الديلي بيست، 10 كانون الأول
يدعي بوتين أنّ تركيا تهرّب نفط تنظيم الدولة ولكن الحقيقة هي أن الأسد حليف التنظيم يشتري النفط منه من خلال الشراكة العامة والخاصة.
لنفترض أنّ روسيا تقول الحقيقة، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيكون المهيمن على مشروع بمليارات الدولارات لتهريب 200 ألف برميل نفط من تنظيم الدولة كل يوم ويخفيه ويصدره إلى الأسواق العالمية.
قال بوتين إن “تركيا أسقطت الطائرة في 24 تشرين الثاني لتحمي نفط التنظيم وهو في الطريق إلى موانئها، حيث يشحن بناقلات بترول تركية”.
واتهمت تركيا بالتهاون مع تنظيم الدولة، كما يطلب الناتو منها أن تعمل أكثر على إغلاق الحدود مع سوريا، لكن موسكو “تتهم أنقرة بعمل شرير أكثر وهو تمويل تنظيم إرهابي يعمل على الإبادة الجماعية في سوريا والعراق ويهاجم العواصم الأجنبية باستخدام الانتحاريين”.
وذهبت روسيا لاتهامات أكبر بكثير في مؤتمر صحفي في 2 كانون الأول، حيث قال نائب وزير الدفاع الروسي، أناتولي انتونوف، “بحسب معلومات وصلتنا فالقيادة السياسية الرئيسية في تركيا ممثلة بأردوغان وعائلته متورطون في هذا العمل الإجرامي”.
وعرضت صور لشاحنات بصف طويل وحقول نفط وهم يعبرون الحدود خلال حديث النائب ليقول إن “كل شاحنة تدخل تركيا تحمل نفط التنظيم”.
تشير اتهامات روسيا لسؤال واحد بسيط: من يشتري نفط التنظيم؟ تركيا لا تحتل مرتبة متقدمة في قائمة المشترين.
ولكن الحقيقة الخرقاء هي أن نظام الأسد المدعوم لأقصى درجة من روسيا يحتل مرتبة متقدمة أكثر في قائمة المشترين.
فمعظم نفط التنيظم يشتريه محليون داخل الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم فلا يملك التنظيم أسطول ناقلات نفط، لأن هذا ضياع للموارد والقوة العاملة. وبدل ذلك يعتمد التنظيم على مئات السماسرة الذين يؤمنون النقل ويدفعون بالكاش في الحقول النفطية التي يسيطر عليها التنظيم.
ليس على الشاحنات الذهاب بعيدًا فبيع النفط للتجار المحليين الذي يشغلون المصافي في الريف هو أرخص وأسهل. وهذه المناطق ليست بعيدة من حقول النفط الرئيسية شرق سوريا.
النفط والملكيات العائلية
تعود غالبية المصافي الصغيرة لعائلات عربية وضعها سيء ولا تنتمي للتنظيم، لأن العمل خطر ومشهد التصفية رهيب حيث غمامات من الدخان الأسود السام.
وهذه المصافي توفّر عشرات آلاف البراميل يوميًا ويباع الوقود منها على أطراف محطات الوقود وجزء كبير يذهب للسماسرة، الذين يوصلون النفط إلى مراكز سكنية حيث يزداد الطلب.
هل يبدو هذا مألوفًا؟ لقد وصفت للتو شراكة خاصة وعامة، القطاع العام يعني تنظيم الدولة ولذلك يوجد تأكيد على كلمة الدولة، التي تسيطر على النفط في المصدر كشركة نفط وطنية.
ثم تبيع النفط لتجار من قطاع خاص يبيعونه لمصافي خاصة، ثم تبيعه المصافي للمستهلكين بشكل مباشر أو غير مباشر.
تورط تنظيم الدولة في تجارة النفط محدود في الحقول، بينما يجمع الضرائب والغرامات داخل أراضيه. تظهر التجارة كأنها منظمة لدرجة أنه يمكن أن يكون التنظيم قد نظمها بطرق أخرى، مثل ترخيص الناقلات لتسير في طرق معينة لضمان التزوّد المستمر بالنفط الخام.
شراكة عامة وخاصة
عندما تدعي روسيا أن التنظيم يهرّب 200 ألف برميل يوميًا، فان روسيا تفترض أن التنظيم ينتج هذه الكمية. في الواقع لا يعتقد أن التنظيم يضخ هذا القدر من النفط. التقييم الداخلي للتنظيم نفسه الذي استولت عليه القوات الخاصة الاميركية في غارة أيار الماضي عندما قتلت أمير النفط أبو سيف فإن الإنتاج قدر ب 55 الف برميل يوميًا.
أما التقديرات الحديثة فتشير إلى إنتاج 40 ألف برميل كحد أقصى.
أكثر من 5 مليون نسمة عالقين في أراضي التنظيم ويمكن أن يستهلكو هذا الإنتاج بشكل يومي، كما أن التنظيم في حالة حرب.
نعرف أنّ التنظيم عقد اتفاقًا سريًا مع جار، ولكن هذا الجار ليس تركيا.
النظام السوري عمل مع التنظيم منذ أول يوم، كما فعل مع جبهة النصرة ومتمردين آخرين استولوا على منابع الطاقة في وقت مبكر من الحرب.
حدد الاتحاد الأوروبي في آذار الماضي رجل بشار الأسد الرئيسي في هذه الصفقات مع التنظيم، جورج حسواني، بينما أخذت وزارة الخزانة الأمريكية خطوة أكبر في 25 تشرين الثاني، إذ اتهمت حسواني بالإضافة لصفقات النفط، ببناء شركة HESCO الهندسية لتخديم حقول النفط التابعة للتظيم.
وخلال الضربات الجوية الأخيرة على حقول النفط، قال المسؤولون الأمريكيون إن “الشبكة النفطية أكثر مقاومة ولها موارد أكثر مما هو متوقع”.
مرة أخرى، أشارت الخزانة الأميركية في أيلول الماضي إلى أنّ التنظيم قد زاد الإنتاج النفطي هذا العام، ويمكن القول أنه تلقى مساعدة من رجل الأسد.
لا نعرف كمية النفط التي أرسلها التنظيم للأسد ولكن من دون شك هو يحتاجها؛ منتصف 2015، بلغ انتاج النظام السوري من النفط أقل من 10 آلاف برميل يوميًا، وهذا كان قبل انسحاب قوات النظام من أراضي غنية بالنفط.
اليوم، لا أحد يعرف من سماء سوريا كم من النفط يمر عبر الأنابيب إلى المصافي النفطية التي يسيطر عليها النظام في الغرب.
على سبيل المثال، في نيسان الماضي، قال وزير النفط السوري إنه “يتم تصفية 106 ألف برميل يوميًا”.
بالاضافة للنفط، يزود التنظيم النظام السوري بالغاز الطبيعي، وهذه الصفقات متينة لأن التنظيم لا يستطيع استخدام أو بيع الغاز لأي طرف لأنه يجب أن يتمسك في المصدر، لأن المستخدمين الوحيدين المتصلين مع حقول الغاز هي محطات توليد الكهرباء، المصافي، والمنشآت الصناعية التي تتركز في مناطق الأسد.
حقول الغاز الموجودة حول تدمر تنتج هيدروكربونات سائلة أخف بالإضافة للغاز، ويأخذ التنظيم مايستطيع ويحوله لوقود بينما يذهب الغاز إلى النظام في الغرب.
في 2014، كان يوجد دليل واضح على تهريب الوقود إلى تركيا ولكن ليس نفطًا خام، يجب أن نميز الفرق. تركيا بالتاكيد لديها شهية لبنزين أرخص، ولكن التنظيم لا يبيع وقودًا هذه الأيام، هو يبيع نفطًا خامًا بعد أن خسر عشرات المصافي بسبب الضربات الجوية لقوات التحالف.
ادعائات روسيا المذهلة لا تماثل الحقائق على الأرض وواقع التهريب في هذا الجزء من العالم… روسيا أسست شهرة جيدة بقدرتها على تضليل المعلومات.
“موسكو بوتين” لا تميز في سوريا، فالبنسبة له كل متمّرد هو تنظيم دولة وكل شاحنة “تنقل نفط التنظيم”.