منذ بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، صدرت العديد من التقارير التي أكّدت استخدام روسيا استراتيجيات مشابهة لتلك التي استخدمتها خلال سنوات النزاع في سوريا.
أصدرت صحيفة “الجارديان” تقريرًا لخّصت فيه خمس استراتيجيات رئيسة في “كتاب اللعب في سوريا”، لتسليط الضوء على جرائم الحرب التي تكررها روسيا اليوم في أوكرانيا.
حصار المناطق “المتمردة”
حاصرت قوات النظام السوري وحليفها الروسي عدة مدن في سوريا لتجويعها وإجبارها على الخضوع، واحتجزت المدنيين رهائن لمنع تقدم قوات المعارضة والحد من سيطرتها.
وعلى غرار سوريا، تحاصر القوات الروسية اليوم مدينة ماريوبول في أوكرانيا، إذ تُخضعها لحصار بين خطوط المواجهة والبحر، تزامنًا مع منع المدنيين من المغادرة وقطع طرق وصول المساعدات الإنسانية، إلى جانب الاستمرار بعمليات القصف التي تستهدف البنية التحتية المدنية.
كما فرضت القوات الروسية حصارًا مشابهًا على العاصمة كييف ومدينة خاركيف الشرقية الرئيسة، لكنّ القوات الأوكرانية تمكّنت حتى الآن من إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة.
وبحلول عام 2017، بلغ عدد السوريين في المناطق المحاصرة أو المناطق التي يصعب الوصول إليها، نحو 4.9 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
وشهدت الغوطة الشرقية حصارًا استمر لنحو خمس سنوات اعتمد فيها النظام سياسة التجويع والقصف المستمر بالأسلحة المحرمة دوليًا، وهي سياسة شهدتها مناطق أخرى كداريا ومخيم “اليرموك” والزبداني ومضايا.
كما خضعت حلب لحصار استمر حوالي ستة أشهر، قطع خلالها النظام كل طرق الإمداد والمساعدات، تزامنًا مع قصف استهدف المدنيين والمراكز الحيوية بالمدينة.
استهداف البنية التحتية المدنية
جعلت روسيا وحلفاؤها البنية التحتية المدنية والمراكز الحيوية في أوكرانيا، ومن قبلها سوريا، أهدافًا عسكرية.
ورغم أن القانون الدولي يجرّم استهداف المدنيين، اعتمدت روسيا عليه لنشر الرعب، وإضعاف إرادة المقاتلين، إلى جانب تدمير المجتمع الذي يعتمد عليه المقاتلون في الدعم العملي والمعنوي.
من جهته، قال محقق جرائم الحرب الذي حلّل النشاط الروسي في سوريا لمصلحة الأمم المتحدة، مارك غارلاسكو، “لقد وثقنا العديد من الهجمات على المستشفيات بالأسلحة الروسية الدقيقة، ما يدل على رغبة واضحة في استهداف المستشفيات المحمية بموجب القانون الإنساني الدولي”.
وبينما تعرضت إمدادات المياه والغاز والكهرباء في سوريا لأضرار كبيرة جرّاء القصف الروسي، تعرضت محطة للطاقة شرقي أوكرانيا لهجوم أسفر عن تعطل إمدادات المرافق في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب “الدفاع المدني السوري” نفّذت القوات الروسية على الأراضي السورية نحو 272 هجومًا أسفرت بمجموعها عن مقتل نحو ألفين و448 شخصًا، إضافة إلى إصابة أربعة آلاف و658 شخصًا، وفق بيان صادر في أيلول 2021.
وتركزت الهجمات على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، بغرض تهجير المدنيين، وتدمير كل أشكال الحياة، وفق البيان.
استخدام الأسلحة العشوائية
تظهر التسجيلات المصوّرة في أوكرانيا مشاهد مشابهة لما حدث في سوريا، إذ تستخدم روسيا الأسحلة المجربة في سوريا على المدنيين في أوكرانيا.
وتتفاخر روسيا باختبار نحو 300 نوع جديد من الأسلحة في سوريا لتطوير تقنياتها الحربية واختبارها، كما استخدمت العديد من الأسلحة المحرمة دوليًا في حربها على البلدين، من بينها الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية.
قالت منظمة العفو الدولية، إن “القوات الروسية لديها سجل مخجل في استخدام الذخائر العنقودية بالمناطق المأهولة بالسكان”.
وبحسب تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”، استخدمت روسيا القنابل العنقودية خلال “غزو” أوكرانيا على غرار استخدامها في سوريا.
كما أشارت التقارير إلى أن روسيا استخدمت أسلحة عشوائية مصممة لساحات القتال المفتوحة في كلا البلدين.
جاء ذلك تزامنًا مع تحذيرات وتوقعات بأن روسيا تخطط لهجوم بالأسلحة الكيماوية على أوكرانيا، على غرار هجومها على سوريا.
وبحسب “الائتلاف المناهض لاستخدام الذخائر العنقودية”، فإن نحو 80% من ضحايا القنابل العنقودية خلال عشرة أعوام قُتلوا في سوريا.
الممرات الإنسانية
يعتبر مشهد قوافل المدنيين المهجرين في سوريا مألوفًا، إذ يعد جزءًا من منهجية روسيا لإفراغ المدن بعد الحصار والقصف.
ورغم إعلان وزارة الدفاع الروسية عن وقف إطلاق النار وفتح “ممرات إنسانية” لإجلاء المدنيين إلى وجهات أغلبها تخضع لسيطرة روسيا أو حلفائها، تظهر المؤشرات أن روسيا فشلت في تأمين ممرات آمنة للمدنيين على غرار فشلها في سوريا.
من جهتها، قالت الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن إيما بيلز، إن روسيا أعلنت أحيانًا عن ممرات إنسانية في سوريا من جانب واحد دون التنسيق مع المنظمات الدولية لمنع مراقبة الممرات من قبل تلك المنظمات.
وأضافت بيلز أن الممرات لم تكن عملية ومجدية، إذ إنها فُتحت لفترات وجيزة أو نقلت المدنيين إلى مناطق خاضعة لسيطرة القوات العسكرية التي تشكّل خطرًا عليهم.
وتُتهم روسيا باستهداف الممرات الإنسانية سبع مرات، على الأقل، في سوريا ما أسفر عن مقتل نحو 44 شخصًا.
كما اتبعت روسيا سياسة مشابهة مع الفارّين من مدينة ماريوبول الأوكرانية، إذ فر عشرات الآلاف في قوافل مخصصة من السيارات الخاصة، بينما تعرض العشرات من المدنيين الذين خرجوا مشيًا على الأقدام للعديد من المخاطر في أثناء عبور الحواجز الروسية.
التضليل
تتبع روسيا نمطًا ثابتًا في تضليل الحقائق من خلال الاستمرار بإنكار جرائم الحرب واتهام المدنيين بتزوير الصور والوقائع، بطريقة مشابهة لاتهام المدنيين بتزييف المشاهد التي وثقت جرائم الكيماوي في سوريا.
وبحسب الباحثة السورية في منظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة كيالي، نجحت الحملة في سوريا على مدى عدة سنوات في إثارة الشكوك بين الكثيرين حول حقيقة الأذى الذي تسببت به روسيا للمدنيين.
وأضافت كيالي أن سوريا واجهت حملة تضليل معقدة شنتها وسائل الإعلام الروسية، خاصة تجاه منظمة “الخوذ البيضاء”، مشيرة إلى أن حملات التضليل نجحت في كثير من الحالات.
من جهته، ادعى المتحدث الرئيس باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، أن القوات الأوكرانية كانت تخطط لتسجيلات مصوّرة لتزييف الحقيقة، مستندة إلى الأنماط التي تستخدمها منظمة “الخوذ البيضاء”.
–