مع مرور أكثر من شهر على بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، بات الحديث عن حملات الميليشيات الموالية للنظام للترويح لبدء تسجيل أسماء متطوعين للقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا أمرًا يوميًا على غرار ما حصل في ليبيا.
ورغم ما أُشيع عن افتتاح مكاتب للتجنيد في مختلف المناطق السورية، لا يزال أسلوب المكاتب محصورًا اليوم في محافظة حلب، بحسب ما رصدته عنب بلدي في محافظات سورية مختلفة.
وفي مدينة حمص، تواصلت عنب بلدي مع عدد من المقاتلين المُقبلين على توقيع عقود للقتال بجانب روسيا في أوكرانيا، والذين أكدوا أن عمليات التجنيد جرت في المحافظة عن طريق أفراد من مندوبي الميليشيات الموالية لروسيا في سوريا، وبشكل غير مُعلَن.
أطباء سوريون أشرفوا على التجنيد سابقًا
لا تختلف حال تجنيد السوريين للقتال في أوكرانيا اليوم عن سابقتها في ليبيا، إذ جنّدت روسيا “مرتزقتها” سابقًا كما تفعل اليوم، عن طريق مندوبين يعلنون في محيطهم الضيّق عن أنهم المسؤولون عن تسجيل أسماء الراغبين بالقتال.
ويتولى المندوبون مهمة تحصيل الموافقات الأمنية اللازمة لقبول “المرتزقة”، ومنهم من يتلقى الرشى، مقابل ضمان تأمين إرسال المقاتلين والمهمة التي ستوكل إليهم، ويحدد المبلغ الذي يتقاضاه المندوب، فيما إذا كان “المرتزق” سيذهب مقاتلًا أم حارسًا لمكان معيّن.
أحد المقاتلين الذين ذهبوا إلى ليبيا سابقًا، تحفظت عنب بلدي على اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إنه سجل أسمه لدى طبيب أسنان في مدينة الرستن، كان مسؤلًا عن تجنيد مقاتلين لمصلحة الروس في ليبيا.
وعن طريق علاقات عائلية قوية، ضمن الطبيب للمقاتل حصوله على الموافقة الأمنية من “الأمن الوطني” المختص بإصدار دراسات أمنية عن “المرتزقة”، وقبول اسمه في قاعدة “حميميم” العسكرية الروسية، إضافة إلى تعيينه قائدًا لمجموعة في ليبيا.
واعتمدت روسيا خلال عملية تجنيدها مقاتلين لإرسالهم إلى ليبيا، على أطباء مقربين من الروس ممن درسوا الطب في روسيا سابقًا، ويعملون كاستشاريين في القاعدة العسكرية الروسية في سوريا حاليًا.
أحد الأطباء في مدينة حمص، تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن مجموعة من الأطباء حصلوا على عقود عمل في القاعدة الروسية باختصاصاتهم المتنوعة، منها الطب البشري وطب الأسنان وغيرها، ويعملون في المستشفى الميداني بقاعدة “حميميم”، كما أنهم يعملون بصفة استشاريين لدى الروس أيضًا، وانخرطوا في تجنيد المقاتلين مع بداية إرسال مرتزقة إلى ليبيا وفق خطة روسية، كما كان لهم دور مهم في قبول المقاتلين وأماكن فرزهم، والمسؤوليات الموكلة إليهم من قائد مجموعة أو سائق أو عنصر مقاتل.
ومن بين الأطباء الذين انخرطوا في عمليات التجنيد، طبيب الأسنان “ف.ع.” الذي ينحدر من مدينة الرستن، وهو طبيب درس في روسيا، والطبيب “ع. ج.” الذي ينحدر من مدينة حماة، وغيرهما من محافظات أخرى.
استراتيجية روسيا في التجنيد اختلفت
حمزة أحد المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة، ومن حملة بطاقة “التسوية” في ريف حمص الشمالي، قال لعنب بلدي إنه سجّل اسمه لتوقيع عقد القتال عند أحد المندوبين الذي يعمل كقائد مجموعة في “الفيلق الخامس”، المُشكّل من قبل روسيا في سوريا.
وبحسب ما أكده حمزة، فإن المعلومات التي تتحدث عن عقود لتجنيد المرتزقة صحيحة، إنما ينص العقد الذي وقّعه على حراسة المنشآت وتسلّم نقاط تثبيت عسكرية وليس للقتال على خط الجبهة، بحسب ما أكّد له رؤساؤه.
وفي حقل استقطاب المقاتلين إلى أوكرانيا، لم يلعب الأطباء المقربون من “حميميم” أي دور بعد في عمليات التجنيد، بحسب الطبيب المُطّلع على أعمال هذه المجموعة، حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
بينما لعب الأطباء المقربون من “حميميم” سابقًا، دورًا مهمًا في تأمين القبول مقابل مبالغ مادية، مع زيادة عدد الراغبين في السفر إلى ليبيا، ووصلت المبالغ التي يتقاضاها هؤلاء الأطباء مقابل تأمين القبولات الأمنية للمرتزقة إلى 500 دولار أمريكي.
وأضاف المصدر الذي كان مجندًا في ليبيا عن طريق طبيب الأسنان “ف.ع.”، أنه اضطر في المرة الثانية التي ذهب فيها إلى ليبيا لدفع مبلغ 500 دولار، مقابل تأمين القبول الأمني لأحد الأطباء الذي رفض ذكر اسمه، حتى لا يشير إلى شخصيته الحقيقية.
وقال يوسف الذي قاتل سابقًا في ليبيا، لم تكن هناك أي مكاتب للتجنيد، مضيفًا، “نذهب إلى المندوب ونسجل أسماءنا، وعندما يحين موعد الرحلة يتصل بنا ونتواجد في عنوان محدد وتأتي الباصات (حافلات النقل)، لتأخذنا إلى قاعدة (حميميم)، ومن ثم بالطائرة إلى ليبيا”.
تجنيد مُعلَن في حلب
تنتشر مكاتب لتجنيد “المرتزقة” في محافظة حلب بكثرة منذ مطلع آذار الحالي، وتتبع بشكل مباشر لـ”الفيلق الخامس”، وتعمل على إعداد قوائم للأسماء المحتملة للتجنيد، بحسب معلومات تحققت منها عنب بلدي.
وعن مكان انتشار هذه المكاتب بالتحديد، فقد امتدت إلى أحياء الجميلية، والسبع بحرات، وميسلون، والحمدانية، وحلب الجديدة.
ويعمل فيها ضباط و إداريون يتبعون للروس بشكل مباشر ويأتمرون بأمرهم، عدد منهم من حملة بطاقات “التسوية”، التي يكون الهدف منها في مرحلة ما، كفّ الملاحقات الأمنية بحقهم، إلا أنها تحولت إلى مصدر رزق “عابر للقارات”.
صف ضابط برتبة رقيب أول في أحد مكاتب التجنيد بحلب، وهو عنصر منشق عن النظام، وأجرى “التسوية” الأمنية مع قوات النظام عند سيطرتها على مدينة حلب، في كانون الأول من عام 2016، قال لعنب بلدي، إنه عمل بعدها لمصلحة الروس لدرء الخطر الأمني الذي تشكّله قوات النظام السوري عليه.
اقرأ أيضًا: ضباط سوريون يقودون حملة تجنيد للقتال إلى جانب الروس بأوكرانيا
درعا.. لا قبول من “اللواء الثامن”
تحدثت وسائل إعلام عالمية ومحلية عن بدء “اللواء الثامن” المدعوم من روسيا في محافظة درعا بعمليات الحشد لإرسال مقاتليه إلى أوكرانيا لدعم القوات الروسية هناك، وهو ما لم يتضح حتى اليوم.
وللوقوف عند هذه المعلومات، تواصلت عنب بلدي مع أحد القياديين في “اللواء” الذي نفى هذه المعلومات بشكل مطلق، كما نفى أن تكون روسيا عرضت هذا الأمر عليهم، وحتى وإن عُرض فهو مرفوض.
وسبق أن عرضت روسيا على “اللواء الثامن” إرسال مقاتليه إلى البادية السورية للمشاركة في عمليات قتالية ضد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة، إلا أن “اللواء” رفض العرض، ما تسبب بقطع الرواتب الشهرية عن عناصرة لعدة أشهر.
وفي حديث سابق قال قيادي في “اللواء”، إن القوات الروسية طالبت قيادة “اللواء” المشاركة في قتال التنظيم في البادية، لكن “اللواء” رفض بسبب إشراك عناصر إيرانيين وأفغان في القتال.
وسبق أن أعطى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 11 من آذار الحالي، الإذن لوزارة الدفاع الروسية بنقل آلاف “المرتزقة” من منطقة الشرق الأوسط، لمشاركة القوات الروسية في “غزو” أوكرانيا.
بدورها، نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريرًا يتحدث عن مشاركة سوريين في الحرب بين روسيا وأوكرانيا المستمرة منذ إعلان “الغزو” الروسي عليها في 24 من شباط الماضي.
وبحسب التقرير المنشور في 4 من آذار الحالي، وردت أنباء تفيد بقيام أجهزة أمنية تابعة لحكومة النظام السوري المدعومة روسيًا، وعدد من فصائل المعارضة المسلحة السورية المدعومة من تركيا، بفتح باب التسجيل للمقاتلين الراغبين بالقتال في أوكرانيا إلى جانب كل من طرفي النزاع هناك.
شارك في إعداد هذه المادة مراسلا عنب بلدي في حمص ودرعا
–