أطلق ناشطون من أبناء الغوطة الشرقية في ريف دمشق، حملة باسم “راجعين”، تزامًنا مع الذكرى السنوية الرابعة للتهجير القسري، الذي نفذه النظام السوري وحليفه الروسي بحق أهالي الغوطة الشرقية في العام 2018.
جريمة لا تسقط بالتقادم
نظّمت مجموعة من ناشطي الغوطة وجميعهم من شهود تلك المرحلة، ندوة تفاعلية عبر تطبيق “كلوب هاوس”، في 22 من آذار الحالي، ناقشوا خلالها أبرز الأحداث التي وقعت في الغوطة الشرقية منذ حصارها في العام 2012 وصولًا إلى تهجير أبنائها في 2018.
خلال الندوة التفاعلية، قال منظّمو الحملة، إنه جرى “توثيق 24 ألف شهيد من أبناء الغوطة الشرقية، بينهم شهداء الحملة العسكرية التي سبقت عملية التهجير، الذين بلغ عددهم 2075 شهيدًا بينهم 305 نساء و409 أطفال”.
وقال منظمو الحملة في بيان نشر عبر صفحتها في “فيسبوك”، “بعد مرور أربع سنوات على عملية التهجير القسري في الغوطة الشرقية، لا تزال تداعيات هذه الجريمة مستمرة على الضحايا في أماكن نزوحهم ولجوئهم المختلفة، بما في ذلك الاعتداء على حقوقهم وأملاكهم، أو الملاحقة الأمنية لذويهم”.
وبلغ إجمالي عدد المهجرين قسرًا من الغوطة الشرقية بحسب البيان 78 ألف شخص، كما خرج أكثر من 80 ألف شخص من المنطقة في أثناء الحملة العسكرية من معابر فتحها النظام، وتم احتجازهم فيما يعرف بمراكز الإيواء، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وأشار البيان إلى أن أول دفعة مهجرين خرجت إلى شمال غربي سوريا كانت من مدينة حرستا بالغوطة الشرقية، في 22 من آذار 2018، فيما كانت آخر دفعة للمهجرين من مدينة دوما في 14 من نيسان 2018.
تذكير وتوثيق ومحاسبة
ثائر حجازي، ناشط حقوقي مهجر من الغوطة وأحد منسقي الحملة، قال لعنب بلدي، إن الحملة تهدف إلى توثيق جرائم النظام، ومنها جريمة التهجير القسري المنصوص عنها في المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي ينص صراحة على أنها جريمة ضد الإنسانية.
كما تهدف الحملة التي تمتد من تاريخ 22 من آذار الحالي وحتى 14 من نيسان المقبل، إلى “توثيق أحداث التهجير لمواجهة تزوير عصابة الأسد للحقائق، وأيضًا الوصول إلى المحافل الدولية القانونية لمحاسبة المجرمين”، بحسب حجازي.
وأضاف حجازي أن الحملة تتضمّن “إطلاق حملة إعلامية كبيرة تذكّر بجريمة التهجير القسري وتسلّط الضوء عليها من خلال إحصائيات دقيقة للشهداء والمهجرين والجرائم التي ارتُكبت”.
كما أشار إلى أن “الحملة تعمل على توثيق شهادات الناجين ممن كان لهم دور ضمن مؤسسات الغوطة الشرقية، وسيتم عقد ندوات وجلسات فيزيائية وإلكترونية لتخليد هذه الذكرى، إضافة إلى إجراءات قانونية من الممكن أن يتم العمل عليها بالاستعانة بمحامين أحرار داخل وخارج سوريا”.
ذكريات قبل التهجير
قال الناشط الإعلامي براء عثمان، من المهجرين قسرًا من الغوطة الشرقية، لعنب بلدي، “من أقسى اللحظات التي عانيتها خلال الحملة الأخيرة، كانت الحيرة التي وقعت بها بين الاطمئنان على زوجتي وأطفالي وبين تصوير القصف الجنوني والقيامة التي رأيناها في الأيام الـ50 الأخيرة قبل التهجير”.
وأضاف، “كانت التغطية الإعلامية عملية انتحارية في كل لحظة، وبسبب تعلّق المدنيين بأي خبر من أي شخص ينزل إلى الأنفاق والأقبية، أحسست بالمسؤولية تجاه نقل أخبار مباشرة لهم، خاصة مع انقطاعهم عن أي وسائل تواصل”.
وبحسب ما قاله عثمان، فإن “معنويات الناس كانت في أسوأ حالاتها، ووجوههم كانت شاحبة ليس فقط من أثر الجوع والعطش ونقص السكر تحديدًا وغيابهم عن شمس ربيع آذار تحت الأرض، ولكن من الرعب الذي كان يملأ قلوبهم”.
وذكر أن “أكثر ما كان المدنيون يخشونه هو أن يقعوا بأيدي عصابات الأسد أحياء، كان الموت أمنية وكانت الإصابة أشد ألمًا من الموت، لا إمكانيات تُذكر ولا أمل في إسعاف المصاب، ناهيك عن معالجته أو الوصول إلى المستشفيات التي كانت أهدافًا رئيسة لطيران الاحتلال الروسي المجرم”.
عثمان اعتبر أنه “لا يمكن وصف الحال التي عانينا منها خلال الحملة العسكرية التي نفذتها روسيا على الغوطة الشرقية قبل التهجير، 50 يومًا من القيامة كانت كفيلة بتدمير أكثر من 80% من البنية التحتية لأغلب مدن وبلدات الغوطة الشرقية”.
وكان عدد من الناشطين والفعاليات المدنية في مدينة إدلب شمالي سوريا نظموا، في 4 من نيسان 2021، وقفة لإحياء الذكرى الثالثة لتهجير أهالي الغوطة إلى الشمال السوري.
وجاءت الوقفة حينها التي دعت إليها “رابطة الإعلاميين في الغوطة الشرقية”، للتأكيد على “حق العودة” إلى الغوطة الشرقية.
وفي شباط من العام 2018، شنت قوات النظام المدعومة روسيًا هجومًا على الغوطة الشرقية، وانتهت الحملة بعد أن قُسّمت الغوطة إلى ثلاثة جيوب تسيطر عليها ثلاثة فصائل مختلفة.
ووقّع فصيل “حركة أحرار الشام الإسلامية” أول اتفاقية تقضي بنقل مقاتليه والمدنيين غير الراغبين بـ”تسوية” أوضاعهم مع النظام السوري إلى الشمال السوري، في 21 من آذار 2018.
وبعدها بيومين، اتفق “فيلق الرحمن” والجانب الروسي على خروج الفصيل من القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، بالإضافة إلى المدنيين غير الراغبين بالبقاء تحت سيطرة النظام السوري.
وكان “جيش الإسلام” آخر الخارجين بعد توقيعه اتفاقية، في 8 من نيسان 2018، وبعد أقل من خمسة أيام خرج آخر عنصر مقاتل من الغوطة.
–