عنب بلدي – ديانا رحيمة
تطرح اجتماعات اللجنة الدستورية حول سوريا في جنيف مبادئ يُفترض أن يُبنى عليها دستور سوريا المستقبلي، عبر المفاوضات التي تجريها اللجنة المكوّنة من ثلاثة وفود (المعارضة، النظام السوري، منظمات المجتمع المدني) بتيسير من الأمم المتحدة، لكن هذه الجلسات تجري دون تغطية أو بيانات تفصيلية لفحوى المبادئ وما تدور حوله النقاشات والاعتراضات.
وتناقش وفود اللجنة الدستورية الأوراق المقدمة من كل طرف، لتعدّل بحسب الملاحظات المطروحة من قبل بقية الوفود، للتوصل إلى صياغة موحدة لكل مبدأ.
مبادئ يلفّها الغموض
عُقدت اجتماعات الجولة السابعة من أعمال اللجنة بين 21 و25 من آذار الحالي، وناقشت الوفود الثلاثة مشروعات النصوص الدستورية لأربعة مبادئ هي:
– أساسيات الحوكمة، مقدم من مرشحين من ”هيئة المفاوضات السورية”.
– هوية الدولة، مقدم من بعض مرشحي المجتمع المدني.
– رموز الدولة، مقدم من مرشحين من حكومة النظام السوري.
– تنظيم ومهام السلطات العامة، مقدم من مرشحين من “هيئة المفاوضات السورية”.
وتخرج “هيئة التفاوض السورية”، التي تمثّل وفد المعارضة، ببيان عبر موقعها في مساء كل يوم من أيام الجولة المحددة، بعناوين للمبادئ وشرح عام لمخرجات الجلسات، دون تفاصيل واضحة حول فحوى المبادئ ومجرى النقاشات.
ولا يملك الشعب السوري حق الاطلاع على الورقة الأساسية التي تقدم عن كل مبدأ، بينما تسرّب في بعض الأحيان الأوراق لوسائل إعلام.
وحاولت عنب بلدي خلال أيام انعقاد الجلسات التواصل مع أعضاء اللجنة من الأطراف المشاركة كافة، دون التوصل إلى ردود أو توضيحات أو شروحات لفحوى هذه المبادئ.
الدبلوماسي السوري السابق والباحث غير المقيم في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” داني البعاج، قال لعنب بلدي، إنه لا يوجد موقف واحد للمعارضة في قضية الدستور، فالمعارضة مشكّلة من عدة تيارات سياسية، والمجتمع المدني يمثّل عدة تيارات أيضًا.
ويحمّل البعاج وفدي المعارضة والمجتمع المدني مسؤولية غياب الشفافية، إذ يمكن لأعضائهما أن يكونوا شفافين على الأقل مع “الصحافة المحسوبة على المعارضة”.
وقد لا يجيب بعض الأعضاء خلال جولة التفاوض على اعتبار أنهم يحاولون اللعب بأوراق سرية، أو غير سرية، بحسب استراتيجيتهم، ومن الممكن أن يعلنوا موقفهم بأنهم لن يعرضوا كل شيء الآن، وأنهم يتفاوضون على أمل رفع السقف، بحسب البعاج، لكنه يرى ذلك من غير المنطقي في حالة اللجنة الدستورية، لأنه في مثل هذا النوع من المفاوضات من الأفضل أن يوجد مشروع واضح من المعارضة، يضع النظام بموضع يجيب عنه.
غياب التوافق له دور
مشاركة ما يجري حقًا مع الرأي العام حول بنود دستورية معيّنة ليست موجودة، لأن جزءًا من هذه البنود ليس موجودًا أساسًا، ولم يتم الاتفاق عليه بعد، وتقدم عدة مصطلحات أو صياغات لنفس المادة، لعدم حدوث أي جولة مفاوضات جدية تطرح فيها أي صياغات نهائية، فإذا سئل الأعضاء عن موقفهم من فصل السلطات أو شكل النظام إن كان رئاسيًا أو برلمانيًا أو شبه رئاسي فلن يكون لديهم جواب، لأنهم بالأساس غير متفقين على صياغة موحدة بعد، بحسب البعاج.
ولا يتوقع الصحفي السوري نضال معلوف أن ما يجري حاليًا تعتيم على المبادئ المطروحة، لعدم وجود ما يحكى فيه من الأساس، مشيرًا إلى أن البروتوكولات الرسمية لأعمال اللجنة قد تنص على ألا تخرج المبادئ إلى العلن.
معلوف وصف المبادئ كلها بأنها كلمات فضفاضة، حتى إن علماء الاجتماع حتى اليوم لم يعتمدوا تعريفًا لها ولا يوجد تعريف أكاديمي للمبادئ المقدمة، متسائلًا ما الذي تعنيه هوية الدولة أو رموز البلاد؟ ضاربًا أمثلة في أسس الدولة الفرنسية أو هويتها، مستبعدًا أن يكون هناك تعريف لهذه القضايا في الدستور الفرنسي، في وقت توجد ما يقارب 100 نظرية في مبدأ الهوية لوحده، وصنع الهوية هو وظيفة من وظائف الدولة التي تشكّلها، وليس الدستور.
واستغرب معلوف من أن يقدم مبدأ الهوية وفد المجتمع المدني، وليس وفد النظام السوري (الذي يركز على مبادئ خلافية وضبابية للمماطلة).
وإذا امتد النقاش لرموز البلاد، فكيف سيطرح اسم مثل اسم حافظ الأسد، إذا كان المقصود أشخاصًا، وكم ستقضي الوفود وقتًا في مناقشة هذه الشخصية لوحدها، وهل من الممكن أن يصلوا إلى اتفاق بخصوصها؟
وإذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فقراءة نتائج هذه الجولة السابعة من أعمال اللجنة تُقرأ من العناوين، ولا يعتقد نضال معلوف بأنها ستكون مختلفة عن سابقاتها.
ويرى معلوف أن اللجنة شُكّلت لهدف ألا تصل إلى نتيجة، دون وجود أي فحوى فيما تقدمه أساسًا.
من جهتها، قالت الباحثة والأكاديمية وعضو اللجنة الدستورية سميرة مبيض، في حديث إلى عنب بلدي، ردًا على مبدأ الهوية بأنها لم تشارك بأي ورقة قدمها أعضاء من المجتمع المدني ولا تتحمّل مسؤوليتها.
وترى المبيض، وهي عضو اللجنة في وفد المجتمع المدني، أن الجولة بمجملها عبثية وإضاعة وقت ولا تستحق التعقيب.
ماذا يقول وفد المعارضة؟
حاولت عنب بلدي خلال هذه الأيام الحصول على نصوص المبادئ بشكل رسمي، من الأعضاء الحاضرين عن الوفود الثلاثة، وسط تجاهل للرد أو تنصل من الإجابة.
ورد المكتب الصحفي لـ”هيئة التفاوض” عن عدم نشر المبادئ بقوله إن كل شيء عن الدورة السابعة ينشر على موقع اللجنة الدستورية وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
إلا أنه وبحسب القواعد الإجرائية ومدونة السلوك للجنة، فلا يسمح للأعضاء بنشر أي شيء على الإنترنت في أثناء انعقاد جلسات اللجنة.
وأكد المكتب نشر مضمون جلسات الدورة السابعة في بيان صحفي مساء السبت الماضي، مع التأكيد على الحديث عنها في الأخبار المنشورة على موقع اللجنة الدستورية.
ما الآلية القانونية
من جهته، قال القاضي أنور المجني، إن الآلية التي تعمل بها اللجنة الدستورية لا تسمح بمشاركة محاضر الجلسات، ولكن في حال قدم أي وفد ورقة وشاركها مع الجمهور فهو متاح.
ولكن الأوراق تقدم قبل جلسة كل يوم، وبالتالي فهي ليست متاحة قبل فترة طويلة.
وتبعًا للوائح الإجراءات، فإن ما يمنع تداوله هو محاضر الجلسات، بينما لا يوجد أي مانع أو مبرر من مشاركة المبدأ مع الجمهور السوري وتلقي الملاحظات.
ويرى المجني، وهو عضو في اللجنة الدستورية، أن نجاح أي دستور ليس في النص فقط، وإنما بمقدار المشاورات التي تحدث في أثناء إنتاج هذا الدستور.
آليات إنتاج الدستور
· جمعية تأسيسية منتخبة، وهي مجموعة أشخاص يتم انتخابهم من الشعب ويصبح لديهم تفويض منه، والمنتج عنهم يعتبر دستورًا.
· تشكيل لجنة دستورية من دون انتخاب، كما حدث في دستور2012، وبالتالي يكون ما تنتجه مشروع دستور، وهي الآلية التقليدية.
وتعتبر الآليتان السابقتان ديمقراطيتين.
وفي الوضع غير التقليدي كما يحدث في سوريا، تعتبر اللجنة الدستورية غير منتخبة، وبالتالي المنتج عنها يعتبر مشروع دستور.
وفي لائحة الإجراءات، يُعرض المنتج للموافقة العمومية التي تتحمل عدة تفسيرات، كأن تُعرض على الشعب السوري للتصويت عليها، أو قد تعني عرضها من اللجنة المصغرة (45 عضوًا من أصل 150) إلى الموسعة، للحصول على الموافقة العمومية التي من الصعب تحقيقها في ظل وجود نصف السوريين خارج سوريا.