عنب بلدي- هاديا منصور
طوال فترة الحرب السورية، ما زالت المرأة في إدلب وشمال غربي سوريا تناضل لتحقيق ذاتها في مختلف المجالات، كما أظهرت شجاعة وإصرارًا على التأقلم رغم كل الظروف المعيشية المتردية التي تواجهها.
غير أن ذلك لم ينعكس على مشاركتها الإدارية التي ما زالت ضعيفة نظرًا إلى طبيعة المجتمع، وتأثير النظام الذي حكم البلاد لعقود، وتقويض مشاركة المرأة الفاعلة في المجتمع، وتناوب سلطات سياسية وعسكرية مختلفة على المدن السورية منذ انطلاق ثورة 2011.
ولم تفلح صيحات النساء طلبًا للحرية في إدلب بإكسابهن مقاعد في إدارة المدينة، فمنذ عام 2017، تدير حكومة “الإنقاذ” إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، وتغيب عن وزارتها العشر القيادات النسائية، ويكاد يقتصر دور النساء في المدينة على الطبابة والتعليم، ومناصب إدارية في منظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة.
ويكاد حضور المرأة في المجالس المحلية، التي تدير مناطق ريف حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة بشكل عام، يكون معدومًا من حيث العدد والحضور والاهتمام، ومع المناداة المستمرة بضرورة المشاركة النسائية وتعزيز دورها السياسي، إلا أن واقع الحال يظهر جليًا تغييبها وربما إقصاءها.
عقبات تمنع القيادة
ضمن هذه الظروف والمعطيات، ينبغي أن يُتاح المجال للمرأة ليكون لها صوت في الداخل السوري، يمكنها من التفاعل مع المجتمع الدولي، فتنقل إليه همومها وطموحاتها ومعاناتها وواقع الأحوال الصعبة التي تعيشها، بحسب غالية الرحال، عضو الحركة التأسيسية النسوية السياسية السورية، وهي من مدينة كفرنبل ونازحة إلى مدينة سلقين.
الرحال قالت لعنب بلدي، إن أغلب التجمعات النسائية في مناطق شمال غربي سوريا عبارة عن مراكز تابعة لمنظمات المجتمع المدني، تقدم دورات أكاديمية توعوية في مجال الإدارة والقيادة السياسية، بغية تعزيز دور المرأة في صنع القرار ومحاولة إيصال صوتها، وتسليط الضوء على حقوقها ومعاناتها.
ورغم محاولة بعض الهيئات السياسية في إدلب زيادة عضوية النساء في صفوفها، فإنه بدا واضحًا ضعف دورها الذي ينحصر بملء الفراغ ليس إلا، هذا ما تعبر عنه رائدة الكرامة (36 عامًا)، عضو الهيئة السياسية في إدلب، وهي من مدينة معرة النعمان ونازحة إلى مدينة إدلب.
ثمة معوقات عديدة لا تزال تقف حائلًا أمام مشاركة المرأة في إدلب بالمجال السياسي، منها قلة خبرة النساء الكافية في هذا المجال، وظهورها بمظهر التابعة للرجل وبحقوق ضائعة واحتياجات أساسية مفقودة، يضاف إليها الفوضى الأمنية وسيطرة “هيئة تحرير الشام” وتشدّدها وتحكّمها بجميع القرارات من خلال حكومة “الإنقاذ”، الجناح السياسي لها في المنطقة، والذي يخلو من أي عضوية نسائية حتى اللحظة، بحسب ما قالته رائدة لعنب بلدي.
للوقوف على أسباب غياب المرأة في إدلب عن المناصب الوزارية والإدارية وضعف تمثيلها السياسي، توجهت عنب بلدي بأسئلة لحكومة “الإنقاذ” حول الموضوع، لكن لم تحصل على إجابة.
من جهته، أكّد رئيس الهيئة السياسية في إدلب، أحمد حسينات، أهمية دور المرأة في المجال السياسي، واهتمامهم في الهيئة بمشاركتها التي وصلت حتى 10% من أعضاء الهيئة، ووصول أربع نساء منهن للمكتب التنفيذي.
وقال حسينات لعنب بلدي، إن دور المرأة في هذا المجال لا يزال ضعيفًا، وانحسر عما كان عليه في بداية الثورة السورية لعدة أسباب، أهمها العادات والتقاليد المتوارثة، وسلطة الأمر الواقع المسيطرة في إدلب، والتي حدت من مشاركة المرأة في جميع المجالات، بما فيها المجال السياسي والإغاثي والخدمي، ويضاف إلى ذلك وجود عوائق متعلقة بالمرأة ذاتها، وهي قلة الوعي والجرأة على دخول التجربة السياسية بما فيها من اجتماعات وسفر ولقاءات ومؤتمرات.
تدريبات قيادية لتمكين النساء
كمحاولة خجولة لتمكين المرأة في المجالين السياسي والإداري شمال غربي سوريا، عملت عدة منظمات من المجتمع المدني على إطلاق تدريبات قيادية من شأنها توعية المرأة وتثقيفها، لمنحها الفرصة لخوض غمار المعتركات السياسية المستقبلية، ولكي تكون فاعلة في المجتمع على وجه أكبر.
غادة باكير (47 عامًا)، وهي من مدينة سراقب ونازحة إلى مدينة إدلب، ومديرة مركز “البراءة” للدعم النفسي، وعضو في تجمع “عدالة لنساء سوريا” سابقًا، قالت لعنب بلدي، إن المرأة بأمس الحاجة لوجود مراكز وتجمعات سياسية تعمل على تأهيلها وتعزيز خبراتها، بغية الوصول إلى مستوى اتخاذ القرارات الفاعلة في مستقبل وطنها.
وأضافت باكير أن المرأة تواجه تهديدات من أطراف عدة، ما يحجمها عن المشاركة في حقل السياسة، يضاف إليها طبيعة المرأة ذاتها التي تفضّل المجالات الأسهل والأقل مسؤولية، كالتدريس والطبابة والتمريض والتمكين المهني، بينما قلة منهن يتجهن للعمل السياسي الذي ما زال يعتبره المجتمع حكرًا على الرجال وحسب.
من جهتها، لا تنوي الناشطة المدنية راما السعيد (39 عامًا)، الانخراط في العمل السياسي، كونها ستكافح أولًا للوصول إلى هذا الدور، وأن كفاحها من أجل التأثير الإيجابي وإقناع من حولها بمواقفها التي تعتبر مهمشة وملغاة مسبقًا، سيواجه بالجانب الذكوري الرافض لتفعيل الدور الحقيقي للمرأة.
وترى أن المجتمع لا يؤمن بالأدوار الإنتاجية والإنمائية للمرأة، بل يحصرها في الدور الإنجابي والاجتماعي والتربوي، وهو ما يحجم المرأة عن المشاركة السياسية باستمرار.
وأوضحت دراسة لمركز “عمران للدراسات” حول مشاركة المرأة السورية في العمل السياسي، نُشرت في أيار 2018، أن تجربتها في المجالس المحلية لم تشهد مشاركة فعلية كبيرة في إطار صنع القرار، بل غابت عن أغلب المجلس، أو انحصر دورها في إدارة مكتب المرأة، أو القيام بأعمال إدارية كموظفة ضمن المجلس.
ويعود ضعف التمثيل النسائي في المجالس المحلية إلى أسباب اجتماعية تتعلق بالمفاهيم السائدة، بحسب الدراسة، ولعزوف النساء عن التصدّر لهذا العمل، بالإضافة إلى الأسباب الأمنية.
وفي تشرين الأول 2021، أعدّت عنب بلدي ملفًا موسعًا، بعنوان “من يحكم النساء في الشمال السوري”، حول التحديات الكبيرة التي تحيط بالنساء المقيمات في الشمال السوري، وتحول دون انسجام تطلعاتهن مع الواقع الذي فرض نفسه لاعتبارات سياسية وأمنية قسمت البلاد إلى مناطق تحكمها سلطات أمر واقع، لكل منها قانونها ومرجعيتها السياسية والتشريعية.
وتوصلت عنب بلدي في الملف إلى أن أبرز أسباب تقليص أدوار النساء في المنطقة وحضورهن الفاعل، تتمثل في غياب ضوابط وقواعد تعامل السلطات القائمة مع المرأة، ودخول الفهم المحدود للدين في آليات العلاقة مع أدوار المرأة، أو الموروث والعادات الاجتماعية التي تغلب عليها النزعة الذكورية.
وعلى الرغم من محاولات إقصاء المرأة سياسيًا وإداريًا، فقد حققت بعض المكاسب الإيجابية، كمحاولاتها المستمرة لتثبت وجودها ضمن الهيئات السياسية وزيادة المشاركة في التدريبات والأنشطة المتعلقة بتنمية المهارات وريادة الأعمال النسائية منذ بدء الحرب السورية.