حرب اقتصادية باردة.. خمس طرق تضر بها العقوبات الغربية روسيا

camera iconالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومن خلفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في قمة جنيف (تاس)

tag icon ع ع ع

تسببت العقوبات الدولية ضد روسيا في أعقاب “غزوها” لأوكرانيا، في إثارة ما وصفه بعض المحللين بالحرب الاقتصادية الباردة.

ويحرص المسؤولون الأمريكيون على تصوير عقوباتهم على أنها أدوات مدمرة للسياسة الخارجية، إلا أن الجزء الأكبر من الإجراءات الاقتصادية لا يزال يستهدف النخب الثرية وشركاتها، التي تكون بشكل عام معزولة عن الاقتصاد المعولم.

ورغم وجود نقاش حاد داخل النخبة الروسية حول مدى شدة رد فعل موسكو على العقوبات الغربية، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن روسيا ستظل منفتحة على الأعمال، ولا تنوي عزل نفسها عن أولئك الذين ما زالوا يريدون القيام بأعمال تجارية.

وفقًا لصحيفة “THE HILL“، لا ترقى العقوبات إلى مستوى الحظر المفروض على صادرات الطاقة الروسية، الأمر الذي من شأنه أن يضر بالاقتصاد الأوروبي، ويؤدي إلى تفاقم أسعار الطاقة المرتفعة بالفعل، في حين بلغ التضخم في الولايات المتحدة أعلى مستوياته خلال 40 عامًا.

ويواجه الاقتصاد الروسي أخطر أزمة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، إذ أدت العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي إلى عزل موسكو عن احتياطياتها، كما واجهت روسيا صعوبة في العثور على مشترين لذهبها، بالإضافة إلى أن العقوبات تصيب الشعب الروسي نفسه، وتعيد ذكريات الصعوبات الاقتصادية في ماضي البلاد.

انكماش الناتج المحلي الإجمالي لروسيا

وفقًا لخبراء اقتصاديين في بنك “جي بي مورجان” الأمريكي، يمكن أن يتقلّص الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة تصل إلى 7% على مدار العام، و35% على أساس ربع سنوي، وقد يصل التضخم إلى 14% في روسيا بنهاية العام.

ومن المتوقع أن يؤدي تضاؤل ​​الثقة في الأعمال التجارية وارتفاع حالة عدم اليقين لدى المستثمرين إلى إعاقة أسعار الأصول، ما يحفّز حركة رأس المال خارج البلاد، وفقًا لصندوق النقد الدولي (IMF).

ويؤثر هروب العديد من الشركات الدولية بشكل سلبي أيضًا على أنماط حياة الأفراد الروس. في حديث إلى صحيفة “THE HILL”، قالت امرأة روسية، طلبت عدم الكشف عن هويتها خوفًا على سلامتها، إن حياتها لم تتغير بشكل جذري، لكنها محرومة من الأشياء المعتادة.

وذكرت أنها لم يعد بإمكانها استخدام “Apple Play” ومشاهدة “Netflix”، وشراء أي شيء من مواقع الإنترنت الأجنبية، وأنها تحتاج إلى “VPN” (شبكة افتراضية خاصة) لاستخدام “إنستجرام”، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع لا سيما المستوردة.

وأضافت، “في أعماقي، أشعر بعدم اليقين، كل يوم هناك شيء جديد يمكن سحبه أو حظره أو تقييده، من الصعب حقًا التخطيط لأي شيء هذه الأيام”.

فوضى في القطاع المالي الروسي

دخل الاقتصاد الروسي في حالة من الفوضى بعد أن تسببت العقوبات الغربية في انهيار عملة البلاد، وكافح البنك المركزي الروسي لتحقيق الاستقرار في قيمة الروبل، ومنع ارتفاع حاد في أسعار الفائدة دون الوصول إلى ما يقرب من نصف احتياطياته الأجنبية.

تراجعت قيمة الروبل بما يصل إلى 30% مقابل الدولار، وانخفضت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل المعيار القياسي للعملة العالمية.

دفع الضعف الحاد والمفاجئ في الروبل البنك المركزي الروسي إلى رفع أسعار الفائدة بأكثر من الضعف، من 9.5% إلى 20%، في محاولة “يائسة” لحماية قيمته، واضطر البنك المركزي إلى ضخ النظام المصرفي بأموال إضافية بسبب حجم طلبات أجهزة الصراف الآلي التي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ آذار 2020.

أدت الهزة المفاجئة في الاقتصاد الروسي إلى قيام المسؤولين بإغلاق بورصة موسكو، وتوقع المحللون أن ينخفض ​​المؤشر الرئيسي للبورصة “MOEX”، إذ يتخلى المستثمرون عن الأصول المقومة بالروبل.

وكانت المملكة المتحدة انضمت إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في المزيد من التضييق على الاقتصاد الروسي، من خلال حظر جميع الأشخاص والشركات البريطانية من التجارة مع البنك المركزي وصندوق الثروة السيادي ووزارة المالية في روسيا.

الصناعات والتجارة الروسية

كانت روسيا تندمج ببطء في سلاسل التوريد المعولمة منذ التسعينيات في صناعات مثل التكنولوجيا والطيران، ويتسبب الآن عدم القدرة على الوصول إلى الأجزاء التي تم تصنيعها أو تصميمها أو التحكم فيها من خلال قوانين الملكية الفكرية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في حدوث اضطرابات.

وشوهد هذا بالفعل في صناعة السيارات، إذ أغلقت حوالي نصف شركات السيارات الروسية مصانعها، لأنها لا تستطيع الحصول على المواد التي تحتاج إليها، ويتوقع محللون أن هذا الأمر سيزيد في قطاعات مختلفة من الصناعة الروسية حيث تتراكم مشكلات سلسلة التوريد بمرور الوقت.

أحد المكونات الرئيسة المستخدمة في مجموعة من الصناعات المختلفة هو أشباه الموصلات، وهي رقائق الكمبيوتر التي تخزن البيانات وتعالجها في منتجات تتراوح من الهواتف الذكية إلى أنظمة الأسلحة.

وتحصل روسيا على معظم رقائقها من الصين، لكن العديد من المحللين يقولون إن هذه الرقائق أدنى من معايير الأجهزة الأمريكية وغيرها من شرق آسيا، وتوصف القدرات المحلية لروسيا بأنها “متأخرة بأكثر من عقد” عن التايوانيين الذين يصنعون الرقائق المنطقية الأكثر تقدمًا، ويليهم الكوريون الجنوبيون، وشركة “إنتل” في الولايات المتحدة.

ولا تزال الرقائق المتقدمة المصنعة في الصين خاضعة لضوابط التصدير الأمريكية، لأن هذه الرقائق مصنوعة باستخدام تكنولوجيا أمريكية مستوردة، ومن المحتمل أن يحاول المصنعون تجاوز هذه الضوابط بشكل غير قانوني، لكن الشركة الصينية الرائدة في صناعة الرقائق لأشباه الموصلات امتثلت إلى حد كبير عندما تم فرض عقوبات مماثلة على شركة الاتصالات الصينية العملاقة “هواوي” في عام 2019.

ثقافة الأزمات

بالنسبة للعديد من الروس، تعيد الأزمة الحالية ذكريات تسعينيات القرن الماضي، حين واجهت البلاد خلالها ركودًا طويلًا من إعادة هيكلة اقتصادها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي.

وفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الروسي بين عامي 1989 و1996، بأكثر من 40%، وساءت الأمور لدرجة أن صندوق النقد الدولي اضطر إلى تحقيق الاستقرار في الروبل الروسي عام 1995 بضوابط نقدية صارمة.

ذكرت إيكاترينا سيليوزيتسكايا، وهي مواطنة روسية تعيش في مدينة دونغقوان- الصين، وتعمل كمترجمة روسية- صينية في مقابلة لصحيفة “THE HILL”، إن الناس في روسيا اعتادوا مواجهة الكثير من الأزمات الاقتصادية، وبالكاد يتذكرون الأوقات التي لم تكن فيها أزمة اقتصادية.

وأضافت أن الناس الذين تعرفهم بخير الآن، “بالطبع هم خائفون على مستقبلهم وقد يفقد بعضهم وظائفهم، والمستقبل غير واضح”، وأشارت إلى أن موظفي القطاع العام الروس يتمتعون بدرجة أكبر من الاستقرار المالي مقارنة بالعاملين في القطاع الخاص، وخاصة أولئك الذين يعملون في الشركات الدولية.

وأكدت سيليوزيتسكايا، أن شراء وبيع قطع الغيار يزدادان تعقيدًا، “إذا كان الناس يعملون مع الصين، فإنهم يفضّلون الدفع باليوان وتجنب الدفع بالدولار، لأن عمليات العملة معقدة للغاية بالدولار الآن، واليوان قوي للغاية”، على حد تعبيرها.

نزوح الشركات الغربية

أثار رحيل الشركات المتعددة الجنسيات من روسيا، ذكريات عن قيود الحقبة السوفييتية على اقتصاد البلاد، إذ أعلنت العشرات من الشركات عن خطط لإنهاء عملياتها في روسيا، مستشهدة بالآثار الأخلاقية للعمل في ظل نظام بوتين ومخاطر التعارض مع العقوبات.

أصبح الروس الآن معزولين إلى حد كبير عن شركات الخدمات المالية والتكنولوجيا والترفيه الأمريكية، بما في ذلك “آبل” “ونتفليكس” “وفيزا” “وماستركارد”، وكانت شركة “بريتيش بتروليوم” البريطانية ثالث أكبر شركة نفط خاصة في العالم، تخلّت عن حصتها في شركة “Rosneft” الروسية المنتجة للنفط، بينما أغلقت شركات كبرى مثل: “ماكدونالدز” و”كوكا كولا” و”تويوتا” وشركة الأثاث “إيكيا” أعمالها في روسيا.

ومن المرجح أن ترفع الولايات المتحدة وحلفاؤها بعض العقوبات الاقتصادية، في وقت ما في المستقبل، إلا أنه لن يتم استعادة بعض العلاقات التجارية التي قُطعت هذا العام.

أعلنت الحكومة الروسية عن خطط لمصادرة أصول أي شركة دولية تغادر احتجاجًا خلال الحرب، بما في ذلك ملكيتها الفكرية، وهذا يعني أن بإمكان روسيا دعم الشركات المملوكة للدولة لعمل نسخ مقلدة من المنتجات والشركات التي لم تعد تعمل في البلاد باستخدام نفس العلامة التجارية مع المواد المحلية.

وكان الملياردير الروسي، وثاني أغنى رجل أعمال في روسيا، فلاديمير بوتانين، حذّر من أن مصادرة أصول الشركات التي غادرت روسيا، ردًا على “غزوها” أوكرانيا، ستزعزع ثقة المستثمرين لعقود، وستعيد روسيا إلى الأيام المأساوية للثورة البلشفية عام 1917.

وقال بوتانين، إن على روسيا أن تستجيب بـ”براغماتية” (التعامل مع المشكلات بطريقة عملية) لاستبعادها من قطاعات كاملة من الاقتصاد العالمي.

وحذر أيضًا من “محاولة إغلاق الباب”، وحثّ على السعي للحفاظ على المركز الاقتصادي لروسيا في تلك الأسواق “التي أمضت وقتًا طويلًا في تربيتها”، حسب تعبيره.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة