أربعة أيام كانت كفيلة بالسيطرة على مدينة إدلب، بقيادة عدة فصائل شكّلت غرفة عمليات مشتركة حملت اسم “جيش الفتح”، استطاعت إخراج المدينة من قبضة النظام السوري، في آذار 2015.
ومضت اليوم سبع سنوات على سيطرة “جيش الفتح” على مدينة إدلب، التشكيل العسكري الذي شُكّل بتاريخ 24 من آذار 2015، وضم كلًا من “أحرار الشام”، و”جبهة النصرة”، و”جند الأقصى”، و”جيش السنة”، و”فيلق الشام”، و”صقور الشام”، و”لواء الحق”، و”أجناد الشام”.
ماذا حدث؟
بدأت معركة “جيش الفتح”، في 24 من آذار 2015، بعد أن قُسّمت المحاور بين الفصائل مزوّدة بأسلحة ثقيلة تضمنت دبابات وعربات “BMP” وأسلحة متوسطة وخفيفة، بالإضافة إلى استخدام العربات المفخخة للإعلان عن بدء الهجوم، وسيطرت على المدينة بتاريخ 28 من الشهر نفسه.
وبدأت الفصائل باستهداف الحواجز المنتشرة على مداخل مدينة إدلب، من عدة جهات، والتي كانت تشكّل طوقًا يحيط بالمدينة من كل الجهات عدا طريق إدلب- اللاذقية، الذي كانت تسيطر عليه قوات النظام، وكان منفذًا لانسحابها، وبعد عدة هجمات، سيطرت الفصائل على محيط المدينة بعد قطع طريق الفوعة – إدلب.
تمكّنت فصائل “جيش الفتح” من حصار مدينة الفوعة وتطويقها من الجهة الشرقية والشمالية والغربية، وتمكّنت من الوصول إلى دوار “المحراب”، بعد أن سيطرت على المدخل الشرقي، ليصبح طريق بنش – إدلب مفتوحًا أمام قوات الفصائل.
بالتزامن مع الهجوم من الجانب الشرقي، تقدمت قوات “جيش الفتح” من الجهة الغربية بعد تفجير حوالي ثماني عربات مفخخة، وسيطرت على الأحياء الغربية ودخلت إلى المنطقة المحيطة بجامعة “إدلب”، تلاها الدخول من الجهة الشمالية لتعلن سيطرتها على المدينة بالكامل مع معارك في “المربع الأمني” بالمدينة بتاريخ 28 من الشهر نفسه.
أين “جيش الفتح”؟
لم تستطع فصائل المعارضة السورية الحفاظ على مواقعها العسكرية أو الاستفادة من الأهمية الحيوية لمحافظة إدلب، فسرعان ما تفكّك “جيش الفتح” في نهاية عام 2015، وأخفقت جميع المحاولات اللاحقة لترميمه، رغم جهود بعض الفصائل لإيجاد بديل له.
عقب انتهاء معارك إدلب والوصول إلى تخوم الساحل السوري، دبّت الخلافات بين فصائل “جيش الفتح”، أبرزها الاتهامات التي وجهت إلى “جند الأقصى” بالتعاون مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، قوبلت من “جند الأقصى” بتخوين بعض فصائل “جيش الفتح”.
وانسحب فصيل “جند الأقصى” من التجمع حينها، وسمح لبقية عناصره بالتوجه إلى مناطق سيطرة تنظيم “الدولة”، تلاه بعدة أشهر إعلان “فيلق الشام” انسحابه من “جيش الفتح”، ليتلاشى التشكيل بخروج الفصائل منه.
لم تقتصر الخلافات على إنهاء أو حلّ “جيش الفتح”، إنما استمرت بين عدة فصائل ومكوّنات، أبرزها المواجهات التي شهدتها مدينة إدلب بين “جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة سابقًا، هيئة تحرير الشام حاليًا) وفصائل المعارضة المسلحة أبرزها “أحرار الشام”.
وارتفعت حدة التوتر بين الفصيلين، واندلعت الاشتباكات إثر خلاف حاد واستفزازات متبادلة ورغبة كل طرف برفع رايته، وأدت المعارك التي دارت بين الطرفين إلى مقتل وجرح العديد من العناصر بينهما، إضافة إلى سيطرة “تحرير الشام” على قرى وبلدات وانتزاعها من “حركة أحرار الشام” في ريف إدلب.
واتسعت رقعة الاشتباكات لتشمل مناطق عدة من محافظة إدلب، بما في ذلك معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، الذي كان يخضع لسيطرة “أحرار الشام” الكاملة، لتسيطر عليه “الهيئة” في تموز 2017.
تجارب مشابهة
نسخة “جيش الفتح” التي نجحت في توحيد عدة فصائل وكسب مناطق من سيطرة النظام، تكررت في حلب بانضمام أكثر من 20 فصيلًا بغرفة عمليات “جيش الفتح في حلب” في 2016، لمواجهة الحملة العسكرية التي شنها النظام وحلفاؤه على المدينة.
وجاءت غرفة العمليات حينها استعدادًا لمعارك حلب، وضمت كلًا من “حركة نور الدين زنكي” و”جيش المجاهدين” و”جيش السنة” و”جيش الإسلام” و”الجبهة الشامية” و”حركة أحرار الشام”، و”فيلق الشام”، و”كتائب ثوار سوريا”، و”حركة بيارق الإسلامية”، و”لواء السلطان مراد” و”لواء فرسان الحق” و”لواء صقور الجبل”.
إضافة إلى “لواء الحق”، و”ألوية الفرقان”، و”كتائب أبو عمارة” و”الفرقة 101″ و”الفرقة 16″و” الفرقة 13″ و”لواء الفتح”، و”تجمع فاستقم كما أمرت” و”كتائب فجر الخلافة”، واحتوى “جيش الفتح في حلب” حينها على 22 ألف مقاتل.
“جيش الفتح” في حلب الذي جاء على غرار “جيش الفتح” في إدلب، لم ينجح في اختبار حلب الأصعب عسكريًا كما نجح في إدلب، خاصة بعد دخول القوات الروسية للقتال إلى جانب النظام السوري منذ أيلول 2015، واستطاعت قوات النظام السوري وحلفاؤها أن تتقدم في عدة مناطق بريف حلب الجنوبي، مع تأخر استجابة “جيش الفتح” حينها لخطوط الجبهات.
أين وصلت معارك إدلب اليوم؟
توقف العمل العسكري من قبل “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، واقتصرت المعارك على بعض الردود من إعلان قنص عناصر أو استهداف مركبات أو مواقع لقوات عسكرية، منذ تراجع مناطق سيطرة المعارضة على الأرض، وتقلّص المساحات التي تسيطر عليها، وتوقف المعارك ضد النظام السوري وحلفائه، منذ مطلع عام 2020.
المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن السلاح “مرتهن للغير”، والبرهان موجود على أرض الواقع، فالميادين والجبهات خرساء منذ سنوات، إلا من قذائف وصواريخ النظام وضربات الطيران الروسي، وبرأي الأسمر، فالفصائل لا تتحرك بسبب الارتهان وانشغال القيادات بمصالحهم الشخصية، وتحصيل الأموال والتجارة.
واتفق محللون التقتهم عنب بلدي، على أن فتح المعارك يحتاج إلى قرار دولي، وأن الفصائل فقدت القرار، وأصبح مرتبطًا بالقرارات الدولية ومواقف الدول، سواء الولايات المتحدة أو روسيا أو تركيا.
وذكرت دراسة نشرها مركز “جسور للدراسات”، في 2021، أن مستقبل إدلب أصبح مرهونًا بالدرجة الأولى بحفاظ روسيا وتركيا على نظام وقف إطلاق النار، الذي بمجرّد انهياره قد تعيد العمليات العسكرية رسم خارطة السيطرة من جديد لمصلحة أحد الطرفين، لكن لا تزال لدى فصائل المعارضة فرصة لتحويل هذه المنطقة إلى منطقة آمنة تؤسس لتهدئة مستدامة، وهذا يحتاج إلى مزيد من التنسيق فيما بينها عسكريًا وسياسيًا وكذلك مع تركيا.
في حين تستمر قوات النظام وروسيا باستهداف مناطق سيطرة المعارضة، مع استمرار سريان ما يُعرف باتفاق “موسكو”، أو اتفاق “وقف إطلاق النار”، الموقّع بين روسيا وتركيا في 5 من آذار عام 2020.
المعركة في نظر “الجولاني”
يرافق ظهور القائد العام لـ”تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، الحديث عن قدرات “الهيئة” العسكرية، وعن جهودها في حماية مناطق سيطرتها.
“تجاوزنا مرحلة الخطر”، بهذه الكلمات وصف “الجولاني” الوضع الأمني في مناطق “الهيئة”، وخاصة مناطق أريحا وجبل الزاوية، وذلك في لقائه مع عدد من الشخصيات العاملة ووجهاء في الشمال السوري، وفق تسجيل مصوّر نشرته مؤسسة “أمجاد” الإعلامية التابعة لـ”تحرير الشام”، في 24 من آذار الحالي، ذكرت فيه أن اللقاء جاء تلبية “الجولاني” لدعوة الأهالي في منطقة أريحا وجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.
وأضاف “الجولاني” أنها أماكن انسحاب حديثة وتدشينها وترتيبها أمر ليس سهلًا، وأشاد بالقوة العسكرية في هذه الجبهات، التي وصلت إلى مراحل “جيدة وممتازة”، وأصبحت هناك “قابلية” لهذه الجبهات للدفاع عن المنطقة، على حد تعبيره.
وتحدث قائد “تحرير الشام” موجهًا حديثه للحاضرين، بأن “البقاء والتشبث بالأرض يحتاج إلى تضحية، ومن دون تضحية لا نمسك أرضنا”، ورأى أن المعركة بالمنظور البعيد والقريب ذهبت في إطار ومصلحة “الثورة”، وقال إن القوة العسكرية تنظمت، والتحصينات كبيرة وخاصة في مناطق جبل الزاوية، ولا يمكن القول إن المنطقة وصلت إلى الحد الكافي.
“الجولاني” تحدث عن أن “إزالة النظام بكامل جذوره ومفاصله (…) هدف أساسي باقٍ في أذهاننا وأمام أعيننا”.
وليست المرة الأولى التي يتوعد فيها قائد “الهيئة” ويتحدث عن العودة إلى سكة الانتصارات، إذ تعهد، في 5 من شباط الماضي، بما وصفها “عودة الأمة لشيء من عزها وكرامتها وأمجادها، بعدما تسلّط عليها شرذمة الأمة”.
–