نبيل محمد
زاوية واحدة يمكن بسهولة حصر أي مسؤول في القطاع الفني والثقافي السوري فيها اليوم، زاوية يلغي فيها بكلمات قليلة كل تلك الترهات التي تقوّل بها، والتي تتضمّن حرية التعبير عن الرأي، والمساواة تحت سقف القانون، والانفتاح تجاه الرأي الآخر، هي زاوية تعريف الوطنية، التي ستضمن له عودته إلى استخدام سلطته، ضد كل من سوّلت له نفسه يومًا أن يكون جزءًا من أي منظومة، أو حتى خطاب معارض للنظام السوري. للوطنية في سوريا تعريف واحد هو “بشار الأسد”.
سهل جدًا كان تحريض نقيب الفنانين السوريين الجديد، محسن غازي، ليصل إلى القناعة ذاتها التي وصل إليها سلفه زهير رمضان الذي توفي قبل فترة، رغم محاولة غازي الظهور بمظهر المجدّد المختلِف، المتسامح وغير الناقم على أحد، والذي يحمل مشروعًا لجعل نقابة الفنانين السوريين بيتًا لكل فناني البلاد، سواء كانوا يعيشون فيها أو خارجها. كل ذلك سيختفي بسرعة عند سؤال المذيع له، في برنامج “المختار” على إذاعة “المدينة” المحلية، عن وضع أولئك الفنانين المفصولين من النقابة، والذين لديهم مواقف سياسية مغايرة. انهار التسامح والابتسامة العطوفة بلحظة، ليبدأ بتعريف الوطنية، ويقرّ بأنها مختلفة عن السياسة، “الوطنية شيء والسياسة شيء آخر”، فالوطن “لا يحتمل الاختلاف”.
النقيب الجديد، الممثل والمغني المغمور، الذي ربما من الصعب على سوريين كثر تذكّر شكله، بدأ الحوار بالحديث عن مشاريعه التغييرية، واعترافه بالضعف الذي تعانيه النقابة بعلاقاتها مع جميع القطاعات العامة والخاصة المختصة بالإنتاج الفني، إذ اعتبر العلاقة شبه مقطوعة، وهو بالطبع سيقود إلى سؤال: “مع من إذًا تتعامل النقابة؟”، لكن بالتأكيد ليس من الوارد اليوم سؤال نقابة سورية عن طبيعة عملها، ودورها. لكن غوصه في ارتداء شخصية المسؤول الجديد، الذي يعترف بضعف مؤسسته، ويهم بكتابة مسودات مشروعاتها المقبلة، ويبتسم للأسئلة الصعبة، ينتهي لتظهر شخصية خلَفه ذاتها، الشخصية الأمنية الرقابية، المخبوزة لمئات السنين في أفران “البعث”، ليصف بشكل غير مباشر الفنانين المعارضين بعديمي الوطنية، بعد أن كان قد أقر قبل ثوانٍ قليلة بأنه لم يُفصَل أحد من النقابة بسبب مواقفه السياسية، ثم ليعترف بشكل مباشر أن موضوع “الوطنية” أساسي في عقلية الانتماء للنقابة، والفصل منها، والعودة إليها.
رغم ضيق ثوب نقابة الفنانين بشكل عام، وسخافتها كمؤسسة حاليًا، وربما منذ سنين مضت، فإن الثوب بدا واسعًا على النقيب الجديد، الذي تحدث عن فنانين سوريين مقيمين في الخارج رجعوا إلى النقابة ودفعوا الرسوم المستحقة عليهم، لكنه لا يتذكر اسم أي فنان منهم، والذي يرى أن السينما قضية مختلفة كليًا عن بقية الفنون، فليس فيها معايير تجارية، ولها طقسها الخاص في كل العالم. بالتأكيد كان النقيب مناسبًا للجلوس على كرسي مسؤول فرع حزبي، رغم عدم اختلاف كرسي النقابة كثيرًا، إلا أن عنده من مصطلحات الأفرع الحزبية أو الأمنية ما أهّله ليخلف زهير رمضان بجدارة على ما يبدو. فقد قال حرفيًا في المقابلة: “يجب أن نوفر المناخ الحقيقي بأن نكون جادين في عقد اجتماعات، ووضع ضوابط لهذه المهنة”.
لم يكن متوقعًا بالتأكيد أن يحضر فنان سوري مختلف ليحلّ في هذا المنصب، فهو إما سيكون أحد أعضاء مجلس النقابة المليء بأولئك الذين لفظتهم الشاشات والمسارح والشركات، وإما واحدًا من النجوم المعروفين الذين لن تضيف لهم النقابة شيئًا سوى مزيد من التنازلات، والاضطرار إلى مدح القائد مرات أكثر من المعتاد. وجميعهم متيقّنون تمامًا أن الشهرة على كرسي النقابة لن تكون أكثر من تلك التي صنعها زهير رمضان، من خلال التهجم على الآخرين، والاستبسال في النفاق للنظام بكل مكوّناته، والظهور بشكل مكثف على الشاشات ووسائل الإعلام، ولعل لنقيب غائب فنيًا، والذي لا بدّ وأنه يتعامل مع نفسه كفنان قدير، تعطّش للظهور أمام الكاميرا بعد غيابه طويلًا عنها، واستبعاده بغير قرار منه عن الظهور. سيجد نفسه فنانًا من جديد، عاد إلى أمام الكاميرا بالإجبار، وبسلطة المخابرات، وبالبوط العسكري.