عنب بلدي- حمص
على باب “الجمعية الفلاحية” في مدينة الرستن شمالي حمص، وسط سوريا، يتجمع عدد من المزارعين منتظرين بفارغ الصبر حصولهم على مخصصاتهم من الأسمدة الكيماوية لرش مزروعاتهم.
يجلس على الرصيف المقابل لبناء الجمعية “أبو أحمد”، الذي تفصح تجاعيد وجهه عن عمره الستيني، وتحكي خشونة يديه تاريخ شقائهما في الأعمال الزراعية، يلف سيجارته من التبغ “العربي”، يتحدث لعنب بلدي، “جئت إلى هنا منذ الساعة السابعة صباحًا لتسلّم كيسين من سماد (اليوريا) لا يكفيان لربع مساحة مزرعتي، كيس لكل عشرة دونمات ماذا سيفعل؟”.
كمية لا تغطي نصف الاحتياج
توزّع “الجمعية الفلاحية” كيسًا واحدًا فقط من “اليوريا” لكل عشرة دونمات، بسعر 79 ألف ليرة سورية (الدولار يساوي حوالي 3900 ليرة سورية) لكل كيس، بشرط أن يكون المزارع عضوًا في الجمعية، وتتبع الجمعية لـ”الاتحاد العام للفلاحين”، وهو منظمة تقع تحت سلطة حزب “البعث العربي الاشتراكي”، وتضبط وتشرف على عمليات توزيع ما تخصصه الحكومة للمزارعين من أسمدة ومحروقات.
صالح (56 عامًا)، وهو مهندس زراعي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لاعتبارات أمنية، ويملك صيدلية زراعية في مدينة حمص، قال إن “الكمية التي توزعها (الجمعية الفلاحية) قليلة جدًا، فكيس (السوبر فوسفات) أي (اليوريا) مخصص لثلاثة دونمات بالحد الأقصى، فيما توزع الجمعية كيسًا واحدًا لكل عشرة دونمات، ما يجبرنا، نحن المزارعين، على اللجوء إلى السوق السوداء لتعويض الكمية أو الاكتفاء بالكمية المسلّمة”.
وتعاني “الجمعيات الفلاحية” من فساد كبير في آلية توزيع الأسمدة والمحروقات، إذ تتلاعب بتوزيع كميات الأسمدة، بحجة دعم المحاصيل الاستراتيجية، فتزيد الكمية المسلّمة لمزارعين على حساب آخرين، بحسب ما قاله المهندس الزراعي صالح لعنب بلدي، ولتوجيهات واعتبارات أمنية لا تستطيع الجمعية تخطيها.
“أبو موسى” (61 عامًا)، وهو أحد مزارعي قرية غرناطة شمالي حمص، قال لعنب بلدي، إن “توزيع الأسمدة من أكبر أبواب الفساد في الجمعية، فمزارعون يحصلون على كميات تفوق حاجتهم، وآخرون بالكاد يحصلون على مخصصاتهم، والجمعية تتحجج بدعم زراعة القمح، لكن نتفاجأ أن مَن يحصلون على الكميات الكبيرة لا يملكون مساحات كبيرة لزراعة القمح”.
وأضاف المزارع الستيني، أن المزارعين المرتبطين بالمفارز الأمنية، أو أقارب أحد الضباط المتنفذين، يحصلون على كميات مضاعفة من الأسمدة بضغط من المفارز الأمنية التي لا تستطيع الجمعية رفض طلباتها.
سوق حرة ورقابة أمنية
سيطرت شركات روسية على حقول الفوسفات ومعمل الأسمدة على ضفة بحيرة “قطينة” في حمص، بعد أن صدّق مجلس الشعب، في 6 من شباط 2019، على مشروع القانون المبرم بين المؤسسة العامة للصناعات الكيماوية وشركة “إس تي جي انجينيرينغ” الروسية، لاستثمار معمل الشركة العامة للأسمدة في حمص.
ويُسمح للصيدليات الزراعية باستجرار الأسمدة من المعمل بعد حصولها على الموافقة المطلوبة من الأفرع الأمنية الأربعة، ويفرض فرع “الأمن العسكري” رقابة صارمة على الكميات المستجرة، ويأخذ أسبوعيًا لوائح بأسماء المشترين والكميات التي اشتروها من أصحاب الصيدليات.
المهندس الزراعي صالح قال إن الأسعار التي تحددها الشركة الروسية متغيرة بشكل دائم، وترفع أسعارها مع بداية كل موسم، فسعر كيس “اليوريا” قبل ثلاثة أشهر كان حوالي 80 ألف ليرة من المعمل، أما الآن فقد تجاوز 140 ألف ليرة، أما سماد “الشرش” فيبلغ سعر الكيس منه 80 ألف ليرة، و”الأمونيوم” 65 ألف ليرة لكل كيس.
وأضاف صالح أن دورية لـ”الأمن العسكري” تأتي في نهاية كل شهر لتأخذ جدولًا بأسماء من قاموا بشراء كل كيس، كون الأسمدة تدخل في صناعة المتفجرات. ويضطر المزارعون إلى اللجوء للأسواق من أجل شراء الأسمدة لضمان إنتاجية جيدة لمزروعاتهم، ما يزيد تكاليف الزراعة مع كل ارتفاع في أسعار الأسمدة.