فنادق تتحول إلى سجون بعد تحميلها أكثر من طاقتها الاستيعابية
النازحون ينعشون الإشغالات الفندقية في دمشق
عنب بلدي – اقتصاد
مع استمرار النزيف الاجتماعي والاقتصادي بعد اندلاع الثورة، تغيّرت معالم الاقتصاد السوري وبات “اقتصاد الحرب” المعتمد على العنف في كثير من جنباته هو المسيطر، والذي ولّد شخصيات وشبكات طفيلية تقتات على دخول المواطنين السوريين، الذين تحولوا مع طول مدة الصراع إلى “طعم” بعد إصرار حكومة النظام على رفع أسعار كل شيء وإيهام من حولها بأن لا شيء يهدد أمن المواطن الغذائي المقتصر على الحاجيات الأساسية.
كانت السياحة قبل العام 2011 إحدى أهم الأعمدة التي ترتكز عليها الخزينة العامة للدولة في الإيرادات، ففي العام 2010 قصد سوريا حولي 5 ملايين سائح أنفقوا حوالي 6 مليارات دولار وفق الأرقام الرسمية، وتشكل 14% من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 400 مليار ليرة سورية، إذ ساعدت هذه المبالغ في تدعيم الاقتصاد وتعزيز استقرار سعر الصرف إلى جانب الصادرات.
لكن ومع بداية الثورة، تغيرت المعادلة، وكان للعقوبات الغربية والعربية على النظام السوري دور في الحد من قدوم الأجانب والعرب معًا، وهذا حدّ بدوره من إيرادات النظام.
هنا بدأ البحث عن مصادر مالية جديدة لسد العجز، وبات رفع أسعار المواد الغذائية والمحروقات وفرض مزيد من الضرائب حلًا مجديًا.
في دمشق: سياح لا لاجئين
مع بداية الأعمال العسكرية بدأ المواطنون بالنزوح عن بلداتهم بسبب العنف، ووجدوا في مراكز المدن الرئيسية كدمشق وحلب ومدن الساحل مقرًا مؤقتًا ريثما يعودون إلى بيوتهم التي تركوها خلفهم.
وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، بلغ عدد النازحين السوريين داخل سوريا 4.25 ملايين شخص مع نهاية 2014، وقال المتحدث باسم المكتب جينز لايركي إنّ “حركة تنقل النازحين داخل البلاد لا تزال واسعة النطاق وغير محددة نظرًا لأن العديد من السوريين ينزحون عدة مرات”. مشيرًا إلى أن غالبية النازحين داخل البلاد يتركزون في مدينة حلب حيث يبلغ عددهم 1.25 مليون شخص، تليها مناطق ريف دمشق حيث يبلغ عددهم 705200 شخص.
ومع ازدياد حركة النازحين الوافدين من مناطق ساخنة وعدم وجود مساكن وعقارات جاهزة تلبي الطلب على المساكن، لجؤوا إلى الفنادق التي عاملتهم كسياح لا كلاجئين فارين من ويلات الحرب، كما يقول مواطنون لعنب بلدي. إذ بقيت أسعار المبيت نفسها وهي نفس الأسعار التي وضعتها وزارة السياحة سابقًا.
وزاد الأمر سوءًا غياب الرقابة الرسمية من حكومة النظام عن أسعار هذه الفنادق وسط خدمات سيئة، لكن الوزارة بقيت تعلن عن مراقبة الأسعار والجودة عبر مديرياتها في المحافظات لمراقبة التقيد بالأسعار.
ووفق أرقام الوزارة بلغ عدد الضبوط المنظمة بحق المنشآت السياحية المخالفة خلال العام الماضي، 450 ضبطًا على مستوى المحافظات، كما بلغ عددها منذ بداية 2015 وحتى نهاية شباط الماضي 75 ضبطًا.
الأسعار تتحرك مع الدولار
نظرًا للإقبال الكثيف على هذه المنشآت بدأت الأسعار تتحرك صعودًا مع ارتفاع الأسعار والدولار، واليوم يبلغ سعر غرفة المبيت في فندق نجمة واحدة وسط ساحة المرجة بين 2000 و3000 ليرة سورية، ومن سوية النجمتين والثلاثة نجوم 3500 إلى 4000 ليرة حسب الإقبال وعدد الوافدين يوميًا.
أما فنادق الأربعة والخمسة نجوم وسط دمشق، والتي حجزت المنظمات الدولية والأمم المتحدة أغلب أجنحتها، فيبلغ سعر الليلة الواحدة حوالي 150 دولارًا كأدنى حد أي حوالي 59 ألف ليرة (الدولار يعادل 390 ليرة).
الحال نفسه ينسحب على إيجارات الشقق المفروشة والعادية، وبات سباق رفع الأسعار على أشده بين أصحاب المكاتب العقارية والسماسرة في مناطق وسط دمشق، فالإيرادات عالية والطلب على العقارات في أعلى مستوياته، فالشقة التي كانت أجرتها الشهرية 15 ألف ليرة قبل الثورة أصبحت الآن بحدود 80 إلى 100 ألف ليرة في المدينة وبعض مناطق الريف كمشروع دمر وضاحية قدسيا وصحنايا.
النوم في الحدائق
ونظرًا لارتفاع أسعار المبيت في هذه الفنادق وعدم قدرة النازحين على السداد بعدما خسروا مصادر رزقهم، باتت العمارات المهجورة وأقبية الأبنية ولاحقًا الحدائق، ملاذًا لنازحين لا يملكون الأموال اللازمة للنوم في شقق أو فنادق. أمام هذه الحالة افترشت ساحات دمشق وحدائقها عائلات مهجّرة، من مختلف المناطق السورية، واليوم يزداد الوضع سوءًا مع قدوم فصل الشتاء خاصة لأولئك الذين لا يملكون بيتًا أو أقرباء يمكن اللجوء إليهم طلبًا للمساعدة.
العامل حسن زين الدين، 50 عامًا، قادم من المنطقة الشرقية وتحديدًا من مدينة الميادين في دير الزور، لم يجد أي مكان للإقامة في دمشق بعد أن امتنعت الجهات الأمنية عن إعطائه الموافقة للاستئجار في أي منزل أو شقة في قلب دمشق، ما اضطره للمبيت في فنادق المرجة ذات الوضع المزري والأسعار المرتفعة.
يصف زين الدين الغرفة التي يستأجرها في أحد الفنادق بالسجن، ويقول “اضطررت للسكن أنا وعائلتي مع أختي وزوجها وابنة أختي وزوجها وأولادهم التسعة في غرفة واحدة، لا نملك الأموال الكافية لكي يسكن أحد منا في غرفة مفردة، ما يدفعنا طيلة اليوم للجلوس في الحدائق خارج هذه الغرفة، ولا نعود إلى هذا السجن الا في ساعة النوم”.
السياحة الدينية تغري النظام لكسب مزيد من الإيرادات
400 ألف ليلة فندقية لأغراض السياحة الدينية في دمشق
رغم انعدام السياحة فعليًا، إلا أن وزارة السياحة بقيت تعدّ السياح القادمين إلى سوريا برًا وجوًا، وخاصة من العراق وإيران لأغراض السياحة الدينية، ما أنعش ليالي المبيت في مناطق محددة بدمشق كالمدينة القديمة والسيدة رقية وزينب وغيرها.
وهدفت الوزارة من التركيز على هذا النوع من السياحة إلى تحقيق المزيد من العائدات المادية في ظل انتهاء السياحة التقليدية، وقال وزير السياحة بشر يازجي، إن “السياحة الدينية ارتفعت 11% عن العام الماضي 2014، بينما وصلت نسبة الوصول عبر المنافذ الجوية 200%”.
ونقلت صحيفة تشرين، عن الوزير أن عدد الليالي الفندقية بلغ 300 ألف ليلة، متوقعًا أن تصل نهاية العام إلى 400 ألف ليلة، وخاصة أنه يوجد في الفترة المقبلة موسم ديني في منطقة السيدة زينب.
أما مدير سياحة ريف دمشق، طارق كريشاني، فذكر أن سوريا استقبلت 50 ألف سائح من العراق، وأنه يوجد 10 فنادق عاملة حاليًا كما أهلت 5 فنادق في منطقة السيدة زينب، مشيرًا إلى أن الوفود القادمة إلى سوريا هي في أغلبها من بلدان العراق وإيران والخليج، إلى جانب عدد من الطلبات من الهند والباكستان وأفغانستان وبريطانيا.
ووفق أرقام الوزارة الرسمية بلغت إيرادات السياحة الدينية منذ بداية العام 2015 وحتى نهاية آب ملياري ليرة لنحو 225 ألف زائر، من لبنان والعراق والكويت والبحرين والسعودية.
السياحة الداخلية
بالتوازي مع الجهود لتفعيل السياحة الدينية، ركزت الجهود الرسمية على ملف السياحة الداخلية أيضًا، نظرًا لامتناع العرب والأجانب عن القدوم إلى سوريا، فعقدت ورشات وندوات ترويجية وأعيد النظر في أسعار خدمات جديدة، وكل ذلك من أجل تنشيط قطاع “ميت” أصلًا، وبدأت شركات خاصة تسيّر رحلات ترويجية من دمشق إلى طرطوس واللاذقية ومشتى الحلو، وقدرت بيانات وزارة السياحة في 2012 نسبة السياحة المحلية مقابل الدولية بحوالي 40%.
ويحظى الساحل ومدنه بالنصيب الأكبر من السياحة الداخلية، ويذكر تقرير للمجلس العالمي للسياحة والسفر، نشرته سانا (وكالة الأخبار الرسمية التابعة للنظام)، أنَّ موارد سوريا من السياحة الداخلية ارتفعت إلى 75 مليار ليرة في 2012، مقابل 50 مليار العام الذي قبله.
توقف نصف مليون مشروع
انكماش الاقتصاد، وتراجع السياحة كأحد أهم نتائج الحالة السورية الراهنة، ساهمت بتراجع الناتج الاقتصادي الإجمالي لسوريا بين 50-65% على الأقل، وفق تقرير لمركز تشاتام هاوس للدراسات العام 2015.
وتشير الأرقام الرسمية إلى حجم الخسائر التي تعرض لها قطاع السياحة ومدى تضرر المنشآت السياحية والاستثمارات في أغلب المدن السورية التي شهدت اقتتالًا وأعمال عنف، فوزارة السياحة ترصد “توقف نحو 544 مشروعًا سياحيًا عن التنفيذ خلال فترة الأزمة، منها 451 مشروعًا في المحافظات التي شهدت ظروفًا أمنية صعبة، و93 مشروعًا في محافظات طرطوس واللاذقية والسويداء“.
كما بلغ عدد المنشآت السياحية المتضررة 320 لغاية الأول من كانون الأول 2014 في جميع المحافظات، ما عدا الرقة ودير الزور، أي بنسبة تضرر بلغت 12% من إجمالي المنشآت السياحية، فيما تقدر قيمة الأضرار في هذه المنشآت حوالي 10.7 مليارات ليرة سورية، نسبتها الأعلى كانت في حلب ثم إدلب وريف دمشق ودرعا واللاذقية. أما بالنسبة للأضرار التي لحقت بالمباني والمنشآت السياحية العائدة للوزارة فتقدر بـ 7.2 مليار ليرة.
خسارة اليد العاملة
نتيجة لهذه الأضرار وتدهور مؤشرات القدوم إلى سوريا، فقدت السياحة السورية أكثر من 4 آلاف فرصة عمل جديدة، وفي المقابل قدرت أعداد العاطلين من القطاع بـ 38 ألفًا، كانوا يعملون في المطاعم والفنادق، و114 ألفًا كانوا يعملون في القطاعات والأعمال المتعلقة بالسياحية، وفق الأرقام الرسمية.
أسواق جديدة وعقبات
تحاول وزارة السياحة إيجاد أسواق جديدة لجذب السياح في ظل الحرب، لكن هذه السياحة ليست سياحة حرب، بل جذب سياح لمناطق آمنة تسيطر عليها قوات النظام، إذ بدأت بوضع الخطط الرامية لتحقيق هذه الغاية فكانت أسواق العراق ولبنان وإيران وروسيا الوجهة الجديدة، “تعمل الوزارة على الترويج للأماكن الدينية إضافة إلى وضع برامج سياحية للسوقين الإيراني والهندي ومسارات أخرى للسياحة الدينية المسيحية يمكن أن تجذب أعدادًا كبيرة من الخارج لاسيما الأسواق الصديقة كالسوق الروسي“، كما يقول وزير السياحة بشر يازجي.
إلا أنّ أبرز التحديات التي تواجه عمل السياحة من وجهة نظر يازجي “ترتبط بارتفاع حجم التمويل لإعادة إعمار المنشآت والمباني السياحية التابعة للقطاعين العام والخاص، وضعف استجابة القطاع المصرفي فيما يتعلق بسياسات الإقراض“.
ومن العقبات أيضًا، الآثار السلبية على استقرار الأسعار وتمويل المشاريع السياحية، وتراجع الاهتمام الحكومي بالقطاع السياحي لمصلحة قطاعات أكثر أولوية، واستمرار تراجع الحركة السياحية وانعكاسها سلبًا على العائدات السياحية وعلى العمالة في المنشآت السياحية، إضافة إلى زوال مواقع أثرية سياحية بكاملها وعدم القدرة على استعادة الكثير من المقتنيات الأثرية التي فقدت خلال الأزمة.
انخفض عدد السياح بشكل كبير وتراجع من 4.832 ملايين سائح في الثمانية أشهر الأولى من عام 2010 إلى زهاء 400 ألف في الفترة ذاتها من العام الحالي 2015. وزارة السياحة في حكومة النظام
بلغت إيرادات الفنادق والمطاعم 1.760 مليار ليرة سورية عام 2013 بعدما كانت 142 مليار ليرة في عام 2010.
وزارة السياحة في حكومة النظام
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :