تتوالى التخبطات التي تتعرض لها منظومة كرة القدم في سوريا، فما أن تُنسى حادثة حتى يظهر طارئ جديد يهز سمعة الكرة وإداراتها.
فمن الأخطاء الإدارية إلى الاتهامات بالفساد والمصالح الشخصية، وتحكم أشخاص بالمنتخب، ونقص المعدات والأدوات، ووضع الظروف شماعة لأي “فضيحة” جديدة، شملت التخبطات اللاعبين والمدربين المحليين والأجانب، واتحاد كرة القدم، وإداريين فيه، واللجنة المؤقتة التي تدير المنظومة حاليًا.
“هرج ومرج” في اتحاد الكرة
في 16 من آذار الحالي عقد اتحاد كرة القدم مؤتمره الاستثنائي، للتصويت على تعديلات النظام الداخلي والتعليمات الانتخابية، ليظهر رئيس الاتحاد السابق فادي دباس بعد التصويت على التعديلات، واصفًا المؤتمر الاستثنائي بأنه عبارة عن “هرج ومرج، دون وجود أي ضوابط”.
وأوضح دباس، بحسب ما نقلته إذاعة “شام إف إم” المحلية، أن الأشخاص المرشحين من قبل الأندية للحضور يجب أن يكون لديهم ثقافة وخبرة كروية عالية، وأنه عاد بعد ثلاث سنوات للاتحاد ووجد الوضع نحو الأسوأ.
وحمّل دباس المسؤولية لاتحاد كرة القدم السابق، معتبرًا أن اللجنة المؤقتة أكملت الأخطاء، وهذا أدى لنتائج سيئة بالمنتخب.
وتشرف لجنة مؤقتة على عمل الاتحاد السوري لكرة القدم، لتسيير أمور الاتحاد والإشراف على لجانه الرئيسة، منذ 19 من تشرين الأول 2021، وأُعلن عن اللجنة حينها المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام، الذي يرأسه فراس معلا.
وقدّم رئيس وأعضاء الاتحاد استقالاتهم رسميًا، بعد النتائج “السلبية” للمنتخب الأول لكرة القدم، في إطار التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2022، في 14 من تشرين الأول 2021.
اعتزال وعودة.. “ضبابية”
شهدت صفوف المنتخب واللجنة المؤقتة، قرارات اعتزال، كردة فعل على “تخبطات وضبابية وتمييز”، تبعها عودة الأطراف المعتزلة وتراجعها عن قرارها.
في 4 من كانون الثاني الماضي، أعلن عضو اللجنة المؤقتة للاتحاد، أحمد قوطرش، استقالته من منصبه رسميًا، وأوضح حينها أنه مبتعد لأكثر من شهر عن الاتحاد الرياضي لأسباب منطقية، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، وقال إنه لا يريد أن تكون هذه الفترة “الضبابية” محسوبة عليه ومدوّنة في تاريخه.
ووصف قوطرش العمل بالاتحاد الرياضي بـ”الضبابي… هناك غموض كبير في الكثير من الأمور، وأرى البعض كيف يلهث وراء مصالحه الشخصية والمنافع والسفر”، وأكد استحالة بقائه في اللجنة، لأنه لم يستطع أن يقدم أي شيء مفيد لكرة القدم وسط هذه الظروف والتخبطات، حسب تعبيره.
ليتراجع قوطرش، في نفس الشهر عن قرار استقالته، موضحًا أنه تفاجأ بعدم استطاعته تقديم الاستقالة في الوقت الحالي، لأن الاستقالة ستسبب مشاكل للمنتخب السوري مع الاتحاد الآسيوي والاتحاد الدولي، وفق ما أخبره رئيس الاتحاد الرياضي العام، فراس معلّا، ولذلك تراجع عن الاستقالة.
وشُكلت اللجنة المؤقتة لحين التواصل مع الاتحادين الآسيوي والدولي لانعقاد اجتماع استثنائي للجمعية العمومية وانتخاب أعضاء اتحاد جديد، ونفى قوطرش وجود خلاف بينه وبين أعضاء أو رئيس اللجنة المؤقتة.
اعتزال وعودة.. “أسباب شخصية”
الاعتزال والعودة لم يقتصر على إداريي المنتخب، إذ انتقل إلى لاعبيه، وفي 11 من كانون الثاني الماضي، أعلن حارس المنتخب اللاعب خالد حاج عثمان اعتزاله اللعب الدولي، وأوضح اللاعب أن قرار اعتزاله جاء لأسباب شخصية وعائلية خارجة عن إرادته، في منشور له عبر “فيس بوك”.
وأوضح حاج عثمان أنه التحق بالمنتخب في توقيت لا يتمناه أي لاعب، وتصدى لهذه “المهمة الوطنية حبًا ورغبة بتقديم شيء لهذا الشعب العطش”، وأنهى الحارس كلامه بتمنياته التوفيق للمنتخب.
اعتزال الحارس جاء بعد يوم من حديث المدرب الروماني، تيتا فاليريو عن لاعبي المنتخب، الذي قال إن الحارس إبراهيم عالمة أقوى من الحارس خالد حاج عثمان بكل شيء، وخاصة أنه يلعب بقدميه، ويعتقد أن عالمة سيساعد تيتا أكثر.
ونوّه تيتا حينها إلى أن “لاعبي نادي الاتحاد لو كانوا معي قبل سنوات لن يحظوا بفرصة للعب، كونهم لا يملكون مهارات وقدرات كافية، باستثناء محمد ريحانية واللاعب مصطفى جنيد لديه مهارات عالية، وأخبرته بأني لو شاهدته قبل كأس العرب للعب معنا”.
وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، ظهر تيتا في تسجيل مصوّر قال فيه، إنه لم يقصد الإساءة لنادي الاتحاد الحلبي أو لاعبيه، ولم يقلّل من قيمة الحارس خالد حاج عثمان، وإنه فُهم بشكل خاطئ، ونفى تيتا كلامه بأن لاعبي الاتحاد ليسوا جيدين، إنما أوضح أنه لا يمكن مقارنتهم باللاعبين السابقين، ليظهر الحارس ثانية في تدريبات المنتخب مجددًا.
العنصرية تعصف بصفوف المنتخب
التخبط في القرارات والاعتزال والاستقالة، امتد إلى الاتهامات والعنصرية والتشكيك بالوطنية،إذ اشتكى اللاعب أياز عثمان من تعرضه للعنصرية ضمن صفوف المنتخب، وقال إنه شخص سوري الهوى والهوية قبل أن يكون كرديًا، ولكن نظرة العنصرية تطغى عليه داخل المنتخب سواء داخل الفندق أو في التمارين والمباريات، وفق منشور للاعب عبر “فيس بوك”، في 27 من كانون الثاني الماضي.
وينحدر عثمان من أصول سورية كردية، من مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، وأوضح أنه أخطأ في موضع ولكن الإدارة أصرت على إبعاده، رغم اعتذاره، لأهداف معينة مُخطط لها سابقًا، وأنه كان يرغب أن يُعامل بطريقة أفضل.
وكان الجهازان الفني والإداري للمنتخب قررا الاستغناء عن خدمات اللاعب إياز، في 25 من كانون الثاني الماضي، بسبب شروط اللاعب “غير المنطقية”، وربط وجوده مع المنتخب بأن يلعب أساسيًا، وفق بيان الاتحاد حينها.
البيان قال إن اللاعب طلب اللعب أساسيًا قبل قدومه إلى دبي، وجوبه طلبه بالرفض من قبل المدرب تيتا، ولكنه كرر طلبه ثانية مع وصوله إلى دبي للالتحاق ببعثة المنتخب، في 24 من كانون الثاني الحالي، وفق البيان.
اللاعب أُقصي من المنتخب بعد أن التحق بالمعسكر رغم توجيه النادي اليوناني، الذي يلعب فيه إياز خطابًا إلى اللجنة المؤقتة، طلب فيه بقاء اللاعب بسبب عدم توقف الدوري، لكن اللجنة رفضت وأصرت على وجوده، خاصة أن قانون “فيفا” يجبر الأندية على مشاركة لاعبيها المحترفين مع منتخباتهم.
اللاعب الأجنبي “منقذ”
العنصرية لم تقتصر على الهوية أو الجنسية، إذ وصلت العنصرية إلى حد التمييز بين اللاعب المحلي والأجنبي من أصول سورية، وكشف حارس مرمى المنتخب، إبراهيم عالمة، عن ذلك، من خلال ظهوره في برنامج “المختار“، الذي بثته إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في 16 من شباط الحالي.
وتحدث عالمة عن طريقة تقديم اللاعب المغترب وكأنه المنقذ من المحليين، الطريقة التي تضر باللاعب المحلي وتخلق حساسية بين المحليين والمغتربين.
وفي 22 من شباط، انتقد مدرب منتخب سوريا الأولمبي الأسبق، عماد خانكان، الطريقة التي يتم فيها جلب المغتربين، واعتبرها خاطئة جدًا واستعراضية، وتؤثر على زيادة الحساسية بين المحليين والمغتربين، ومن المهم إحضار المغتربين قبل مدة زمنية كافية، قبل أي استحقاق، ليسهل اندماجهم وتقييمهم.
وليس كل مغترب سوري أو لاعب أجنبي من أصول سورية، يستحق الوجود مع المنتخب، بحسب خانكان.
وطنية وازدواجية معايير
وُصفت بعض القرارات التي طرحها الاتحاد الرياضي، بأنها لا تستند إلى القانون، وأنها مجحفة، دون الاستناد إلى تحقيق أو سؤال ومحاسبة، ومتوجهة إلى أشخاص محددين دون غيرهم.
في 20 من كانون الأول 2021، طُرد اللاعب فراس الخطيب من الاتحاد الرياضي، بسبب مشاركته في المباراة الودية “الاستعراضية”، التي نظّمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
الخطيب كان حاضرًا في 17 من نفس الشهر في المباراة التي كانت على هامش بطولة “كأس العرب” في قطر، والتي جمعت بين أساطير نجوم العرب ونجوم العالم، بوجود المدرب الإسرائيلي أفرام غرانت، بصفته مشرفًا على فريق نجوم العالم.
ووصف اللاعب السوري قرار طرده بـ”الظالم والكيدي”، دون الاستناد إلى أي مستندات قانونية، ودون التواصل معه أو الاستماع إلى وجهة نظره، ومن جهته، رأى معلا أن قرار طرد الخطيب جاء لأسباب وطنية، ولقناعة الاتحاد بأنه لا يمكن لأي لاعب مهما علا شأنه أن يلعب مع إسرائيل.
وأوضح الخطيب أنه لم يشكّك سابقًا في وطنية معلا وإخلاصه للقضية الفلسطينية، ولم يطالب بحرمانه ومعاقبته، وسيتبع الخطيب جميع الطرق القانونية التي تكفل له حقوقه، بسبب ما لحقه من “تشويه لاسمه”.
وأبدى رئيس الاتحاد الرياضي العام عدم رضاه عن لعب فراس الخطيب للمباراة، ويرى أن الواجب الوطني يفرض على الخطيب الانسحاب من مباراة حضر فيها مدرب بلده تحتل الجولان السوري.
رغم أن معلا كان مشاركًا في بطولة العالم للسباحة التي أُقيمت في غوانغجو الكورية الجنوبية، عام 2019، في سباق 3000 متر بمسابقة المياه المفتوحة، وحقّق المركز الثاني، بوجود لاعبَين اثنين من فريق إسرائيل في نفس المسابقة.
ويرى معلا أن عقوبة الطرد لا تحتاج إلى تحقيق، وانسحاب لاعبين “أهم وأعلى شأنًا” من فراس الخطيب، ورفضهم حتى التقاط الصور مع المدرب الإسرائيلي، دليل كافٍ، وهم اللاعبون الجزائريون، إذ انسحب لاعبو المنتخب الجزائري من المباراة دعمًا للقضية الفلسطينية.
عنب بلدي تواصلت مع صحفي رياضي سوري موجود في سوريا ومقرب من الأندية والاتحاد الرياضي، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أوضح أن العنصرية يمكن ملاحظتها حتى على مستوى الأندية المحلية، فأي لاعب يكون الأميز داخل الملعب أو الأقرب لأصحاب المناصب القيادية بالرياضة، تكون له الكلمة الأقوى داخل صفوف المنتخب ولا يتجرأ أحد على مناقشة قراراته.
القرار السياسي يحكم الرياضة السورية
تُتهم منظومة الرياضة السورية بتبعيتها للسلطة والنظام في سوريا، وتتعرض لانتقادات واسعة واتهامات بـ”الفساد والواسطة”، وانتقادات واسعة من جمهور المعارضة السورية، الذين يعتبرون أن الكوادر الرياضية أداة بيد النظام السوري.
الصحفي الرياضي الذي تواصلت معه عنب بلدي، أكد أن السياسة تتحكم بجميع مفاصل الرياضة السورية، وهذا تجلى في مرات كثيرة، آخرها في لقاء لرئيس الاتحاد، فراس معلا، ذكر أنه يريد الابتعاد عن المعسكرات والمباريات في دولة قطر بسبب ما تسببت به قطر مما وصفه بـ”سفك دماء للشعب السوري”، وكان لا بد له من إدخال السياسة في الرياضة، بحسب الصحفي.
وقال معلا إنه لم يعد يفصل بين الرياضة والسياسة في ظل الأحداث الجارية في سوريا، وهذا سبب رفضه لمعسكرات في الأراضي القطرية، وربما تكون الاتفاقية جيدة رياضيًا لكن لن يكون هناك تعاون مع دولة “قتّلت الشعب السوري”، بحسب تعبيره خلال ظهور إعلامي له، ضيفًا على برنامج “الكابتن” الذي يُعرض على عبر قناة “سوريا دراما” الحكومية، في كانون الثاني الماضي.
الصحفي السوري يرى أن الرياضة في سوريا مهما تطورت ستبقى محكومة وتابعة لسياسة الدولة، وأضاف لعنب بلدي، “طبعًا لا ننسى قيادات ورؤساء نادي الجيش ونادي الشرطة وشرطة حلب وغيرهم، هم قياديون تابعون للجيش والقوات المسلحة السورية”.
الرياضة ليست أولوية
رغم تعاقب المدربين على تدريب المنتخب، فشل في الحصول على العلامة الكاملة من أي لقاء في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2022، ولم يحقق أي انتصار بعد أن تعّرض لأربعة خسائر وتعادلين، ليقبع في المركز الأخير في مجموعته برصيد نقطتين.
الحكم الدولي، السوري فراس محمد الخطيب، وهو حكم كرة قدم في الدوري الهولندي منذ سبع سنوات، أوضح في حديثه لعنب بلدي أن هناك عدة أشخاص يحكمون الرياضة السورية منذ تأسيسها في أكملها ليس فقط لعبة كرة قدم.
التحكم بحسب الحكم يشمل أكثر من لعبة جماعية والألعاب الفردية أيضًا، وهؤلاء الأشخاص يعتبرون أنفسهم هم من أسس وامتلك اللعبة عوضًا عن الجمهور وعن أصحاب القرار، وهذا الأمر ليس بالغريب عن الرياضة السورية، وبالأخص العشر سنوات الأخيرة إذ ظهرت التدخلات على العلن.
بعض المدربين لم يبرر الفشل والنتائج السلبية، وبعضهم كالمدرب السوري نزار محروس، الذي عزا الأسباب بعد خسارته أمام لبنان في تشرين الأول 2021، بنتيجة (2-3)، إلى الظروف وصعوبات السفر والتنقل، وعدم تأمين تكاليف وتجهيزات كافية، وأخطاء إدارية ولوجستية.
ليردّ مذيع برنامج “صدى الملاعب” مصطفى الآغا تعقيبًا على كلام محروس، أنه يسمع بحجة الظروف منذ 41 عامًا، وأن المنتخب السوري سابقًا حقق بطولات بمدرب راتبه 100 دولار، مشيرًا إلى المدرب إبراهيمووف.
وتحدث الآغا عن أن اللباس الرياضي كان “عهدة” في تلك الأيام، من دون وجود بدل ثانٍ لزي اللاعبين، مؤكدًا أنه لا يوجد اهتمام، لكن هذا لا يمنع وجود لعب تنافسي، والأحداث القائمة الآن ليست عذرًا.
ووجه الآغا رسالة حينها إلى القيادة من أعلى الهرم إلى أصغره، على حد تعبيره، قائلًا، “إذا كانت كرة القدم تستحق فأوجدوا الحلول، وإذا كانت لا تستحق، فانسوا التأهل إلى كأس العالم، وامرحوا بين بعضكم”.
الصحفي السوري المقرب من الاتحاد الرياضي، أوضح لعنب بلدي أن النظام السوري لا يُشكل وزارة للرياضة لأن الرياضة هي آخر اهتماماته، وفي حال تشكيل وزارة، فهناك الكثير من رؤساء اللجان والدوائر الحالية سيفقدون مناصبهم.
من جهته الحكم الدولي الخطيب ذكر وجود مقترح جدي منذ عام 2008، لتشكيل وزارة الرياضة والشباب ولكن هناك أشخاص سوف يفقدون تدخلاتهم في حال تشكيل وزارة، ويحول ذلك دون رغبتهم في استمرار العمل على “المحسوبيات والواسطة ونهب المال العام” بالاتفاق مع بعض الأشخاص.
منتخب أشخاص و”سماسرة”
انتقادات إياز عثمان بعد إبعاده لم تتوقف عند حد العنصرية، إنما وجّه اللاعب انتقادات واتهامات لاذعة، واصفًا المنتخب بأنه لم يُعد منتخب وطن بل منتخب أشخاص، ويتحكم فيه أشخاص وسط غياب للعمل الإداري والفني الاحترافي.
واتهم أربعة لاعبين دون ذكر أسمائهم بالتحكم بالمنتخب، ولهم السلطة بمعظم القرارات، وأوضح أن المدرب السابق نزار محروس قال له، قبل مباراة إيران، “إذا بلعبك رح يزعلوا لاعبين غيرك”.
كما اتهم إياز المدرب الروماني تيتا بأنه “رجل منساق ومُسيّر، يسمع لغيره وينفذ طلبهم ليحافظ على منصبه، ويزعم بأنه والد للاعبين”، لكنه لم يتعامل مع إياز كذلك، حسب وصفه.
إبراهيم عالمة أكد تحكم بعض الأفراد في إدارة المنتخب من خلال حديثه عن وجود أشخاص داخل الاتحاد الرياضي يريدون إقصاء وتحييد عالمة وعدة لاعبين خارج المنتخب لأهداف ومصالح شخصية لتمرير خططهم “المشبوهة”، بحسب الحارس.
وأوضح عالمة أن كرة القدم في سوريا تُدار من خلال أشخاص لهم علاقات مع صفحات ومواقع على وسائل التواصل الاجتماعي، لغاية ضرب الاستقرار في المنتخب، وإلهاء الناس واللاعبين بحروب فيما بينهم.
وأضاف الحارس أن اللاعبين يتعرضون لهجوم شخصي يؤثر عليهم نفسيًا، ويحاول اللاعبون أثناء المعسكرات الخروج من المعمعة والمستنقع الذي يجرهم بعض الأشخاص في الاتحاد إليه.
الحكم الخطيب أوضح أن هناك عدة أشخاص من ضباط في قوات الجيش والشرطة تعمل على “السمسرة” في بيع المباريات من خلال دعم بعض حكام كرة القدم وإغرائهم بالمال والمشاركات الخارجية للاستفادة منهم بالتلاعب في نتائج المباريات في ما يسمى الدوري السوري للمحترفين.
الأخطاء الإدارية باقية وتتمدد
الأخطاء الإدارية والخلافات في منظومة كرة القدم لا يمكن إخفاؤها، فسرعان ما تطفو على السطح بظهور الأنباء عبر مواقع وصفحات غير رسمية، لتخرج بيانات وقرارات اتحاد كرة القدم تعتبرها أخطاء إدارية ولوجستية.
ورافقت بعثة المنتخب في الإمارات مشاكل عديدة مثل نسيان أربعة جوازات سفر للاعبين المحترفين في دمشق، الذي كاد أن يتسبب بحرمان بعض اللاعبين المغتربين من اللعب في الإمارات، لأن اللاعبين القادمين من أوروبا جاؤوا عبر جوازاتهم الأوروبية، في حين تتطلب مشاركتهم في المباريات جوازات سفرهم السورية.
ورد اتحاد كرة القدم بأن مسؤولية جوازات السفر محصورة بالإداريين في المنتخب، وتعهد بمحاسبتهم عن هذا الخطأ الإداري، بعد أن أثارت هذه الأنباء جدلًا واسعًا واتهامات للاتحاد بأنه “آخر من يعلم بكرة القدم”.
الخطأ والخلل الإداري كان تبريرًا أيضًا لما كشف عالمة عنه من فساد يضرب منظومة كرة القدم، وأوضحت اللجنة المؤقتة بعد حديث عالمة أن هناك خللًا إداريًا في المنتخب يجب الوقوف عنده، مع التركيز على تلافي الثغرات التي يجب أن يتم تداركها.
هذا التوضيح “المعتاد والروتيني والمتوقع”، بحسب ما رصدته عنب بلدي من تعليقات في “فيس بوك”، جاء بعد الاجتماع مع الحارس عالمة على خلفية تصريحات صحفية أدلى بها.
الأخطاء الإدارية أصبحت الكلمة الأكثر شهرة في أوساط الرياضة السورية، لتبرير فشل وأخطاء ونتائج غير مرضية، حتى أصبحت متداولة بكثرة للتعبير عن التهكم والسخرية.
وجود أفضل المدربين بالعالم لن يغير شيئًا والأخطاء ستبقى بوجود نفس الأسماء المتحكمة بالعمل الإداري، بحسب الصحفي الرياضي الذي قابلته عنب بلدي، ويرى أن وجود نفس الأشخاص مع تغيير الاتحادات، يتحكم بعناصر العمل الإداري بالمنتخبات السورية، ويهيمن على جميع البعثات الخارجية ولا تتيح الفرصة للعناصر الشابة بالدخول ضمن دائرة العمل الإداري.
الصحفي السوري أكد أن ليس المدرب فقط بل الكرة السورية بجميع عناصرها من لاعبين وإداريين ومدربين وحتى المشجعين بعيدون كل البعد عن الكرة المعاصرة، والسبب طبعًا ضعف البنية التحتية من ملاعب ومنشآت رياضية ومرافق عامة وضعف عقلية اللاعب والمدرب السوري.
كراتين ممنوعة وأغراض شخصية
وعقدت اللجنة المؤقتة اجتماعًا بحضور رئيسها، نبيل السباعي، وعضو اللجنة أحمد قوطرش، وحارس المرمى إبراهيم عالمة، في 21 من شباط الحالي، بعد أن أدلى عالمة كشف فيها عن فساد في منظومة اتحاد كرة القدم والمنتخب.
وأثار عالمة جدلًا واسعًا بحديثه عن كراتين تحمل مواد لا تخص المنتخب ولا الاتحاد، ولا يسمح بدخولها إلى للبلد، كانت ضمن تجهيزات المنتخب، وقال اللاعب إنه “خلال المعسكر الأخير بالإمارات، تحول بعض لاعبي المنتخب لعتّالين لنقل أغراض قيل لهم إنها كراتين تجهيزات لاعبين خاصة باتحاد الكرة، لكنها لم تكن كذلك”.
ونفى نبيل السباعي، عقب الاجتماع وجود خلاف مع حارس المنتخب إبراهيم عالمة، مشيرًا إلى أن حديث عالمة هو ترسبات وتراكمات معاناة سابقة، وأن هناك أخطاء إدارية سابقة، واللجنة المؤقتة كانت تجهلها وغير ملمة بها، واحتوت الكراتين على أغراض شخصية تخص أحمد قوطرش.
الحكم السوري فراس الخطيب أوضح لعنب بلدي أن جميع الاتحادات الرياضية في العالم يوجد فيها مكتب شؤون لاعبين محليين ومغتربين، ولا يوجد خطأ إداري، إنما خطأ متقصد وهذا موجود في منظومة الرياضة السورية.
خانكان يزيد الطين بلة
بعد أن عللت اللجنة الأخطاء الحاصلة والتجاوزات ونقص التجهيزات بالأخطاء الإدارية، ظهر مدرب المنتخب الأولمبي الأسبق عماد خانكان، ليثبت التخبطات وتطفو المشكلات على السطح من جديد.
وقال خانكان إن رئيس اللجنة، نبيل السباعي، أحضر أحد أفراد أسرته معه للسياحة، إلى معسكر المنتخب في الإمارات، معتبرًا أن مستوى اللاعبين وجدّيتهم سيتأثر في أرض الملعب، حين يرون أن المسؤول الأول عنهم ذاهب إلى المعسكر كـ”رحلة سياحية عائلية”، بحسب المدرب خانكان.
وكشف خانكان عن وجود شخص حضر مع نبيل السباعي، كانت تكاليف إقامته في الإمارات على حساب الاتحاد السوري، باستثناء تذكرة السفر التي دفع ثمنها من جيبه الخاص.
كما أفصح عن سفر أحد الأشخاص ويدعى وليد حداد مع بعثة المنتخب بتذكرة على حسابه، وارتدائه من تجهيزات المنتخب الممولة من الأموال المجمدة، وإقامته كانت على حساب المنتخب.
وتحفّظ مدرب الأولمبي سابقًا عن ذكر اسم أحد الأشخاص، أُضيفت فاتورة مشروباته الروحية إلى فاتورة المعسكر عمومًا، موضحًا أن رئيس الاتحاد الرياضي، فراس معلا، على علم ودراية بكل ما يحصل.
إقصاء غير مهني للمدربين.. أين “الأموال”؟
طريقة خروج المدربين الأجانب من المنتخب لم تكن مرضية لهم صّرح المدرب الألماني بيرند شتانغه عن عدم تفاجئه بقرار الإقالة في عام 2019، لأنه يعرف “كيف يتم التعاطي مع الأمور هناك”، مؤكدًا أن الخلافات الكثيرة الموجودة في الفريق كانت العامل الرئيسي للفشل، “لقد فشلت في إنهاء الشرخ العميق”.
بدوره، استقال المدرب التونسي نبيل معلول، في حزيران 2021، نافيًا الحصول على مستحقاته المالية، مؤكدًا أنه لا يمكن للكادر البشري الذي يرافقه، العمل دون مقابل مادي لمدة 15 شهرًا.
وأرسل محامي معلول رسالة عبر “واتساب” لـ “الاتحاد الدولي لكرة القدم”، من أجل حصول المدرب على مستحقاته المالية، إلا أن عقوبات “قيصر” التي تمنع التحويل المصرفي، حالت دون حصول معلول على أمواله، بحسب الرواية الرسمية للاتحاد.
في حديث عالمة عن قضايا “الفساد” تطرق للكلام عن إن الأموال السورية المجمدة لدى “فيفا” تُسرق، وبلغت، في 2017، سبعة ملايين دولار، وبقي منها حاليًا فقط مليونا دولار، كما أن بطاقات السفر للاعبين تُحجز من مكتب في لبنان لتكون التكلفة أعلى، رغم أن خطوط الطيران الجوية تعمل ضمن الأراضي السورية.
ليرد رئيس اللجنة المؤقتة، نبيل السباعي، بعد الاجتماع مع اللاعب، أن اللجنة تسلّمت العمل ولم يكن في صندوق اتحاد الكرة أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية، وأن الأموال المجمدة لا تزال موجودة في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
وجاء المدرب الروماني تيتا فاليريو، في تشرين الثاني 2021، كخيار إنقاذي في بطولة كأس العرب لمدة 19 يومًا، دون توقيع عقد رسمي معه حينها، ولم يتضمّن العقد الموقع لاحقًا أي شروط جزائية، وصرّح رئيس اللجنة المؤقتة، بأن الاتحاد كسب كل شيء برحيل تيتا.
المدرب الأجنبي حل غير مجدٍ
تعاقد الاتحاد الرياضي خلال السنوات الأخيرة مع عدد من المدربين الأجانب على فترات متتالية، في سبيل تطوير واقع الكرة ورفع المستوى، وتحسين الأداء، وتحقيق نتائج إيجابية، لكن العقبات كانت موجودة، وصار المدربون الأجانب غير راضين عن هذه العقود.
الصحفي الرياضي الذي قابلته عنب بلدي، أكد أن وجود مدرب أجنبي عالي المستوى لتدريب القواعد يسهم بتطوير الفئات العمرية، وبالتالي بكل تأكيد سينعكس هذا على المنتخب الأول.
لكن لا يستطيع اتحاد الكرة جلب مدرب على مستوى عالٍ، وعندما يأتي بمدرب أجنبي فإن هذه المدرب يكون عاطلًا عن العمل ويبحث عن أي فرصة، ولا يكون على قدر كافي من الثقافة الكروية، بحسب الصحفي.
وجود فرق بسعر صرف العملات الأجنبية أمام المحلية من جهة، وعدم الاهتمام بكرة القدم من جهة، شكلت عائقًا إضافيا أيضًا.
يرى الحكم الدولي فراس الخطيب أن هناك بعض المدربين المحليين المقيمين خارج سوريا قد جندوا أشخاصًا لينشئوا صفحات ومواقع “وهمية” على وسائل التواصل الاجتماعي للإطاحة بالمدرب الأجنبي، لكي يتربع المدرب المحلي على رأس المنتخب الأول لأغراض شخصية وليس للعمل.
المدرب السوري حل إسعافي
عقب خروج المدربين الأجانب من الإشراف على المنتخب، كان المدرب السوري المحلي، الحل البديل.
كثرة التخبطات جعلت الانتقادات والاتهامات تطال الجميع من لاعبين ومدربين وإداريين، وكان للمدرب السوري نصيب وافر منها، إذ يتعرض المدرب السوري لانتقادات بقلة علاقاته الدولية مع اتحادات ومدربي فرق عالمية لإجراء وديات مع دول كبرى بكرة القدم، وعدم قدرته السفر بسبب صعوبات الجنسية، إذ يحتاج السفر لكل دول العالم.
كما ينتقد بأنه لا يتقن لغات أجنبية، وأنه بعيد عن الكرة المعاصرة ومنافساتها وكيفية تطورها، لأنه لا يحضر عن قرب مباريات دوريات عالمية.
الحكم فراس الخطيب، قال إن المدرب المحلي النزيه في سوريا اعتذر عن المهمة لأن أغلب المدربين المحترفين لا يعملون في ظل مصالح شخصية و”غايات مادية، وسمسرة اللاعبين على مصلحة المنتخب الأول”.
وكان للمدرب الأجنبي تجربة، لكن التدخلات والواسطة والمحسوبية التي لا يستطيع أحد أن ينكرها، بحسب الحكم فراس، دفعت البعض للاعتذار عن المهمة.
ويتعرض المنتخب لانتقادات واسعة من جمهور المعارضة السورية، الذين يعتبرونه أداة بيد النظام السوري، خاصة مع استعراض عدد من لاعبيه مواقفهم السياسية بشكل صريح، واستقبال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المنتخب في عام 2017، بعد وصول المنتخب إلى الملحق الآسيوي المؤهل لكأس العالم 2018، لأول مرة في تاريخه.
كما يتعرّض الاتحاد الرياضي العام لاتهامات بفقدانه لمنظومة كرة القدم، وفشله في تحقيق نتائج إيجابية، واستخدامه الظروف الحالية في سوريا حجة لتبرير فشله، وتراشق التهم والمسؤوليات، وضياع الأسباب بين مسؤولية مدرب ولاعب وشخصنة الأمور وأخطاء إدارية.