية الطفل ومشاركة في المنظمات الغذائية، قالت لعنب بلدي، إن “وجوه الأطفال في إدلب مصفرة وشاحبة على الدوام من سوء التغذية، وغالبًا ما يكونون بحاجة إلى فيتامينات غير متوفرة أو غالية الثمن، ما يهدد بنيتهم البدنية ويترك آثارًا لا تزول في المستقبل”.
كما يجب تهيئة بيئة داعمة لتنفيذ خطط في مجالي الغذاء والتدخلات الصحية الغذائية الخاصة بالأمهات والرضع والأطفال، وأن تكون ذات أولوية عالية وفورية من أجل مواجهة هذه المشكلة، إضافة إلى رصد وتقييم تنفيذ هذه الخطط والبرامج، وفق ما أوصت به العاملة في مجال الإغاثة.
ويرتكز الأمن الغذائي على أربعة أبعاد حددتها منظمة الأغذية والزراعة (FAO) التابعة للأمم المتحدة، وهي توفر الغذاء وإمكانية الحصول عليه، واستخدامه، واستقراره.
مجموعة عوامل معقدة
لا يبدو أن هناك حلولًا تلوح في الأفق لهذا الخطر القائم الذي يواجه السكان في مدينة إدلب.
واعتبر الخبير الاقتصادي السوري منذر الموسى، أن هناك أسبابًا عديدة للتداول الاقتصادي وغلاء الأسعار في إدلب، أهمها النزاع الطاحن الذي لا يزال قائمًا منذ أكثر من عقد، وعدم وجود حل سياسي يجنّب السوريين ارتفاع معدل الجوع في مدنهم، وغياب وسائل الرقابة الفعّالة لحماية المستهلك في إدلب، وعدم وجود جهة حكومية تدعم السلع الرئيسة يلعب دورًا في تفاقم هذه المشكلة، وفق ما قاله الخبير الموسى لعنب بلدي.
ويتأثر الأمن الغذائي كذلك بمجموعة معقدة من العوامل، إذ تحول البيئة غير المستقرة اجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا دون تحقيق التنمية الاقتصادية والمعيشية، وتتسبب بضيق في الموارد الطبيعية، الأمر الذي يضعف قاعدة الإنتاج والتصدير، ويضعف أيضًا مهمة الكفاءات البشرية بغربلة المشكلة وتفكيكها لمعالجتها.
–