رغم سيطرة النظام السوري، بدعم روسي، على محافظة درعا في تموز 2018، فإنه عجز بشكل واضح عن ترويض المحافظة، التي ما زالت تحافظ على وتيرة احتفالاتها بعيد الثورة منذ 11 عامًا.
وكان أحدثها المظاهرات التي شهدتها المحافظة احتفالًا بالذكرى الـ11 للثورة السورية في كل من درعا البلد، وطفس، وبصرى الشام، وداعل، وجاسم، وحوض اليرموك، ونوى.
في حين غابت مناطق ومحافظات أخرى، ممن شهدت سيناريو القصف والتهجير حالها كحال درعا، إلا أنها خضعت أمنيًا لسلطة النظام بشكل كامل، وهو ما طمح لتحقيق مثيل له في درعا.
“تسويات” درعا مختلفة
بعد العمليات العسكرية التي أفضت للسيطرة على درعا، فرض النظام السوري ” تسوية” جماعية شملت سكان المحافظة وفصائلها العسكرية المعارضة، تسلّمت عبرها قوات النظام السلاح الثقيل والمتوسط، مقابل وعود الروس بتنفيذ مطالب فصائل المنطقة، التي تتلخص بالإفراج عن المعتقلين، ورفع المطالب الأمنية، وسحب الجيش إلى ثكناته، وعودة الموظفين المفصولين.
أسهمت هذه الوعود بتخفيف عدد المهجّرين للشمال السوري، مقارنة ببقية المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام بشكل مماثل.
ويرى الباحث الاجتماعي طلال المصطفى، أن عدم تهجير المعارضين في درعا خلق قوة استمرت بالتأثير على المنطقة، في حين كانت نسب التهجير في محافظتي ريف دمشق وحمص أكبر، إذ لم يبقَ سوى القليل من السكان المدنيين.
وأفضت هذه الحال إلى أن من يقود الحراك الثوري في درعا هي الحاضنة الشعبية، التي فضّلت البقاء بالمحافظة على التهجير.
واعتبر المصطفى أن هذا التحول خطوة جيدة، كان من المهم أن تطبق في محافظات أخرى كريف دمشق وحمص، عبر “تسوية” مشابهة لما حصل في درعا.
وكان من المرجح أن يكون “صوت الداخل” أقوى عند تمسك الجميع بحقوقهم المشروعة في الحرية والكرامة، لأن التظاهر من داخل سوريا ذو تأثير أكبر من التظاهر خارجها، بحسب المصطفى.
وأضاف أن القاعدة الشعبية للثورة في درعا حافظت على كيانها رغم مخاطر الاغتيال والاعتقال، كما أن هذا أمر أفشل مخططات النظام في ترويضها وإعادتها لحقبة “الحكم الأسدي”.
ولفت الباحث الاجتماعي إلى أن وجود المعارضين في محافظة السويداء يشكّل إلى جانب درعا عامل قلق للنظام، فمناطق الجنوب السوري هي الوحيدة التي تشهد احتجاجات مناهضة للنظام في مناطق نفوذه حتى اليوم.
جزء من الذاكرة
أصبح اليوم ما يعرف بـ”عيد الثورة السورية” في درعا، الموافق لـ18 من آذار، من المناسبات ذات الأهمية الكبرى، بحسب ما قاله الناشط حبيب كسابرة لعنب بلدي.
واعتبر كسابرة المقيم في محافظة درعا، أن “عيد الثورة” بالنسبة لسكان المحافظة، يعتبر “عيدًا مقدسًا” يختلف تمامًا عن الأعياد التي أرضعها نظام “البعث” للسوريين، حسب تعبيره.
يعتبر سكان درعا ممن قابلتهم عنب بلدي، ومن المنخرطين في المظاهرات الأخيرة، أن 18 من آذار في كل عام هو “يوم تجديد العهد للشهداء، والمعتقلين، وللتأكيد على متابعة السير بالثورة حتى إسقاط النظام”.
ويرى الباحث طلال المصطفى، أن احتفالات عيد الثورة أصبحت بعد 11 عامًا، جزء من الذاكرة السورية وثقافة شعبها، ولا يمكن أن تُزاح.
وفي هذا النوع من الإيمان بقدسية هذه الأحداث، يمكن القول إنه حتى ولو انتصر النظام عسكريًا، “لن يستطيع إزاحة هذا الفكر من عقول السوريين”.
انتهت في تشرين الأول من عام 2021 جولة جديدة من “التسويات” التي شملت جميع مناطق درعا، باستثناء مدينة بصرى الشام ومعربة، المسيطر عليهما من قبل “اللواء الثامن” المدعوم روسيًا.
تسلّم النظام عبر هذه “التسويات” آلاف قطع السلاح، ودخل بقواته العسكرية جميع قرى ومدن درعا بعد إبرام “تسوية” في كل منطقة منها على حده.
وأتت هذه “التسويات” بعد حملة عسكرية شنها النظام على مدينة درعا البلد، بحجة وجود سلاح وأشخاص مطلوبين ينتمون لتنظيم “الدولة”، الأمر الذي صوّر المشهد في درعا على أنها اللمسات الأخيرة لسيطرة النظام على المحافظة.
إلا أن درعا عادت لتحيي الذكرى الـ11 لانطلاق الثورة السورية من أمام الجامع “العمري”، رغم قبضة النظام الأمنية.
وقال مراسل عنب بلدي في درعا، حينها، إن مظاهرات انطلقت من أمام الجامع “العمري” بعد انتهاء صلاة الجمعة، نادت بإسقاط النظام السوري ورفعت أعلام الثورة السورية.
ونشر “تجمع أحرار حوران” الإعلامي المحلي بثًا حيًا من المظاهرة التي شهدتها المدينة، وتظهر خلال البث لافتات تحمل عبارات مناهضة للنظام رفعها المتظاهرون منادين بالإفراج عن المعتقلين وإسقاط النظام السوري.
مظاهرات لم تتوقف
في 25 من أيار عام 2021، وبالتزامن مع الانتخابات الرئاسية للنظام السوري، خرج أبناء درعا البلد في مظاهرة رافضة لهذه الانتخابات، الأمر الذي دفع ناشطين في درعا لاعتبار أن سبب حملة النظام على درعا البلد هو موقفها الرافض للانتخابات.
صف ضابط منشق عن قوات النظام، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن النظام توقع بحملته العسكرية الأخيرة على درعا البلد، أنه قد يقتل عقلية الاحتجاج لدى السكان.
وتوقع أن هذه الاحتجاجات لن تتكرر، نتيجة مخاوف من حملات النظام الأمنية، وهو ما لم يحدث لاحقًا.
وبالتزامن مع الحصار العسكري الذي فرضه النظام على درعا البلد في حزيران عام 2021، شاركت العشرات من مدن وقرى درعا في احتجاجات تضامنًا مع المدينة المحاصرة.
ومع تحوّل حصار النظام للمدينة إلى الأعمال العسكرية، كان لهذه القرى والمدن الموقف ذاته، إذ شرعت باستهداف الحواجز العسكرية لقوات النظام، لتخفيف الضغط عن درعا البلد.
كما لم تغب درعا عن المناسبات التي أحيت ذكرى الثورة السورية منذ عام 2011 وحتى عام 2022، رغم العديد من المتغيرات التي طرأت على المنطقة.
–