ست سنوات مضت على إعلان الحداد رسميًا في هولندا، وتنكيس الأعلام في ملعب “أمستردام أرينا”، واستبدال قميص يحمل الرقم 14 بجميع القمصان على تماثيل العرض في متجر النادي، وهو رقم أسطورة كرة القدم الهولندي يوهان كرويف، الذي توفي في 24 من آذار 2016، عن عمر ناهز 68 عامًا.
ونعت العديد من الشخصيات حينها “الجناح الطائر”، ونُكّست الأعلام في العاصمة أمستردام يوم وفاته، ونعاه ملك هولندا، والاتحاد الهولندي وعدة أندية ولاعبين وفاعلين في عالم كرة القدم على رأسهم نادي برشلونة النادي الذي تألق معه لاعبًا ومدربًا.
وأحيا جماهير برشلونة وعشاق كرة القدم الذكرى السادسة لرحيل فيلسوف الكرة الهولندي يوهان كرويف، وأيقونة النادي، وصاحب الإنجازات التاريخية مع البارسا.
كرويف اللاعب
سجّل كرويف اسمه في التاريخ بداية من مسيرته كلاعب مع كل من ناديي أياكس وفينورد في هولندا أو برشلونة في إسبانيا، قبل أن يتولى قيادة النادي الكتالوني بين عام 1988 و1996.
حقّق اللاعب كرويف مع فريق أياكس الهولندي لقب الدوري الهولندي الممتاز ثماني مرات، وكأس هولندا خمس مرات، ودوري أبطال أوروبا (كأس أوروبا بالمسمى القديم) ثلاث مرات، وكأس السوبر الأوروبي مرة واحدة.
كما حقّق مع النادي كأس “الإنتر كونتيننتال” أو كأس “تويوتا”، مرة واحدة، وهي منافسة أوروبية- أمريكية جنوبية لأندية كرة القدم، كان ينظمها كل من الاتحاد الأوروبي واتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم، وتعدّ بمنزلة نواة كأس العالم للأندية.
وحقّق مع نادي فاينورد بطولة واحدة في كل من الدوري الهولندي الممتاز، وفي كأس هولندا.
وحصد مع نادي برشلونة بطولة واحدة في الدوري الإسباني، وبطولة في كأس ملك إسبانيا، وحقّق مع المنتخب الهولندي وصافة كأس العالم عام 1974، والمركز الثالث في بطولة أمم أوروبا عام 1976.
أبدع كرويف كلاعب وحصل على الكرة الذهبية ثلاث مرات في أعوام 1971 و1973 و1974، واختير في التشكيل المثالي لكأس العالم في القرن الـ20، ووضعه بيليه في قائمة المئة لأفضل 125 لاعبًا في القرن الماضي، واشتهر بـ”مراوغة كرويف” نسبة لحركة شهيرة له قدمها لأول مرة ضد السويد في كأس العالم 1974.
كرويف المدرب وعقليته
حصل كرويف على لقب أفضل مدرب في العالم عام 1987، واختارته صحيفة “دون بالون” الإسبانية كأفضل مدرب في 1991 و1992، ويعتبر من بين أفضل عشرة مدربين في أوروبا على مدار التاريخ في قائمة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا).
حصد كرويف المدرب بطولة كأس هولندا مع أياكس مرتين، وكأس الكؤوس الأوروبية مرة، وفاز في أثناء تدريبه لبرشلونة بالدوري الإسباني أربع مرات، وكأس ملك إسبانيا مرة، بالإضافة إلى كأس السوبر الإسباني ثلاث مرات، وكأس أبطال أوروبا مرة، وكأس السوبر الأوروبي مرة، وكأس الكؤوس الأوروبية.
ولا تزال الفلسفة الكروية التي تميز بها كرويف كمدرب موجودة وباقية في النادي الكتالوني رغم رحيله، إذ يعد النجم الهولندي من أبرز لاعبي كرة القدم على مدار التاريخ، وهو من أنشأ طريقة لعب الكرة الشاملة مع المنتخب الهولندي، ومع برشلونة الإسباني.
ويعتبر كرويف أول من طبّق أسلوب الكرة الشاملة في النادي الكتالوني الذي أطلق عليه معه كمدرب لقب “فريق الأحلام”، وكان لكرويف مقولته الشهيرة “أنت تلعب كرة القدم برأسك، ورجلاك هناك لمساعدتك”، كما يسير على نهجه “الكرة الشاملة” العديد من المدربين الذين يدربون أعرق الأندية في أوروبا والعالم، وأبرزهم:
الفيلسوف جوارديولا
أثبت المدرب الإسباني بيب جوارديولا أنه أفضل من خلف معلمه يوهان كرويف في تطبيق أسلوب اللعب الشامل والتبادل السلس والمتواصل المعروف بأسلوب “تيكي تاكا” الذي اشتهر به النادي الكتالوني خلال حقبة الهولندي كرويف.
ونجح جوارديولا في السير على خطى مدربه السابق ومكتشفه كرويف، إذ كان جوارديولا لاعبًا في الفريق في زمن كرويف، ودخل تاريخ قارة أوروبا في موسمه الثاني كمدرب عندما رفع عام 2009 كأس دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في مسيرته بعد أن تُوّج بلقب هذه المسابقة عام 1992 كلاعب.
ويرى المدرب جوارديولا أن أفضل توازن هو امتلاك الكرة، وإذا امتلك الفريق الكرة طوال الوقت فالتوازن يكون موجودًا برأيه، وأفضل طريقة هي فرض الأسلوب مثلما يفعل حاليًا مع نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، ويرى أن الطريقة الممتعة في اللعب هي الاستحواذ على الكرة.
كما يعتمد المدرب على خطة وتكتيك كروي يدعى “المهاجم الوهمي”، الذي يعتمد على مهاجم يلعب متأخرًا من أجل صناعة اللعب، واستخدم هذه الخطة في حسم العديد من المواجهات.
ويركز جوارديولا على الانتشار العرضي والطولي الجيد للاعبين، وخلق مسافات مدروسة بينهم تسمح بتوفير المساندة لحامل الكرة أو فاقدها، والسعي لاختراق خطوط الخصم.
لويس إنريكي
سار المدرب الإسباني لويس إنريكي على نهج كرويف في خطة امتلاك الكرة لخلق الفرص والسيطرة على اللعب والضغط في ملعب الخصم، سواء في أثناء تدريبه لنادي البارسا، أو للمنتخب الإسباني.
لويس إنريكي من المخلصين والمؤمنين بفكر الاستحواذ والكرة الشاملة الهجومية والضغط العالي دفاعيًا، وهذا ما شاهده جمهور كرة القدم، إذ لم يظهر تغيير كبير على فكر برشلونة وطريقة لعبه، وفي المنتخب الإسباني أيضًا.
وكان تعاقد برشلونة مع إنريكي مخاطرة كبيرة، لكنه أثبت أن الرهان عليه وعلى حبه لقميص النادي كان في محله، وتمكّن في موسمه الأول في تدريب النادي من قيادته إلى ثلاثية الدوري والكأس المحليين ودوري أبطال أوروبا، وتوّج موسمه الاستثنائي بإحرازه جائزة أفضل مدرب كرة قدم في العالم لعام 2015.
ويرى عشاق كرة القدم أن إنريكي انتصر لأفكاره ونهجه وطريقة تدريبه، حين قاد المنتخب الإسباني إلى نهائي دوري الأمم الأوروبية في تشرين الأول 2021، ورغم خسارته أمام فرنسا بلقب النسخة الثانية من دوري الأمم الأوروبية، أثبتت طريقته في اللعب واعتماده على الشبان علو كعبه ونجاعة فكره التدريبي.
أرتيتا.. جوارديولا الصغير
مع تولي المدرب الإسباني ميكل أرتيتا منصب المدير الفني لفريق أرسنال الإنجليزي 2019، واجه عدة انتقادات ومطالبات بالاستقالة، بعد عدة نتائج سلبية، لينجح جوارديولا الصغير كما يطلق عليه، بإقناع جماهير الجانرز بالحصول على ما يريد بعد صبر كبير.
ونجح أرتيتا بتغيير شكل أرسنال بدرجة كبيرة وتحسن مستواه، ومنذ أن تولى أرتيتا تدريب أرسنال كانت المقارنات مع بيب جوارديولا ثابتة، للاعتماد على نفس العقلية والنهج في التدريب.
وبالنسبة للبعض يرونهم كالطالب والمعلم، بعد أن عمل أرتيتا إلى جانب جوارديولا في السيتي، لكن الجماهير تتفق على أن هذا التفكير هو نتاج نظام برشلونة، ومدرسة كرويف.
وتعتبر خبرة أرتيتا في عالم التدريب قصيرة جدًا بالنسبة إلى المدربين الكبار في البريميرليج، ويعتمد الفريق حاليًا على لاعبين شباب، يحاول أرتيتا توظيفهم في بناء هجمات سريعة في حال الارتداد إلى مناطق الخصم.
زرقاء اليمامة
طريقة لعب يوهان كرويف كانت حاضرة في أسلوب المدرب الإسباني تشافي هيرنانديز، حين درب كلًا من نادي السد القطري، وبرشلونة الإسباني، والذي اعتمد على جناحين مفتوحين إلى الأمام في الأروقة، لاستغلال مساحات الملعب، وإرغام ظهراء الفريق الخصم على الخروج من مناطقهم، ما يتيح حرية أكثر للمهاجم ولاعبي الوسط.
طريقة اللعب التي اتبعها لم تقتصر على الاستحواذ فقط، إنما عمل على تحفيز لاعبيه على الاستمتاع بالكرة، والتعامل معها بشغف، وكان قال في برنامج “The Coaches Voice”، “أريد منهم الاستمتاع بالكرة، لا أريد أن يعانوا، الكرة ليست قُنبلة بل هي بمنزلة كنز”.
وكان نادي برشلونة دفع الشرط الجزائي البالغ خمسة ملايين يورو لإنهاء عقد تشافي مع النادي القطري، بعد أن سمح نادي السد لمدربه تشافي هرنانديز بالانتقال لتدريب نادي برشلونة الإسباني، في 5 من تشرين الثاني 2021.
وبطريقة اللعب هذه جاءت الصحوة، والعودة لسكة الانتصارات للنادي الكتالوني، إذ صحح تشافي مسار برشلونة الذي بدأ مشواره في الدوري متواضعًا غير مقنع بقيادة مدربه السابق الهولندي رونالدو كومان، الذي أُقيل بسبب تردي نتائج البارسا، وتأهل حاليًا إلى الدور ربع النهائي في كأس الاتحاد الأوروبي.
–