ماذا وراء سعي النظام للتهدئة الفورية في مواجهات درعا الأخيرة؟
هاجمت قوات النظام السوري، في 15 من آذار الحالي، مدينة جاسم شمالي درعا، واصطدمت بمقاومة من قبل مقاتلين محليين، ما أسفر عن مقتل خمسة من القوات المهاجمة، إضافة إلى نحو ست آليات خسرتها، إلى جانب خمسة أسرى.
ومع اشتداد التوتر في المدينة، سارع “اللواء الثامن” المدعوم روسيًا إلى التدخل المباشر لفض النزاع، دون طلب من وجهاء المنطقة، على غير عادته، إذ أشرف على المفاوضات بين سكان المنطقة وقوات النظام.
قيادي سابق في فصائل المعارضة، قال لعنب بلدي، إن جانب النظام السوري كان لينًا خلال المفاوضات، وانسحب دون تصعيد، حتى إنه لم يطلب تسليم السلاح الذي هوجم به، وهو أمر غير اعتيادي بالنسبة للنظام في درعا.
وأضاف القيادي الذي ينحدر من مدينة جاسم، أن النظام جَنح للتفاوض مباشرة، لأن اشتباكات جاسم كانت ستفتح عليه جبهات أخرى من مناطق درعا، وهو ما لا ينوي التورط به في الوقت الحالي في ظل غياب حليفه الروسي.
وأضاف القيادي الذي تحفظت عنب بلدي على اسمه لأسباب أمنية، أن “التسوية” الأخيرة، التي جرت نهاية عام 2021، كانت “بطلب دولي” لسحب السلاح من المقاتلين المحليين للموافقة على مد خط الغاز العربي، وهو أحد الأسباب الذي يمنع النظام حاليًا من فتح جبهات تثبت أن المنطقة غير آمنة وغير خاضعة لسيطرته.
اقتحام جاسم “اختبار لجاهزية المنطقة”
تصدى المقاتلون المحليون في مدينة جاسم للدورية الأمنية التي حاولت اقتحام المدينة لاعتقال مطلوبين، إذ خسرت القوات المهاجمة عددًا من الآليات العسكرية والأسلحة، وأُسر عدد من عناصرها.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي حينها، فإن مقاتلي المنطقة أعطبوا ثلاث آليات بشكل كامل، وأُصيبت ثلاث أخرى في أثناء المواجهات، تركها العناصر وفروا من المنطقة، وكان متوقعًا أن يرد النظام بشكل عنيف، وهو ما لم يحدث لاحقًا.
ويرى المحلل العسكري العميد أسعد عوض الزعبي، أن النظام نفذ في جاسم ما أسماه “بالون اختبار”، إلا أن نتائجه كانت عكسية، مشيرًا إلى أنه لو لم يلقَ مقاومة، لكان نفذ حملات أمنية في عدد كبير من مناطق درعا.
ومع تصاعد حدة الموقف، لجأ مباشرة لحليفه “اللواء الثامن”، الذي يمثّل القوات الروسية في الجنوب السوري.
وأضاف الزعبي أن تزامن التوترات بين جبهتي درعا والسويداء دفعه لعدم التصعيد ومحاولة احتواء الموقف، إذ تشكّل محافظتا درعا والسويداء معظم مساحات الجنوب السوري.
وسبق أن حاول النظام، في 18 من آذار 2020، التقدم عسكريًا باتجاه حاجز “مساكن جلين” شمالي المحافظة، دون التنسيق مع “اللجنة المركزية” المُمثلة لأبناء المنطقة، وجرت اشتباكات دفعت القوات المهاجمة للتراجع وقصف بلدة جلين، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص بينهم طفلان.
وتدخّل “اللواء الثامن” حينها لسحب جثث قوات النظام، ووقف الأعمال العسكرية في المنطقة.
وفي مطلع الشهر ذاته، هاجمت قوات النظام مدعومة بالمدفعية مدينة الصنمين، واستمرت الاشتباكات ليومين، حتى تدخّل “اللواء” الذي فض الاشتباكات، وأشرف على “تسوية” انتهت بترحيل الرافضين للاتفاق إلى الشمال السوري.
روسيا تتفادى التصعيد
رغم أن “اللواء الثامن” المدعوم روسيًا كان الراعي الرسمي بإشراف روسيا لاتفاقيات “التسوية” التي تكررت في درعا، فإنه دائمًا ما تدخّل بعد وصول التصعيد إلى ذروته، وتحوّل المواجهات إلى عمليات عسكرية واسعة.
وهو ما لم يحدث في مدينة جاسم شمالي درعا خلال المواجهات الأخيرة، إذ تدخّل “اللواء” من تلقاء نفسه حتى قبل أن يتطور الصدام إلى عمليات عسكرية.
تبع ذلك نقل قوات النظام العميد عقاب صقر عباس، المسؤول عن قوات “أمن الدولة”، من محافظة درعا إلى مدينة الحسكة، على خلفية إيعازه بالهجوم على مدينة جاسم.
وعن الدور الروسي في الموقف الأخير، سألت عنب بلدي الباحث والمحلل السياسي عبد الوهاب عاصي، الذي يرى أن من المفترض ألا تنشغل روسيا بأي تصعيد جديد في سوريا حاليًا، خصوصًا أن هذا التصعيد “غير مخطط له”، طالما أن أولويتها منصبّة على “غزوها” لأوكرانيا.
وأضاف عاصي أن موقف روسيا المتوقّع لا بدّ أن يجعل النظام يتراجع عن أي خطوة من شأنها الإخلال بحسابات الربح والخسارة التي تمت صياغتها بعناية من قبل حلفائه عام 2018.
في حين أن اللجنة الأمنية التابعة للنظام سبق ووقعت اتفاقًا للتهدئة مع “اللجنة المركزية” في درعا قبل نحو ستة أشهر، رغم عدم حسم النظام ملف المنطقة الجنوبية لمصلحته، بدعم من إيران.
وبحسب عاصي، فإن روسيا باتت حريصة اليوم على تقديم نفسها كـ”وسيط”، وإن كان غير محايد، وهو الدور الذي لعبته منذ “تسوية” آذار 2018 عندما سيطرت قوات النظام على الجنوب السوري بدعم روسي.
وحول تزامن الاشتباكات مع الذكرى الـ11 للثورة السورية، قال عاصي، إن موقف النظام من الأعمال العسكرية، وإن تزامن مع ذكرى الثورة السورية، إلا أنه مرتبط بالموقف الروسي، والنظام يسعى لبسط السيطرة على الجنوب عبر “قطع الصلة بين اللجنة المركزية والمجتمع المحلي”.
وقصفت قوات النظام، في 14 من كانون الأول 2021، مدينة الحراك بالمدفعية بعد مهاجمة مجهولين حاجزًا لقوات النظام، كما استهدفت بقذائف المدفعية الثقيلة مدينة نوى بريف درعا الغربي في 29 تشرين الثاني من العام ذاته، بعد مقتل ثلاثة عناصر من النظام في المنطقة بهجوم لمجهولين.
كما استهدفت مدفعية النظام مدينة طفس بريف درعا الغربي في 26 من آب 2021، بأكثر من 50 قذيفة سقطت بشكل عشوائي واستهدفت أحياء المدينة، على خلفية استهداف مجهولين سيارة عسكرية تابعة له، على الطريق الواصل بين الشيخ مسكين ونوى غربي درعا.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :