الأهالي يبعدون أطفالهم من أمام المطاعم والمنافسة تخفض الأسعار
الشاورما تعود إلى مدن غوطة دمشق المحاصرة
عنب بلدي – الغوطة الشرقية
في ظل انقسام السوريين سياسيًا بين مؤيد ومعارض، ثمة أمور توحدهم في خضم صراع يمتد منذ أكثر من 4 سنوات، وليس غريبًا أن يكون أحد القواسم المشتركة بين كلا الفريقين أكلة “الشاورما” الشعبية.
ففي مناطق سيطرة النظام، دأبت خلال الفترة الماضية وسائل الإعلام على استخدام هذه الأكلة في الترويج لسوريا على أنها وجهة سياحية تتميز بالعراقة، داعية العرب والأجانب للقدوم إلى سوريا “النظام” لتناول الشاورما.
ويبلغ سعر السندويشة في العاصمة بين 250 إلى 400 ليرة سوريا، بعدما كان سعرها 35 إلى 50 ليرة في العام 2011. ورغم ارتفاع سعر الأكلة الشعبية، استغلت حكومة النظام انتشار المطاعم وازدياد إقبال المواطنين عليها، فأصدرت قبل أيام قرارًا جديدًا بفرض ضريبة على فواتير السندويش بنسبة 10%، تحت اسم “ضريبة إعادة إعمار”، فسرها مراقبون بأنها وسيلة لتدعيم خزينة النظام المتهالكة.
عودة مطاعم الشاورما إلى الغوطة
الحال مختلف كليًا في غوطة دمشق، فرغم توفر الشاورما مؤخرًا إلا أن سعرها “الكاوي” يحرم السوريين منها، وكثير من المواطنين لا يملكون ثمن سندويشة واحدة، حتى إن بعضهم لا يملك ثمن “عظام الفروج” والتي يمكن أن يستفاد منها في الطبخ، كما يقول أحد المواطنين لمراسل عنب بلدي.
فبعد ثلاث سنوات “عجاف” مرت على مدن وبلدات الغوطة الشرقية إثر الحصار المطبق المفروض عليها من قبل النظام، فقد معظم الأهالي أعمالهم ووظائفهم، ما زاد من المعاناة التي يعيشونها في مناطقهم.
لكن إحدى الفئات الأكثر تضررًا من بين الأعمال الحرة، وهي أصحاب المطاعم ومحال الوجبات السريعة، كالشاورما والفروج المشوي، استأنفت عملها في المدينة متحدية الصعوبات في ظل الحصار.
عنب بلدي تحدثت إلى “أبو كمال”، ويملك محلًا لبيع الشاورما في مدينة دوما، وقال “استطاع تاجر منذ أشهر قليلة إدخال سلع غذائية متنوعة وبأسعار معقولة نوعًا ما، إذ كانت نادرة خلال السنوات الماضية”.
وأشار أبو كمال في حديثه إلى أن المستلزمات والمقومات الأساسية لبدء العمل في محله أصبحت متوفرة، كالغاز ولحوم الدجاج “التي نسيها أهالي الغوطة الشرقية منذ زمن”، مردفًا “أعمل في محلي وأكسب قوت يومي ولو كان قليلًا فهو من يبقيني على قيد الحياة”.
انتشار المطاعم خفض السعر
وتتباين أسعار الفروج والشاورما مقارنة مع الأسعار التي يلتزم بها تجار وأصحاب مطاعم مدينة دمشق، وفي هذا الصدد قال هاني، وهو طالب في المرحلة الثانوية، “قبل عدة أشهر ومع افتتاح أول محل لبيع الشاورما والفروج في مدينة حمورية وصل سعر الفروج إلى 6 آلاف ليرة سورية بينما كنا نشتري سندويشة الشاورما بألف ليرة”.
هاني لفت في حديثه لعنب بلدي إلى أن كثرة المطاعم واشتداد المنافسة بين أصحابها خفض من سعر الفروج المشوي إلى النصف حاليًا ليصبح ثمنه 3 آلاف ليرة سورية، بينما تبيع المحال سندويشة الشاورما بسعر 350 ليرة.
فصائل تملك مطاعم لبيع الشاورما
في لقاء مع أحد المدنيين المطلعين في مدينة دوما (رفض نشر اسمه)، قال إن عددًا من الفصائل التي “تدير أنفاقًا في الغوطة الشرقية”، افتتحت محالًا بهدف التجارة، بينها محال بيع الشاورما والفروج.
وعزا المصدر لجوء بعض الفصائل لهذه التجارة إلى أنها “تستطيع تأمين جميع لوازم المشروع من المدن التي عقدت مصالحات أو هدن مع قوات النظام عبر الأنفاق التي تسيطر عليها”.
الشاورما مرة في الشهر
أبو رامي (معلم سيخ شاورما) يعمل في مدينة سقبا، تحدث لعنب بلدي عن صعوبات إيجاد اليد العاملة الخبيرة، “اللقمة الطيبة بدها يد طيبة، ومو مين صف صواني صار حلواني”، مشيرًا إلى أن استمرارية عمل المطعم “يعتمد على جودة ما يقدمه ولذته”.
“أطلب من أبي دائمًا شراء الشاورما من المطعم الجديد في حينا، الذي يرتاده الناس يوميًا ولكنه يرفض”، يقول الطفل عمار، وهو تلميذ في الصف الرابع، مردفًا “يقول لي أبي: لقمته مو طيبة وما بيعرف يساوي شاورما على أصولها بس يرجع يفتح محل الوليد (محل مشهور لبيع الشاورما في سقبا)، رح اشتري لك من”.
فئات أخرى من أهالي الغوطة الشرقية تحدثوا عن الأمر ذاته. أبو فارس، وهو صاحب “بسطة” صغيرة في المدينة، قال إنه اضطر مؤخرًا لشراء الشاورما لعائلته المؤلفة من 4 أفراد بعد بكاء ابنته البالغة من العمر 8 سنوات وطلبها المتكرر، معتبرًا “الشاورما في الغوطة الشرقية من الرفاهيات”.
أما أبو عبدالله، وهو موظف من مدينة دوما فاعتبر أن انخفاض أسعار المواد والفروج هو الذي مكنه من شرائها لعائلته مرة في الشهر “ليفرحوا بها”، وأردف “العديد من الناس هنا لا يستطيعون شراءها بسبب قلة دخل الفرد وتوقف الغالبية عن العمل”.
أبو محروس يعمل في فرن للخبز الصاج توقف عن العمل منذ فترة، قال لعنب بلدي “لا أستطيع شراء الشاورما رغم توفرها في المدينة بشكل كبير لأنني عاطل عن العمل ولا أملك ثمنها”.
العاصمة وريفها… واقع غير عادل
في الوقت الذي تنشر وسائل إعلام النظام، وخاصة التلفزيون الرسمي، تقارير عن الشاورما وضرورة تذوق السياح لها (في حال قدموا إلى سوريا)، تبدو طريقة الإعلان عنها بين مناطق النظام والمعارضة بريف دمشق غير عادلة، فمن يقصد المطاعم في مناطق النظام يبدو أنه مرتاح، فلا قصف ولا براميل محتملة تجعل سندويشة الشاورما غداءه الأخير، كما أن الحالة المادية والقدرة الشرائية أكبر في مناطقه، حيث لا يزال معظم سكان العاصمة يزاولون أعمالًا تؤمن لهم دخلًا، يساعدهم في التنزه وزيارة المطاعم ولو مرة أسبوعيًا.
بينما يقول بعض الأهالي الذين التقتهم عنب بلدي في مدن الغوطة الشرقية إنهم يفضلون عدم المرور من أمام المطاعم ويبعدون أطفالهم عنها، درءًا لشهوة لا يمكن قضاؤها، إذ لا عمل ولا مال.
وشهدت الغوطة الشرقية العام الماضي ارتفاعات قياسية في الأسعار في ظل الحصار، فارتفع سعر ربطة الخبز الواحدة إلى 400 ليرة سورية، وتضاعف سعرها لتصبح 950 ليرة في أسواق عدد من المدن والبلدات كعربين، كما وصل سعر كيلو الرز إلى ألف ليرة سورية، وكيلو السكر إلى 1800 ليرة.
ويقطن في الغوطة الشرقية قرابة 500 ألف مدني يعانون من استهداف مستمر للأحياء السكنية بمختلف أنواع الأسلحة، ويتعرضون لقصف عنيف من الطيران الحربي يخلف العديد من الضحايا المدنيين يوميًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :