اللجنة الدستورية.. نقاش لتحديد جنس الملائكة و”هامستر” رمزًا لسوريا
انتهت الجولة السابعة من محادثات اللجنة الدستورية دون توافقات بين أطراف اللجنة، ونتجت عنها ردود فعل دانت استمرارها بعد سنتين ونصف دون التوصل إلى أي حل أو تقدم سياسي.
وقال مصدر على اطلاع بسير أعمال اللجنة لعنب بلدي، إن المؤتمر الختامي لمحادثات اللجنة، الذي كان مقررًا في 25 من آذار الحالي، أُلغي، لأن أطراف اللجنة لم يتوصلوا إلى صيغة توافقية للمبادئ المقدمة.
ولم يذكر المبعوث الأممي وميسر جلسات اللجنة الدستورية، غير بيدرسون، شيئًا في بيانه عن عدم توافق أطراف اللجنة، كما لم يعلن عن خيبة أمل بمخرجات الجلسة.
وتترافق الجلسات بانتقادات من قبل أعضاء من اللجنة ذاتها أو من جهات أخرى، وتناقش وفود اللجنة الدستورية الأوراق المقدمة من كل طرف، لتعدّل بحسب الملاحظات المطروحة من قبل بقية الوفود، للتوصل إلى صياغة موحدة لكل مبدأ.
عُقدت اجتماعات الجولة السابعة من أعمال اللجنة بين 21 و25 من آذار الحالي، وناقشت الوفود الثلاثة مشروعات النصوص الدستورية لأربعة مبادئ هي:
- أساسيات الحوكمة، مقدم من مرشحين من ”هيئة المفاوضات السورية”.
- هوية الدولة، مقدم من بعض مرشحي المجتمع المدني.
- رموز الدولة، مقدم من مرشحين من حكومة النظام السوري.
- تنظيم ومهام السلطات العامة، مقدم من مرشحين من “هيئة المفاوضات السورية”.
ما الذي يحتاج إليه السوريون؟
قال العقيد المنشق عبد الجبار العكيدي، في مقال له على جريدة “المدن” الإلكترونية، إن الأضرار التي ألحقتها اللجنة الدستورية بأخذها القضية السورية بعيدًا عما تضمّنته القرارات الأممية، وخاصة القرار “2254”، كانت بالغة وشديدة الخطورة، لكن مع ذلك تصر المعارضة على المضي قدمًا في مسارها تحت مبررات مختلفة.
وعلى الرغم من أن الهدف المعلَن هو كتابة دستور جديد لسوريا في اللجنة، فإن ما يجري ضمن مسار ما يسمى اللجنة الدستورية أمر مختلف كثيرًا، بحسب العكيدي.
وإذا كانت حاجة السوريين إلى دستور جديد حاجة واقعية وضرورية، فإن سياق ما يجري يجعل من مقولة “ضرورة كتابة دستور” كلام حق يراد به باطل، بحسب العكيدي، ذلك أن كتابة الدستور كما ورد في القرار الأممي “2254” تأتي في مرحلة لاحقة لعملية إنشاء هيئة حكم انتقالي (وهي جوهر العملية السياسية)، وهذا ما أكد عليه بيان “جنيف-1″ و”القرار 2118” اللذان ينصان على أن العملية السياسية تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالي.
وبحسب العكيدي، فإن قضية السوريين لم تكن في أي وقت من الأوقات مبعثها أزمة دستور، بل هي أزمة نظام دكتاتوري لا يردعه دستور ولا أي وازع إنساني أو قيمي، إلى درجة جعلت الكثيرين يتساءلون أنه فيما لو وضعت أفضل دساتير العالم وأرقاها بين يدي بشار الأسد، فهل سيكون ذلك رادعًا لتوحشه وإجرامه؟
ليس ذلك فقط، بل أتاح هذا المسار أفقًا واسعًا للنظام كي يمارس الترجمة الحقيقية لمقولة وزير خارجيته الراحل، وليد المعلم، “سنغرقهم بالتفاصيل”.
ويرى العكيدي أن مسار الدستورية خلق مبررًا لتنصل الأطراف الدولية الفاعلة من مسؤولياتها الأخلاقية أمام برلماناتها وشعوبها، وعدم البحث عن حلول أخرى عبر التبرير بأن هناك عملية سياسية وتفاوضًا ودستورًا يتم العمل عليه، وأن الأطراف السورية تقبل بذلك.
واستغرب العكيدي من مفاوضة وفد المعارضة وفد النظام حول بنود لم تتفق عليها مكوّنات “هيئة التفاوض” بالأصل، كـ “هوية الدولة السورية”، إذ إن هذه المسألة لا تزال موضع خلاف ضمن وفد المعارضة ذاته، ولعل إلحاح النظام على طرح هذه الفكرة للنقاش من خلال بعض أعضاء وفد المجتمع المدني المحسوبين عليه، دافعه إدراك النظام أن إثارة هذا الموضوع سيجعل المعارضة المشكّلة من منصات مختلفة التوجهات الأيديولوجية والأثنية والسياسية والمرجعية، وبينها فجوات كبيرة، فضلًا عن وجود فجوات مماثلة ضمن الكيان الواحد، أضحوكة أمام العالم، ليؤكد للمجتمع الدولي أنه الأكثر تماسكًا وانسجامًا، بل الأكثر أحقية للاستمرار في حكم سوريا.
وبحسب العكيدي، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا بالنسبة للشارع السوري هو: هل بات مسار اللجنة الدستورية قدرًا عليه، وهل فعلًا تم اختزال قضيته بهذا المسار، الذي بات يُنظر إليه كفصل تآمري على قضيتهم؟
نقاش حول “جنس الملائكة”
من جهته، قال رئيس منصة “موسكو”، قدري جميل، بحسب ما نشرته صحيفة “قاسيون” التابعة لحزب “الإرادة الشعبية”، إن سوريا بحاجة إلى حل عميق ومستدام “للأزمة التي تعيشها، والحل يتأخر، واللجنة الدستورية من الصعب أن أقول إنها تعمل ببطء شديد، لأن الأدق أنها لا تعمل، لأنها حتى هذه اللحظة لم تصل إلى نتائج ملموسة، لأنها لا تناقش القضايا الملموسة- الحيوية- الجدّية- الضرورية لإخراج الشعب السوري وسوريا من الأزمة”.
وعبّر جميل ساخرًا من النقاش قائلًا، إن “الحالة غير المحتملة التي يعيشها الشعب السوري تجري بالتوازي مع بحث المفاوضين في اللجنة الدستورية بجنيف عن جنس الملائكة”، أي عدم اقترابهم من القضية الرئيسة التي تهم السوريين لإيقاف مأساتهم.
كما يرى جميل أن عدم مشاركة جميع السوريين الفاعلين المؤثرين في سوريا يعوق سير العملية السياسية، على الرغم من إصرار منصة “موسكو” على تمثيل “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الموجود في شمال شرقي سوريا، في اللجنة الدستورية، لسيطرته الفعلية على حوالي 30% من الأراضي وثروات سوريا، وعليه لا يمكن أن تجري مفاوضات دستورية دون “مسد”، بحسب جميل.
تفسير “خطوة بخطوة”
وسأل جميل بيدرسون في أثناء وجوده في موسكو، “أنت تقول إنك تريد تنفيذ قرار مجلس الأمن (2254) عبر سياسة (خطوة بخطوة)، هل من الممكن أن تقوم بتوضيح الذي تقصده، لأنه لا أحد يفهم ما الذي تريده، ما المقصود بـ(خطوة بخطوة)؟”.
ورد بيدرسون قائلًا، “مثلًا نقوم بطرح ملف المعتقلين بـ(2254)، ونطلب من الطرف الآخر أن يكون ذلك مقابل تخفيف شيء من العقوبات عليه…”.
ورد جميل بأن “هذه الخطوات صغيرة جدًا، وإذا قام بيدرسون بطرحها فليس من المعروف إن كانت الخطوة ستسير إلى الأمام أم سترجع إلى الخلف؟ (…) لأن هذه الأمور الجزئية لا يمكن حلها خارج إطار الحل الشامل للأزمة السورية، لأن الحل الشامل هو الذي يضمن تنفيذ جميع بنود”.
“فضفاضة”
الصحفي السوري نضال معلوف، وصف، في حديث سابق لعنب بلدي، المبادئ الدستورية التي تناقَش في الجلسات، بأنها كلمات” فضفاضة”.
وأضاف أن علماء الاجتماع لم يعتمدوا تعريفًا لها حتى اليوم، ولا يوجد تعريف أكاديمي للمبادئ المقدمة، متسائلًا ما الذي تعنيه هوية الدولة أو رموز البلاد؟ ضاربًا أمثلة في أسس الدولة الفرنسية أو هويتها، مستبعدًا أن يكون هناك تعريف لهذه القضايا في الدستور الفرنسي، في وقت توجد ما يقارب 100 نظرية في مبدأ الهوية لوحده، وصنع الهوية هو وظيفة من وظائف الدولة التي تشكّلها، وليس الدستور.
واستغرب معلوف من أن يقدم مبدأ الهوية وفد المجتمع المدني، وليس وفد النظام السوري (الذي يركّز على مبادئ خلافية وضبابية للمماطلة).
وإذا امتد النقاش لرموز البلاد، فكيف سيطرح اسم مثل اسم حافظ الأسد، إذا كان المقصود أشخاصًا، وكم ستقضي الوفود وقتًا في مناقشة هذه الشخصية لوحدها، وهل من الممكن أن يصلوا إلى اتفاق بخصوصها؟
وإذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فقراءة نتائج هذه الجولة السابعة من أعمال اللجنة تُقرأ من العناوين، ولا يعتقد نضال معلوف بأنها ستكون مختلفة عن سابقاتها.
ويرى معلوف أن اللجنة شُكّلت لهدف ألا تصل إلى نتيجة، دون وجود أي فحوى فيما تقدمه أساسًا.
“هامستر” رمز للدولة السورية
كما انتقد الصحفي السوري عمر قدور، في مقال نشره بصحيفة “المدن” اللبنانية، سير عمل الجولة الأخيرة من محادثات اللجنة بأنها انقضت دون إحداث أي أثر على الإطلاق، بحسب قوله.
ونوه إلى أن من الإقرار بواقع حال اللجنة، تبدو ورقة وفد الأسد التي طُرحت حول رموز الدولة السورية تنويعًا جديدًا على التسويف المعتاد، أي بما لا يتعدى التواطؤ الذي تمثّله اللجنة ذاتها. والمصيبة التي تثير السخرية هي في أداء أعضاء وفد المعارضة، وأولئك المحسوبين عليها من ضمن وفد المجتمع المدني، فهم يؤدون دورهم بمنتهى الجدية، وبتجاهل تام للواقع.
واعتبرهم كـ”التلميذ الذي يظهر جديته وإصراره على الدرس وسط ثلة من المشاغبين في حضور ناظر ركيك متواطئ معهم. وهم يظهرون كأنهم بلا نهاية سيؤدون دورهم الجاد وسط المهزلة، ودائمًا تحت يافطة إحراج وفد الأسد وداعميه، وإثبات أنهم يعرقلون العملية السياسية فلا تتحمل المعارضة أمام المجتمع الدولي وزر إفشالها”.
وذهب قدور إلى مطالبة المعارضة باقتراح اعتماد “الهامستر” شعارًا للدولة السورية، ردًا على دخول وفد النظام بنقاش رمز “العُقاب”، وذلك لـ”تسبغ المعارضة قليلًا من الهزل المستحق على مهزلة اللجنة الدستورية، ولنا حينها أن نراقب ردود فعل أعضاء وفد الأسد، والمقارنات الخطابية التي سيعمدون إليها مدحًا للعُقاب وتسفيهًا للهامستر المسكين”.
وأضاف قدور ساخرًا، “للهزل هنا مستويان، واحد منهما الثقافة الموروثة ولسان حالها: أين الثرى من الثريا وأين الهامستر من العُقاب. التعبير الرث عن هذا الموروث تتكفل به خطابات وفد الأسد التي ستتغنى بأمجاد لا يليق بتمثيلها سوى العُقاب، بصرف النظر عن مآل سلطة الأسد الذي يحيل إلى أمجاد حُماته، ولا بد من خطابات مفوّهة تهين المعارضة ووفدها لاختيار حيوان وضيع مثل الهامستر واعتباره وفق ذلك ممثلًا للمعارضة لا للأسديين المعتادين على العز والمجد والسماوات العلى”.
جدواها
أوضح مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن تعديل الدستور أو الإصلاحات التي تتحدث عنها اللجنة الدستورية لن يغيّرا شيئًا على أرض الواقع في سوريا، واعتبر أن المشكلة الأساسية تتجلى بتطبيق الدستور، وليست حول نص الدستور.
وأضاف العبد الله أن “من المؤسف اختزال العملية السياسية في سوريا بأكملها، وعملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بمحادثات لتعديل الدستور فقط”، فالدستور السوري “ليس سيئًا”، لكنه يتضمّن بعض المواد التي تحتاج إلى التعديل، باعتبار أن أساسه مترجم من الدستور الفرنسي إلى حد كبير.
وتكمن نقطة ضعف المعارضة اليوم، بحسب العبد الله، بعدم اتخاذها قرار الانسحاب في وقت مناسب وسابق بكثير من هذا اليوم.
وكان الأجدر بها أن تعترض أو تتخذ ذلك القرار بموقف أقوى، بدلًا من تنازلها وموافقتها على تضييق وتقليص نطاق العملية السياسية وبيان “جنيف 2” من بداية عملها الأول الذي بدأ بالاتفاق على تطبيق القرار الأممي “2254”، مرورًا بالوصول إلى اتفاق “السلال الأربع”، انتهاء بمحادثات اللجنة الدستورية.
أُسست اللجنة الدستورية السورية في عام 2019، متضمنة هيئة من 150 عضوًا تضم 50 ممثلًا للنظام السوري، و50 ممثلًا من المعارضة، و50 من المجتمع المدني.
ويمثّل 15 عضوًا من كل كتلة لجنة الصياغة المصغرة، المكلفة بالبتّ في مسودة نص لدستور جديد.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :