توفي أحد رموز حكومة الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، عبد الحليم خدام، في 31 من آذار عام 2020.
وكان ينظر إلى خدام على أنه خليفة محتمل لحافظ الأسد، لكنه بدلًا من ذلك ساعد نجل الأسد، بشار، على إحكام قبضته على السلطة بعد أن تولى منصبه في حزيران 2000.
وفي الأيام التي أعقبت وفاة الأسد الأب، دفع خدام بمراسيم برفع رتبة بشار العسكرية إلى رتبة فريق (متجاوزًا رتبتي العميد واللواء) وجعله قائدًا للقوات المسلحة.
بدأ خدّام، حياته السياسية كحاكم للقنيطرة وحماة ودمشق بعد وصول حزب “البعث العربي الاشتراكي” إلى السلطة عام 1963.
كان هذا صعودًا سريعًا لرجل انضم للحزب في سن الـ17 وانتخب في غضون سنوات سكرتيرًا لفرع دمشق ثم عضوًا في القيادة الإقليمية الحاكمة.
وكان خدام محاميًا، وشغل منصب وزير الخارجية السورية لمدة 14 عامًا قبل أن يصبح نائبًا للرئيس عام 1984.
كما شارك في تشكيل السياسة السورية في لبنان، حيث كان النظام السوري القوة الرئيسية في لبنان، إلى أن أُجبر على سحب قواته عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.
بعد مغادرته سوريا إلى فرنسا عام 2005، انتقد خدام فساد حكومة النظام وفشلها في الإصلاح.
وقال إن الأسد هدد رفيق الحريري قبل أشهر من وفاته، وهي عملية اغتيال وجهت فيها محكمة تدعمها الأمم المتحدة لاحقًا لائحة اتهام ضد أربعة أعضاء من جماعة “حزب الله” اللبنانية.
ومن العاصمة الفرنسية باريس، حاول خدام لعب دور في معارضة الأسد لكنه كافح لكسب ثقة المنشقين الآخرين بسبب عمله لسنوات طويلة في حزب “البعث”.
وبعد اندلاع الثورة السورية ضد بشار الأسد في عام 2011 ، قال خدام إن على السوريين حمل السلاح دفاعًا عن النفس ما لم يتدخل العالم لحمايتهم.
واتهم بشار الأسد، وعائلته بإثارة الفتنة الطائفية.
خدام.. الثروة للسيطرة
وفي شباط الماضي، كشفت تسريبات مصرفية نُشرت تحت مسمى “Suisse Secrets” لأحد أكبر البنوك في سويسرا “Credit Suisse” تفاصيل تفيد بأن خدام تمكّن من جمع عشرات الملايين من الدولارات بحسابه البنكي في “Credit Suisse”، وأسهمت أمواله في بناء شركات وقصور فخمة وهي ثروة مذهلة لموظف عمومي.
وأقام خدام صداقة مع الحريري، لدعم ترشحه الناجح في أثناء رئاسته لمجلس الوزراء اللبناني عام 1992.
كان الحريري معروفًا بتوطيد علاقاته بالمال، ولم تكن صداقته مع خدام استثناء.
قال مسؤول سوري رفيع المستوى سابقًا لـ”مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)، إن خدام “سيطر على لبنان من خلال الحريري”، الذي بدوره قدم له حسنات.
واستذكر لقاءه بخدام في دمشق، حيث كان نائب الرئيس “يعيش حياة أسطورية”.
وقال المسؤول السابق، إن خدام اشتهر بمستوى من الفساد كان واضحًا للغاية لدرجة أنه “لا يحتاج إلى وثائق” ليتم إثباته.
ظهرت اتهامات أخرى ضد خدام بعد اغتيال الحريري خلال رئاسته الثانية للوزراء في عام 2005، وهي جريمة قتل نُسبت على نطاق واسع إلى النظام السوري.
في العام التالي، انشق خدام عن النظام السوري، بقيادة رئيسه الحالي بشار الأسد، وهرب إلى باريس.
وردًا على ذلك، بدأ المسؤولون السوريون بتسريب تفاصيل تعاملاته السابقة.
وقال مسؤولون في إيجاز مع الصحفيين، إن خدام أخذ حوالي 500 مليون دولار من الحريري على مدى عقدين، بعضها في شكل منازل ويخوت وأموال في حسابات مصرفية فرنسية ولبنانية وسويسرية.
كما ذكرت وسائل إعلام سورية أن خدام تلقى رشى في الثمانينيات، للسماح لفرنسا وألمانيا بدفن النفايات المشعة في الصحراء.
تؤكد تفاصيل الحساب الخاص بخدّام، والذي كان يملكه بالاشتراك مع زوجته وأبنائه الثلاثة، أن العائلة راكمت بالفعل ثروة كبيرة عندما كان خدام في منصبه، وفتح الحساب في عام 1994، ووصل إلى أعلى رصيد له بما يقرب من 90 مليون فرنك سويسري في أيلول 2003.
توفي خدام في عام 2020، ولم يستجب أبناؤه للمكالمات الهاتفية أو الطلبات المتكررة للتعليق، المرسلة عبر البريد الإلكتروني والرسائل النصية.
كان خدام واحدًا فقط من بين العديد من النخب العربية التي استخدمت سويسرا لتخزين ثروته لسنوات، جعلت السرية المالية للبلاد والاستقرار النسبي فيها وجهة شهيرة للأموال المشروعة وغير المشروعة.